"إن كنا نعرف كل شيء عن الكون في حالته الراهنة، إذن لا شيء سيكون غير مؤكد، والمستقبل كما الماضي، سيكون حاضرًا بالنسبة لأعيننا". هذا ما قاله بيير سيمون لابلاس سنة 1814 في "مقال فلسفي على الاحتمالات"، هو الكلام نفسه الذي تقوله معادلات نيوتن التي نشرت سنة 1687، في كَوْنِ نيوتن ولابلاس، حيث اللامتوقع لا مكان له!
في سنة 1880، هنري بوانكاريه مواجهًا معضلة الأجسام الثلاثة، في حالة خاصة من هذه المشكلة توصل بوانكاريه إلى أن هناك حساسية بالنسبة للشروط الابتدائية.
الزمن 28 يونيو 1914، المكان سراييفو عاصمة البوسنة، مكان وتاريخ أغلبنا يعرفه، كيف لا وهو يوم شهد حدثًا بسيطًا، لكن تأثيره كان مدمرًا، اغتيال فرديناند ولي عهد النمسا وزوجته على يد طالب صربي يدعى غافريلو برنسيب، هذا الحدث الذي يبدو بسيطًا بالنسبة للعالم أجمع، أطلق شرارة الحرب العالمية الأولى!
يمكن أن نرى هذا الأمر بطريقة بسيطة: القيام بأي شيء ولو بدا بسيطًا قد يؤثر بعد مدة ما ولو بطريقة غير مباشرة في أحداث مستقبلية!
في مقولة تحمل عدة صيغ تنسب لبنجامين فرانكلين، أنَّ "ضياعَ مسمارٍ أدَّى إلى ضياعِ حدوةِ الحصانِ، وضياعُ الحدوةِ أدَّى إلى ضياعِ الحصانِ، وضياعُ الحصانِ أدَّى إلى ضياعِ الفارسِ، وضياعُ الفارسِ أدَّى إلى ضياع الرسالة التي كان يحملها، وضياعُ الرسالة أدَّى إلى خسارةِ المعركةِ، وخسارةُ المعركةِ أدّت إلى سقوطِ المملكةِ"..
أحداث بسيطة تؤدي إلى نتائج كبيرة! إنه أثر الفراشة.
يمكنكم مشاهدة الظاهرة في الفيديو الآتي:
لنحرك آلة الزمن الخاصة بنا، شتاء 1961، إدوارد لورنز Edward Lorenz - عالم الرياضيات وأستاذ علم الأرصاد الجوية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT - أدخل بعض الأرقام لبرنامج محاكاة للطقس، غادر مكتبه ليرتشف كوبًا من القهوة، عندما عاد فاجأته نتائج الحاسوب، نتائج ستغير الكثير من الأمور، فيما يخص فهمنا لبعض الأمور، فماذا حدث بالضبط؟
النموذج الرياضي اعتمد على اثنتي عشرة معادلة لمحاكاة تحولات الطقس ومحاولة التنبؤ بتغيراته، 12 متغيرًا تمثل درجة الحرارة، سرعة الرياح وعناصر أخرى… في هذا اليوم كان لورنز يكرر المحاكاة التي كان يديرها في وقت سابق، لكنه قرب قيمة متغير واحد، فبدلًا من أن تكون الأرقام وراء الفاصلة هي 506127 وضع عالمنا 506 فقط؛ أي إن الفرق فقط 0.000127 بالنسبة لمتغير واحد ويبدو أنه غير مؤثر، لكن ما حصل جعله يدرك أن تغييرات صغيرة قد تؤدي إلى نتائج كبيرة، فرغم الاختلاف البسيط على مستوى الشرط الابتدائي والذي بدا في بداية المنحنيين، اختلافًا يبدو كرفرفة جناح فراشة، لكن أثره كان عظيمًا بعد مدة زمنية معينة!
(a) لورنز، يدرس سلسلة زمنية مولدة بالكمبيوتر.
(b) النسخة الأصلية للمنحنى الذي حصل عليه لورنز، والذي مكنه من اكتشاف تأثير الفراشة.
سلسلتان زمنيتان وُلدتا بالمعادلات نفسها، ولكن بشروط أولية مختلفة قليلًا. وتتباين السلسلة أضعافًا مضاعفة مع الوقت بسبب الحساسية للشروط البدئية.
هذا ما عرف في ما بعد بأثر الفراشة، إذ اقترح لورنز أن رفرفة جناح فراشة قد تؤدي إلى إعصار! وهو ما أدى إلى ولادة نظرية الفوضى أو الشواش (Chaos theory)، وفيما بعد حاول لورنز البحث عن مجموعة معادلات أسهل من ما سبق ليدرس حساسية النظام للشروط الابتدائية.
واعتمد على مقال للباحث سالتزمان Saltzman نُشِر في يوليوز 1962، توصل بعدها لورنز في نوفمبر من السنة نفسها إلى نظام معادلات جميل يتكون من 3 معادلات.
النتائج نشرت في يناير 1963 في مقال بعنوان "التدفق غير الدوري الحتمي" "Deterministic Nonperiodic Flow"، نظام المعادلات هذا يعرف باسم جاذب لورنز Lorenz Attractor، بنسبة لقيم محدد لنرى بوضوح تأثير الفراشة، وبعيدًا عن المفاهيم الرياضياتية المعقدة سنكرر اليوم ما فعله لورنز وسنحل عدديًّا هذه المعادلات، حل المعادلة التفاضلية يمكن رسمه بعدِّه تابعًا بدلالة الزمن، والحل عبارة عن نقطة تتحرك عبر الزمن، الجميل أن حل المعادلة بالنسبة للقيم الآتية:
يُشبه جناحا فراشة، سنقوم بمقارنة الحل بشرط بدئي (x0،y0،z0) سيرمز له في المحاكاة بـ (X1(t) ، Y1(t)،Z1(t)) مع حل بشرط ابتدائي (x0 + 10-15،y0،z0) سيرمز له بـ (X2(t) ، Y2(t)،Z2(t)) أي أن هناك فرق 15-10 على مستوى x0، شاهد تأثير هذا الفرق الذي لا يكاد يذكر !
انظر الفيديو المرفق الذي يوضح المحاكاة هنا
كان محمود درويش دقيقًا للغاية، رغم كونه شاعرًا؛ فإنه وضع وصفًا جميًلا في إحدى قصائده، عندما قال أثر الفراشة لا يُرى، أثر الفراشة لا يزول!