كسر «القدو».. موروث سنوي في أواخر صفر فرحاً ب «ربيع»فضيلة الدهان - القطيف 29 / 10 / 2019م - 5:43 م
من بين الطقوس الموروثة الشعبية التي تقوم بها النساء والأطفال في محافظة القطيف وقراها عند دخول شهر ربيع وانقضاء شهر صفر هو كسر الفخاريات عند أبواب المنازل.
هذا الموروث الذي تناقلته الأجيال جاء احتفاءً بانقضاء أشهر الأحزان على مصائب آل محمد وفرحاً بمضي نحوستها. كما يقول البعض. فيما اشار اخرين الى انه لا صلة لها بالمناسبات الحزينة.
ألتقت صحيفة جهينة الإخبارية مع عدد من كبار السن للحديث حول هذا الموروث..
ويسرد الحاج الثمانيني محسن توات ذكريات طفولته وهو يشارك في هذا الموروث الذي لم يقف على نشأته وإنما مارسه كعادة توارثتها الأجيال.وبلهجته العامية قال «كنا نروح نجيب عشبة هرمة ونشبها وننشد أبو صفيرو صفر طلع من الحضار وطفر، ونقحص فوق النار».
وأضاف كانت النساء والأطفال يخرجون من بيوتهم ويحطمون فخاريات القدو، مرجعاً ذلك لذهاب الشر والحزن في شهري محرم وصفر ودخول الفرح في شهر ربيع.
واستذكر الستيني عبدالله البلدي ما كانوا يقوموا به مذ طفولته في جمع الحشائش من المقابر والبرية التي يشعلون النار فيها ويطوفون حولها احتفاءً بختام أشهر الأحزان.
وأضاف؛ كانت النساء والأطفال ينشدون عدة أهازيج شعبية منها «طلع صفر بشره وشروره وجانا ربيع بخيره وبخوره».
واكمل «كنا نجلب عشبة القضقاض ونذهب لعين الشرابية ونشب الضو وندور حواليها».
وأبدى أمله في الحفاظ على الموروثات الشعبية التي تناقلتها الأجيال وألا تندثر مع الحداثة القائمة.ومن جهته ذكر الشيخ حسين الصويلح أن هذا الموروث الشعبي جاء بعد مسيرة شهرين من الحزن والعزاء على مصاب أهل البيت .
وذكر أن الناس كانت من قديم الزمان في مناطق القطيف يقومون بطقوس معينة في آخر يوم من شهر صفر وذلك بكسر شئ من أواني المنزل أو جمع سعف النخيل والقيام بحرقه على باب المنزل
وكأنهم بهذا الفعل يطردون شهر سوء ويتمنون عدم عودته.
وحول سبب ظهور هذا الموروث قال «أيام العزاء انقضت وساعات شهر صفر المعروفه بنحوستها تلاشت ومعه شرور حملها بين دفتي تاريخه والتي شهدت له احداث تاريخية وحروب وكما كان ذلك في ايام الجاهلية وقبل الاسلام حيث كانت تتركز الحروب والغزوات في شهر صفر».
وأضاف أن روايات المعصومين أكدت على دفع نحوسة شهر صفر بالدعاء والصلاة والصدقة، وكانت التقاليد والأعراف لها نصيب في توديع شهر صفر.
وأرجع ذلك لاعتقاد الناس أن عملية كسر الجرار أو الفخار أو الصحون وأراقة الماء على أعتاب الدار يبعد عنهم ومجتمعهم الضرر الذي يعشيونه.
وكانت تتبع هذه الطقوس الكثير من الأهازيج والأناشيد القديمة والتي تتناسب مع المناسبة ومنها:
طلع صفر بشرته وشروره
جانا ربيع بفرحته وسروره
طلع صفر أميمتي سالمه
وعدوتي في المقبره نايمه
وأيضا:
واصفيروه صفر
طلع من الحضار وطفر
الشيخ حسين الصويلح
وأكمل هذه الكلمات يكررها البنات والاولاد الصغار وهم يقفزون على نار مشتعلة يدورون حولها ويقفزون فوقها ويقومون بكسر ما جلبوا معهم مثل القدو والنارجيله وهم فرحين مبتهجين وقلوبهم تدعو بالأمن والسلامه من كل شر خارج المنازل وعلى ابوابها.وتابع داخل المنازل تقوم الامهات الكبار بتبخير المنزل بعلك البان والحرمل والحبة السوداء
لتدفع الشياطين وتبعد الشر والعين، وخصوصا عند وقت المغرب لأن رائحة علك البان تصعد بها الملائكة إلى السماء - حسب تعبيره -.
