تأثُّر اللغات بعضها ببعض، وأخذ إحداها عن الأُخريات ظاهرة عامة تشمل اللغات المعروفة في العالم قديماً وحديثاً. وقد اقترضت العربية في تاريخها الطويل ألفاظاً كثيرةً من لغات الحضارات الكبرى في الشرق في كل شأنٍ من شؤون الحياة. وهذه الألفاظ الدخيلة في حركة مستمرة؛ فثمّ ألفاظ جديدة تُقترض، وأخرى تُهجر وتُترك لاختلاف الظروف وتغيّر الأحوال، فضلاً عن التطوّر الدلالي أحياناً بسبب استعمالاتها المختلفة في هذا المجال أو ذاك.
ولن يكون الكلام هنا على "الدخيل" أو "المُعرَّب" من حيث أسبابه وعوامله، أو من حيث أصوله واشتقاقه، أو من حيث تاريخه وتطوّره، لأن هذا البحث سيكون مقصوراً على طائفة من الألفاظ التي أخذتها اللغات الأوروبية عن العربية منذ زمن بعيد – سواء أكانت أصيلة أم معرَّبة – فاستعملتها قروناً طوالاً شهدت ازدهار حضارة الغرب ازدهاراً لا يزال إلى اليوم في ازدياد، وتقهقر حضارة العرب تقهقراً لم تتخلص الفصحى من آثاره بعد. ثم عادت هذه الألفاظ إلينا ضمن طوفان الدّخيل من التركية في العهد العثماني ثم من لغات الغرب في عصرنا هذا، وقد أصاب التغيير مبناها تارةً ومعناها تارةً أخرى أو كليهما معاً، مما جعل عربيتها تخفى علينا أحياناً كما تخفى عروبة المغترب العائد إلينا في زيٍّ غربيٍّ بعد طول اغتراب. ولذا وُسِمت في هذا البحث بأنها ألفاظ عربية معرَّبة، فهي مأخوذة في الأصل عن العربية ولكنها – كما نستعملها اليوم - معرّبة من حيث الصيغة والدلالة.
وإليك بيان المجموعة الأولى منها مرتبةً على حروف المعجم العربي:
1- الأرضي شوكي: أنكر اللغويون المحدثون عربية هذا التعبير لمخالفته قواعد العربية؛ فلو كان – كما قالوا - عربياً لوجب أن يكون "الشوك الأرضي" أو – وهذا أفصح – شوك الأرض(). ولذا استغلق على بعضهم فذهب يلتمس له أصلاً في الفارسية هو "أرْد شاهي"(). وترجع صيغة الأعجمية وهي: Artichoke في الإنجليزية، و Artischocke في الألمانية، و: Artisjok في الهولندية، و: Artichaut في الفرنسية إلى الصيغة: Articiocco في الإيطالية الشمالية.
ويبدو أن المُعرِّب() وَهِمَ فَظنَّ أن لفظ Articiocco مؤلف من كلمتي "أرض" و"شوك" وقوّى هذا الوهم عنده الشكل الخارجي لهذا الضرب من النبات – لأنه مغطى بما يشبه الأشواك – فعرّبه على هذا النحو.
غير أن المعجمات ثنائية اللغة أعادت اللفظ الأعجمي – وهو الاسم الشائع لهذا النبات الذي يدعى Synara Scolymus في اللاتينية – إلى أصله العربي فذكرت أنه "الخُرْشوف" أو "الخَرْشَف" أو "الحَرْشف"(). وبالرغم من أن المرء لا يجد في المعجمين "لسان العرب" و"تاج العروس" سوى "الحَرْشف" بالحاء المهملة()، فإن عالم النبات المعروف ابن البيطار المتوفى سنة 1249م أورد الصيغ الثلاث في كتابه "جامع المفردات" وعرّفها فقال: الحَرْشف: هو أنواع كثيرة، ولكن المشهور منها نوعان: بستاني ويسمّى الكنكر ...؛ وبَرّي: رؤوسه كبار على قدر الرّمّان وشوكه حديد وليس له ساق، ويؤكل هذا النبات وهو طري مثلما يؤكل الهليون. ويسمى أيضاً: خرشف وخرشوف بالنبطية وقاغة بالبربرية وكنار وچنارة وقنارة وهيشر وعكوب والطرية ... ().
ولا شك أن الصلة بين الأصل العربي "الخرشوف" وأي من الصيغ الأعجمية المذكورة أعلاه ليست ظاهرة. ولعل هذا ما جعل المعجم الاشتقاقي للألمانية يمتنع عن الكلام على أصل الصيغة الإيطالية الشمالية: Articiocco()، وجعل غيره يبحث عن أصل لهذا اللفظ في اليونانية().
