نسب أبو بكر بن عبد الرحمن ومولده
هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم [1]، قيل: اسمه محمد، وقيل اسمه أبو بكر [2]، وكنيته أبو عبد الرحمن [3]، وهو تابعي [4]، من سادات قريش [5].

وُلِد في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه [6]، وله عدَّة إخوة [7]، وأمُّه فاختة بنت عنبة بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس العامري [8]، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أبي وأم "أبي بكر": زوجوا الشريد الشريدة؛ وذلك لأنَّ الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو خرجا إلى الشام بأهلهما فماتوا كلهم، ولم يرجع منهم إلَّا عبد الرحمن وفاختة، ولذلك قال عمر: زوجوا الشريد الشريدة، فزوجهما وأقطعهما خطة بالمدينة [9].


مكانة أبو بكر بن عبد الرحمن العلمية وروايته للحديث
كان أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ثقةً فقيهًا عالمـًا، سخيًّا كثير الحديث [10]، حتى عدَّه البعض أحد الفقهاء السبعة في المدينة [11]، ومن أئمَّة الحديث والفقه [12]، وأحد أئمَّة المسلمين [13]، وقد سمع أبو بكر رحمه الله من عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما زوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم [14]، وروى عن أبيه وعمار بن ياسر وأبي مسعود الأنصاري وأبي هريرة وطائفة أخرى رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

وروى عنه الحكم بن عتيبة، والزهري، وعمرو بن دينار، وبنوه: عبد الله، وعبد الملك، وعمر، وسَلَمَة، وآخرون [15].


عبادة أبو بكر بن عبد الرحمن وفضله
كان أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث على جانبٍ عظيمٍ من الثقة والأمانة والفقه وصحَّة الرواية [16]، وكان يُقال له: "راهب قريش" لكثرة صلاته وفضله، وكان يصوم الدهر [17]، واستصغر يوم الجمل فرد [18]، وذهب بصره في آخر عمره [19].

وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عنه: «وددتُ أنِّي كان في عشرة من الولد من رسول الله،كلُّ واحدٍ مثل أبي بكر بن عبد الرحمن، كنت ثكلتهم ولا خرجت مخرجي إلى البصرة [20].

وقد كان عبد الملك بن مروان يُكْرِمَه ويعرف فضله، ويقول: "إنِّي أهمُّ بالشَّيء أفعله بأهل المدينة لسوء أثرهم عندنا، فأذكر أبا بكر بن عبد الرحمن فأستحي منه، وأترك ذلك الأمر من أجله" [21].


وفاة أبو بكر بن عبد الرحمن
قال: عبد الله بن جعفر: صلَّى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث العصر، ثم دخل مغتسله فسقط فجعل يقول: "والله ما أحدثت في صدر نهاري هذا شيئًا". فما علمت غربت الشمس حتى مات، وذلك سنة أربع وتسعين (94هـ) بالمدينة.

وكان يُقال لهذه السنة سنة الفقهاء لكثرة من مات منهم فيها [22]، وقيل: إنَّه مات في سنة ثلاث وتسعين، أو خمس وتسمعين، والأوَّل أظهر [23].


[1] ابن سعد: الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ= 1990م، 5/ 159، وأبو علي الغساني: تقييد المهمل وتمييز المشكل، تحقيق: علي بن محمد العمران، ومحمد عزيز شمس، دار عالم الفوائد، الطبعة الأولى 1421ه= 2000م، 2/ 358.
[2] المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400ه= 1980م، 33/ 112.
[3] أبو الوليد الباجي: التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، تحقيق: أبو لبابة حسين، دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1406هـ= 1986م، 3/ 1254، والمزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 33/ 112.
[4] ابن أبي خيثمة: التاريخ الكبير، تحقيق: صلاح بن فتحي هلال، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1427هـ= 2006م، 2/ 172.
[5] ابن حبان: الثقات، دائرة المعارف العثمانية، بحيدر آباد الدكن، الهند، الطبعة الأولى، 1393ه‍= 1973م، 5/ 560.
[6] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 160، وابن عساكر: تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415هـ= 1995م 66/ 33.
[7] الذهبي: تاريخ الإسلام، تحقيق: الدكتور بشار عوَّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 2003م، 2/ 1193.
[8] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 159، وأبو علي الغساني: تقييد المهمل وتمييز المشكل، 2/ 358.
[9] ابن سبط الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، دار الرسالة العالمية، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى، 1434هـ= 2013م، 10/ 57.
[10] المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 33/ 113.
[11] الفقهاء السبعة هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعبيد الله بن عبد الله، وخارجة بن زيد بن ثابت، وسليمان بن يسار، واختلف في الفقيه السابع؛ فقيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيل: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث. انظر: النووي: تهذيب الأسماء واللغات، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1/ 16، وعبد القادر القرشي: الجواهر المضية في طبقات الحنفية، مير محمد كتب خانه، كراتشي، 2/ 421. وأبو الوليد الباجي: التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، 3/ 1254، وأبو علي الغساني: تقييد المهمل وتمييز المشكل، 2/ 358، وابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1900هـ، 1/ 282، والمزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 33/ 112، والذهبي: تاريخ الإسلام، 2/ 1193.
[12] أبو الوليد الباجي: التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيح، 3/ 1254.
[13] المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 33/ 113.
[14] أبي أحمد الحاكم: الأسامي والكنى، تحقيق: يوسق بن محمد الدخيل، دار الغرباء الأثرية بالمدينة، الطبعة الأولى، 1994م، 2/ 100.
[15] ابن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، تحقيق: أكرم البوشي، إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان الطبعة الثانية، 1417هـ= 1996م، 1/ 127، 128، والذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناءوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405هـ= 1985م، 4/ 416.
[16] ابن كثير: البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان الطبعة الأولى، 1418هـ= 1997م، 12/ 503.
[17] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 160، والدينوري: المعارف، تحقيق: ثروت عكاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، الطبعة الثانية، 1992م، 1/ 282، والجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ= 1992م، 6/ 334، وابن كثير: البداية والنهاية، 12/ 503.
[18] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 160، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 66/ 33.
[19]ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 160، والدينوري: المعارف، 1/ 282، والمزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 33/ 113، وابن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، 128، ابن سبط الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، 10/ 59.
[20] ابن سبط الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، 10/ 57.
[21] ابن كثير: البداية والنهاية، 12/ 503- 504.
[22] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 5/ 160، 161، وابن عساكر: تاريخ دمشق، 66/ 38. المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، 33/ 117.
[23] ابن سبط الجوزي: مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، 10/ 59.
قصة الإسلام