واستدرك الشيخ الصويلح أن مثل هذه الطقوس الشبيهة بيوم العيد اندثرت على مدى الأعوام الاخيرة.
وأبدى أمله ان تقوم الاجيال الحاضرة بإحياء ذلك كنوع من انواع تراث المنطقة «بدلا من النظر اليه على انه من الخرافات رغم انه لايخلو من ذلك كوجهة نظر».
ويرى أن هذا الفلكلور الشعبي التاريخي له قيمة تراثية يكون الامر مختلفا تماما احياء لما كان في عهد الآباء والأجداد كما هو الحال في الدوخلة.
من جانبه، أوضح الاختصاصي الاجتماعي محمد الشيوخ أن هذه العادة ما هي إلا تعوّد على سلوك معين، فيعتز الناس بموروثهم الشعبي جيلاً بعد جيل.
وأضاف ”قد يقوم الناس بمثل هذه العادات دون أن يعرفوا فلسفتها، وقد تُفعل دون اعتقاد ديني، وكل ما في الأمر أنهم وجدوا أجدادهم وآباءهم يقومون بها، فيقلدون ذويهم معتزين بإرثهم“.
فيما أشار الاديب والمحقق والباحث عدنان العوامي لا يبدو سبب معروف لمنشأ هذه الاحتفالات.واشار الى ان البعض يظن أنها مرتبطة بمناسبة دينية أو عقائدية للشيعة لما يتخلل تلك الفترة من ذكرى مقتل الإمام الحسين ، في العاشر من المحرم، وعودة السبايا من حرمه وأطفاله إلى كربلاء في العشرين من شهر صفر، وذكرى وفاة النبي محمد ﷺ، إضافة إلى مناسبات وفَيَات عدد من الأئمة من أهل البيت ، لكن هذا التعليل لا يجد ما يسنده من الأدلة العلمية بكل أسف.
وقال الباحث العوامي لا صلة لتلك الاحتفالات الفولكلورية البهيجة بأي من تلك المناسبات الحزينة الباكية، لا سيما وأنها تتم بمعزل عن الشعائر الدينية التي تؤدى في الاحتفالات الدينية وإن كانت تتفق وإياها زمنيًّا.
واضاف منتصف الخمسينات من القرن الميلادي المنصرم، القرن العشرين، كانت تقام في القطيف وقراها، كما في غيرها من البلاد المجاورة لها، كالأحساء، والبحرين، بعض الاحتفالات الشعبية، في مواسم معينة، مثل احتفالات صفر وربيع، تبدأ من عصر اليوم الثامن والعشرين من صفر، وتستمر حتى آخر اليوم التاسع من شهر ربيع الأول من كل عام.
وبين ان صورة تلك الاحتفالات أنها في أصيل اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر، وبعد اختتام العزاء بمناسبة وفاة النبي محمد ﷺ، التي تصادف ذكراها ذلك اليوم، يتجمَّع أهل كل بلدة، أو قرية، في ساحة عامة، الرجال والصبيان في ساحة، والنساء والصبايا في ساحة أخرى خاصة بهن.
واشار الى ان كلُّ فريق يتحلَّق حول نار يضرمونها في أشتاتٍ من الوقود، خصوصًا القَضقَاض وسعف النخل، ويرقصون حولها مرددين الأهازيج والنشائد، ومنها: «أبو صفيروه صفر، طلع من لحضار، طفر».
واوضح العوامي انه عند غروب الشمس لآخر يوم من شهر صفر تقوم النساء بكسر الجرار والأكواز القديمة تفاؤلاً بانتهاء موسم الأحزان والأكدار، ويقلن وهن يقذفن بالجرار والأكواز: «طلع صفر حندوبتي سالمة»، «الحندوبة: حدبة الظهر، وهي بروز فيه بسبب الشيخوخة، النون والواو زائدتان».
واشار إلى أن عادة كسر الجرار معروفة في العراق كذلك، وإن اختلفت بعض التفاصيل، ولا أعلم إن كانت عادة إشعال النيران معروفة أم لا.