بيد أن معجم أكسفورد المطوّل جلا – في رأي - هذه المسألة جلاءً لا لبس فيه؛ فبيّن أن الصيغة الإيطالية المذكورة لم تؤخذ عن العربية مباشرة، إذ انتقل اللفظ أولاً إلى العربية الإسبانية بصيغة Alkharshof، ومنها إلى الإسبانية القديمة بصيغة Alcarchofa، وكلتاهما بأداة التعريف العربية. ثم ظهرت الصيغ الثلاث: Arciciofo وArciciocco - بإبدال اللام راءً فيهما – و: Articiocco- بإبدال حرف الـ c - بعد الراء تاءً فيها، فكانت مصدراً للصيغ المعروفة في شتى اللغات الأوروبية(). ويرجع التطور في هذه الصيغ الثلاث إلى تأثرها بكلمات وبوادئ ولواحق أصيلة، فتأثرت بالبادئة – aric أو arch بمعنى "رئيس" وبكلمة ciocco - بمعنى "أصل الشجرة أو جِذْلها" وبكلمة cioffo بمعنى "طوق في عنق الحصان". وحدث مثل ذلك في الصيغة الفرنسية القديمة Artichau، إذ قيست النهاية chau - فيها على كلمة chou بمعنى "كرنب، ملفوف" وعلى chaud بمعنى "حار" وعلى haut أو harlt بمعنى "عالٍ، مرتفع" فتحولت هذه الصيغة إلى Artichau أو Artichou أو Artichaud أو Artichault أو إلى الصيغة الحالية Artichaut. ويصدق هذا أيضاً على الصيغ القديمة الأخرى في الإيطالية والفرنسية من القرن السادس عشر: Articoccus و Articoctus و Articactus فقد تأثرت ثلاثتها بكلمة cactus بمعنى "الصبّار" التي كانت اسماً لنبات الـ cardon في اللاتينية القديمة(). ومما يدل على مدى تأثير الاشتقاق الشعبي فيما أصاب هذا اللفظ من تغيير في اللغات الأوروبية عبر القرون، كثرة صيغه في الإنجليزية أيضاً، إذ أورد له المعجم أكسفورد المطول سبع عشرة صيغة تمثل تطوره منذ منتصف القرن السادس عشر، ومنها: Archichoke و: Hartichock و Artichaux حتى استقر في صيغته الحالية قبيل منتصف القرن التاسع عشر().
ويلاحظ أن صيغ اللفظ المستعملة اليوم في ثلاث من اللغات، هي: Alcachofa في الإسبانية، و: Alcachofra في البرتغالية، و: Carciofo في الإيطالية تؤكد أصله العربي.
والطريف أن اللفظ الدخيل "الأرضي شوكي" وأصله العربي "الخرشوف" مستعملان كلاهما اليوم في العربية، فأولهما في بلاد الشام والآخر في مصر.
2- أليداد: ذكرت المعجمات الغربية أن لفظ Alidade – وهذه صيغته في الإنجليزية والفرنسية – كان في الأصل اسما لمؤشّر في الأسطرلاب أخذ عن كلمة "العِضَادة" بمعنى: نصف القطر المحوري في الدائرة(). والعضادة لغةً من "العَضُد" وهو – في المعجم الوسيط - ما بين المرفق إلى الكتف.
وقد استعمل في القرن الخامس عشر في الصيغ: Allidatha و Alhidada و Alidada في اللاتينية المتوسطة، وانتقلت الصيغة الأخيرة منها – في القرن نفسه – إلى الفرنسية حيث استعملت للدلالة على مقياس كان يستعمله البحارة آنذاك()، ومنها إلى الإنجليزية.
أما صيغة Alhidada – وهي أقدمها جميعها لأنها تعود إلى منتصف القرن الثالث عشر - فتحولت في الألمانية والهولندية إلى Alhidade، في حين ظلت صيغة Alidada مستعملة في الإسبانية حتى اليوم().
وبالرغم من أن بعض المعجمات العربية ثنائية اللغة تورد الأصل العربي وحده() فإن كلمة "العضادة" لا تستعمل اليوم – فيما أعلم – في الفلك أو المساحة البتة، وإنما هي اسم لواحدة الخشبتين المثبتتين في الحائط على جانبي الباب، وهو معنى قديم ذكرته المعجمات(). أما المستعمل فعلا فهو صيغة "الأليداد" معرَّفةً – دون التنبه إلى أن – al في أول الكلمة هي أداة التعريف العربية – اسماً لأداة قديمة ما زالت مستخدمة عند مساحي الأراضي، وقد عرّفها المعجم الوسيط بأنها "الذراع المتحركة للآلات التي تستعمل في قياس المسافات الزاوية"().
