ال: "رب اجعل هذا البلد آمنا" .. طلب من الله شيئين .. أن يجعل هذا المكان بلدا وأن يجعله آمنا. ما معنى أن يجعله بلدا؟ كلمة بلد حين تسمعها تنصرف إلي المدينة .. والبلد هو البقة تنشأ في الجلد فتميزه عن باقي الجلد كأن تكون هناك بقعة بيضاء في الوجه أو الذراعين فتكون البقعة التي ظهرت مميزة ببياض اللون .. والمكان إذا لم يكن فيه مساكن ومبان فيكون مستويا بالأرض لا تستطيع أن تميزه بسهولة .. فإذا أقمت فيه مباني جعلت فيه علامة تميزه عن باقي الأرض المحيطة به.
وقوله تعالى: "وارزق أهله من الثمرات" .. هذه من مستلزمات الأمن لأنه مادام هناك رزق وثمرات تكون مقومات الحياة موجودة فيبقى الناس في هذا البلد .. ولكن إبراهيم قال: "وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم" فكأنه طلب الرزق للمؤمنين وحدهم .. لماذا؟ لأنه حينما قال له الله:
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً
(من الآية 124 سورة البقرة)
قال إبراهيم:
وَمِن ذُرِّيَّتِي
(من الآية 124 سورة البقرة)
قال الله سبحانه:
لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
(من الآية 124 سورة البقرة)
فخشى إبراهيم وهو يطلب لمن سيقيمون في مكة أن تكون استجابة الله سبحانه كالاستجابة السابقة .. كأن يقال له لا ينال رزق الله الظالمون فاستدرك إبراهيم وقال: "وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم" .. ولكن الله سبحانه أراد أن يلفت إبراهيم إلي أن عطاء الألوهية ليس كعطاء الربوبية .. فإمامة الناس عطاء الوهية لا يناله إلا المؤمن، أما الرزق فهو عطاء ربوبية يناله المؤمن والكافرلأن الله هو الذي استدعانا جميعا إلي الحياة وكفل لنا جميعا رزقنا .. وكأن الحق سبحانه حين قال: "لا ينال عهدي الظالمين" .. كان يتحدث عن قيم المنهج التي لا تعطي إلا للمؤمن ولكن الرزق يعطي للمؤمن والكافر .. لذلك قال الله سبحانه: "ومن كفر" .. وفي هذا تصحيح مفاهيم بالنسبة لإبراهيم ليعرف أن كل من استدعاه الله تعالى للحياة له رزقه مؤمنا كان أو كافرا والخير في الدنيا على الشيوع.
نورتي الكون يالغالية