ونشير أخيراً إلى أن بعض الباحثين يرى أن كلمة "العضادة" هذه قد تكون أيضاً أصلاً لكلمة Theodolite() التي ترجمها مجمع اللغة العربية في القاهرة إلى "مِزْواة" وعرّفها المعجم الوسيط بأنها "آلة دقيقة يستعملها المسّاحون لقياس الزَوايا".
3- بوجي (والجمع: بواجي) أو: بوجية (والجمع: بوجيهات): هذه الكلمة هي صيغة النطق الفرنسي لاسم مدينة "بجاية" الجزائرية إلى الشرق من الجزائر العاصمة. وكانت هذه المدينة اشتهرت بتجارة الشَمع في القرون الوسطى، ولذا نسب إليها الشَمع() كما نسب الدَمقس Damask إلى دمشق والموصلين Muslin إلى الموصل لشهرة هاتين المدينتين بإنتاج النوعين المذكورين من النسيج. وهكذا ظهر التعبير chandeles de bougie "شموع بجاية" في عام 1300م. ولم تلبث كلمة Bougie أن أصبحت مرادفة لكلمة Chandelle فأخذت تستعمل منفردة لهذا المعنى. ثم أصاب التطور دلالتها شيئاً فشيئاً، فاستعملت في منتصف القرن السادس عشر اسماً لمشعلٍ أسطواني الشكل مصنوع من الشمع، أو مادة شبيهة به كالبارافين والأستيارين ثم صارت في أواخر القرن السابع عشر اسماً لأداة دقيقة تستعمل مع مسبارٍ صُنعا كلاهما أول الأمر من الشمع.
أما استعمالها بالمعنى الشائع اليوم وهو: Bougie d'allumage "شمعة الاشتعال في المحرك" فقد تأخر حتى عام 1888م(). ولا يعرف هذا المصطلح اليوم – إلى جانب الفرنسية – سوى الإسبانية في صيغة Bujia، ولكن نظائره في سائر اللغات مصنوعة بالطريقة نفسها، نحو: Spark(ing) plug في الإنكليزية، و: Candela di accensione في الإيطالية و: Zündkerze في الألمانية، و: "شمعة الاشتعال" في العربية، على أن الاقتصار على كلمة "شمعة" وحدها هو الشائع في هذه اللغات كلها.
ويلاحظ أن استعمال المصطلح الفرنسي أصبح اليوم نادراً في الفصحى في بلاد الشام على الأقل، أما استعماله في العامية فقد يدوم طويلاً لضعف الوعي اللغوي لدى معظم مالكي المركبات والعاملين في إصلاحها وتصنيعها، ويقترح بعض المعجمين العرب مصطلحين آخرين للتعبير عن هذه الدلالة هما: "وارية" و"مُؤرِية"() بيد أني لا أعرف لهما استعمالاً في الفصحى أو العامية البتَة.
4- ترْسانة (بفتح التاء وكسرها): الإجماع على أن لفظ Arsenal – وهو مصدر هذه الصيغة المُعرَّبة – مأخوذ عن تركيب "دار الصناعة"، ولكن الأخذ لم يكن مباشراً؛ فهذه الصيغة متطورة عن صيغ أخرى أسبق منها زمناً، نحو: darsena في الإيطالية والإسبانية، وdarsine في الفرنسية، وكلتاهما شديدة الشبه بالأصل العربي المشار إليه. ويبدو أن التحول منها إلى صيغة Arsenal يرجع إلى التشابه بين حرف الـ d في بدايتها والأداة de (أو d') المستعملة في اللاتينية وبعض اللغات الرومانسية مما أدى إلى إسقاطه على توهم عدم أصالته في الكلمة، أما اللاحقة al- في نهايتها (أو ale- في الإيطالية) فهي اللاحقة المستعملة لتكوين الصفات والأسماء، وهي متطورة عن اللاحقة alis- في اللاتينية().
ويبدو أن أقدم الصيغ المعروفة لهذه اللفظ هي arzenأ، التي استعملها دانتي (1265-1321م) صاحب "الكوميديا الإلهية"، وثمّ صيغ أخرى استعملتها الإنجليزية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، ومنها: Archnale و Arznale و Arcenall بيد أنها اليوم مهجورة().
أما دلالات هذا اللفظ في العصر الحديث فلا تخرج عن اثنتين: أولاهما: موضع صناعة السلاح وتخزينه؛ والثانية: حوض بناء السفن وإصلاحها، وإن كنا لا نجدهما كلتيهما إلا في الإيطالية (وصيغته فيها كلها: Arsenale) فحسب، ذلك أنه يستعمل في الإسبانية والفرنسية والإنجليزية والألمانية (وصيغتها فيها كلها: Aresnal) بالدلالة الأولى وحدها، مع توسّع في الإنكليزية والفرنسية حيث يستعمل استعمالاً مجازياً أيضاً. على أن في الإيطالية والإسبانية صيغاً أخرى، هي: darsena في الإيطالية والإسبانية، و darse أو darce أو darsine في الفرنسية – وكلها يكشف عن أصله العربي – لهذه الدلالة الثانية وحدها().
ولا شك أن الأصل العربي "دار الصناعة" أي: دار الحرف والصناعات يجوز أن يتضمّن المعنى الأول، فكيف نفسّر نشوء المعنى الثاني؟ ذهب بعض الباحثين في تعليل ذلك إلى أن الإيطاليين الذين يُعزى إليهم انتشار هذا اللفظ وشيوعه أخذوه عن العرب بهاتين الدلالتين المختلفتين؛ فقد أخذه تجار البندقية بدلالته الأولى "موضع صناعة السلاح" عن المشارقة، في حين أخذه تجار جنوة بدلالته الثانية "حوض بناء السفن" عن المغاربة(). ويبدو لي أن المعنيين كليهما استعملا في أوروبة منذ البداية جنباً إلى جنب، إذ كانت السفن آنذاك ذات أهمية كبرى في التجارة والحرف على السواء، فليس غريباً أن يطلق هذا اللفظ في آن واحد على المكان الذي يجري فيه بناء السفن وإصلاحها وتخزين الأدوات والمعدات اللازمة لتجهيزها لأغراض التجارة والحرب. ثم تخلّت الإنجليزية والألمانية عن أحد المعنيين – أعني "حوض بناء السفن" – لوجود ألفاظ بديلة فيهما له (نحو: Dock)، في حين احتفظت لغات إقليم حوض المتوسط – كما رأينا- بصيغ خاصة لذلك، ولعلّه ليس مصادفةً أن تكون هذه الصيغ هي الأقرب إلى الأصل العربي مبنى ومعنى. وينبغي هنا الإشارة إلى أن الإسبانية وحدها ما تزال حتى اليوم تحتفظ بدلالة الأصل العربي "دار الصناعة" في كلتا الصيغتين، إضافة إلى دلالة إحداهما أي Arsenal على "ترسانة السلاح" ودلالة الأخرى أي Darsena على "حوض بناء السفن".
أما عودة هذا اللفظ إلى العربية في القرن الماضي فكانت أيضاً – فيما يرى الباحثون – بوساطة الإيطالية، إذ ذكر دوزي أن المصريين عرَّبوا الكلمة الإيطالية darsena إلى تَرْسانة بفتح التاء أو حرّفوها إلى تُرْسانة() بضمها وبسكون الرّاء في الصيغتين دون أن يبين دلالتهما – آنذاك - في العربية، وأشار إلى أنهما كانتا في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر مستعملتين في تونس وتركيا كذلك() غير أن صيغاً أخرى في البرتغالية وغيرها من اللغات الرومانسية نحو: tirzana و taracena و tercena تبدو أقرب إلى الصيغة المعرّبة "ترسانة" من الصيغة الإيطالية المشار إليها. وأغلب الظن – عندي – أن صيغة "ترسانة" هذه تعريب لإحدى الصيغ المذكورة – أياً كانت – دون أن يتنبّه المعرّب إلى أصلها العربي ليرجعها إليه؛ وأن صيغة "ترسخانة" ليست نقلاً للصيغة الأعجمية بل هي ترجمة إلى العربية لأنها مركبة من كلمتي "تُرْس" بمعنى: المِجنّ، و "خانة" بمعنى: الدار، فيكون المعنى "دار التروس أو السلاح عامة"().
ويستعمل لفظ "ترسانة" – بسكون الراء وفتـح التاء أو كسرها، أو بثلاث فتحـات – في عربية اليوم حصراً لوصف ما تملكه الدول أو الأحلاف العسكرية من سلاح حديث فتّاك فيقال مثلاً: ترسانة الأسلحة الأمريكية، أو ترسانة حلف الأطلسي. أما دلالته على أمور أخرى أوردتها بعض المعجمات ثنائية اللغة() فلا أعرف لها شاهداً من الفصحى أو العامية.
5- زيرو: انظر: شفرة.
6- ساتان: حافظت الفرنسية والإنكليزية والإيطالية والألمانية على صيغة Satin التي ترد على هذا النحو أيضاً في الفرنسية القديمة، في حين تحوّلت إلى Satijn في الهولندية().
والأصل لهذه الصيغ اللفظ العربي "الزّيتوني"، وهو لفظ لا صلة له بالزيتون البتة، بل هو اسم منسوب إلى مدينة Tseu-Tung أو Tsia-Toung- موطن هذا النسيج الحريري في الصين – التي عرّبت العرب اسمها إلى مدينة "الزيتون"().
غير أن معجم أكسفورد المطول أنكر هذه الصلة الاشتقاقية، وأرجع صيغة Satin في الفرنسية القديمة إلى لفظ آخر هو Setino في الإيطالية المتطوّر من اللفظ Seta بمعنى "حرير" في اللاتينية المتوسطة() وقد احتفظت الإيطالية المعاصرة بصيغة Seta هذه، في حين تحوّلت إلى Seda في الإسبانية وSeide في الألمانية وSoie في الفرنسية.
وهذا الإنكار ضعيف – فيما أرى- لأربعة أسباب، أولها: أن معظم المعجمات الغربية ترجع الصيغة الفرنسية القديمة Satin إلى صيغتي Azaytuni و Aceituni في الإسبانية القديمة، والصلة بين هاتين الصيغتين وكلمة "الزيتوني" العربية بيّنة، وثانيها أن أياً من تلك المعجمات لم يذكر – فيما يبدو - أصلاً للّفظ اللاتيني Seta، ولذا فإن القول إن اللفظ اللاتيني المذكور أثر في صياغة لفظ Satin قول مقبول، ولكنه لا ينفي أن تكون صيغة Satin أخذت أصلاً من كلمة "الزيتون"، وثالثها أن المؤلفين العرب في القرون الوسطى ذكروا شهرة المدينة المذكورة بهذا النوع من النسيج صراحة، قال ابن بطوطة: "مدينة الزيتون: وهذه المدينة ليس بها زيتون ولا بجميع بلاد أهل الصين والهند ولكنه اسم وضع عليها، وهي مدينة عظيمة كبيرة تصنع بها ثياب الكمخا والأطلس وتعرف بالنسبة إليها(). ورابعها: أن باحثاً غربياً ذكر أن هذا الضرب من الحرير – ويسمّيه "الأطلس الحريري" - كان يباع في أواخر القرن الماضي في أسواق "كانتون" باسم ssu-tuan أو – باللهجة الكانتونية – Szetun(). وليست هاتان الصيغتان بحاجة إلى بيان وجه الشبه بينهما وبين كلمة "زيتون".
وكانت أجود أنواع هذا الحرير تنسب في القرن السادس عشر إلى دمشـق (Satton Damaske "الحرير الدمشقي")، ثم أخذت تنسب في القرن الماضي إلى تركيا (Satin Turk الحرير التركي و: (Satin Sultan "الحرير السلطاني") ويبدو أن دلالته – في الفرنسية - اتسعت لتشمل القماش اللّماع ذا الملمس الحريري أياً كان نوعه، فضلاً عن استعماله – فيها – استعمالاً مجازياً.
وثم ألفاظ مشتقة من لفظ Satin هذا بدأت الفرنسية بصوغها منذ القرن السابع عشر، ثم انتقلت – كلها أو بعضها – إلى اللغات الأخرى، فمن ذلك: الاسم Satinette للساتان المصنوع من القطن، والاسم Satinade للقماش الشبيه بالساتان، والصفة Satiné لنعومة الملمس، والفعل Satiner بمعنى "صقَل، لمّع ومنه الاسم Satinage لعملية الصقل والتلميع، واسم الفاعل Satineur().
ومن الطريف أن مستشرقاً فرنسياً اختار في القرن الماضي ثلاثة ألفاظ من العربية ليقابل بها لفظ Satin هي: رَفْرَف وسندس وأطلس(). فأما أوّلها فقد عرّفه صاحب اللسان بأنه "في الأصل ما كان من الديباج وغيره رقيقاً حسن الصنعة"()، وأما ثانيها فإنه لا يكاد يستعمل إلا في سياق النص القرآني. وهكذا كتبت الغلبة لثالثها، وإن كان لفظ "ساتان" أيضاً شائعاً
م