بقلم: عبير المنظور
يختلف التصوير القراني من سورة لاخرى اعتمادا على عناصر التصوير القراني ومن اهمها الايقاع الموسيقي الذي يعتمد بصورة اساسية على ما تحتويه كل سورة من معان والفاظ وسياق وفواصل.
ويتناسق الإيقاع متلائما مع الموضوع من حيث القوة والجرس الصوتي المدوي المنبثق من الألفاظ بحروفها، والجمل بتراكيبها، والخواتم بشدة جرسها وقرع الأسماع بها(1).
والخواتم هي ذاتها الفواصل في القران, وهي ما تنتهي به الاية وهي كقافية الشعر وقرينة السجع, وهي (عنصر أساسي من عناصر اللغة الإيقاعية، والقرآن الكريم يمتاز بحسن الإيقاع، فتأتي الفاصلة في ختام الآيات حاملة تمام المعنى وتمام التوافق الصوتي في آن واحد)( 2).
وبتعدد موضوعات سورة الفجر فهذا يعني انها ( تتضمن ألواناً شتى من الجولات والإيقاعات والظلال . ألواناً متنوعة تؤلف من تفرقها وتناسقها لحناً واحداً متعدد النغمات موحد الإيقاع!)(3),
واولى جماليات السورة تتجلى في انها مكية وانها كانت كالبلسم الشافي للمسلمين الاوائل الذين عانوا من الظلم والاضطهاد والتعذيب من خلال بداية السورة بالقسم بالامور المشرقة روحيا وعباديا بايقاع هادئ سلس بدا بـ (الفجر) الذي يعبر عن انبلاج الصبح الذي يمحي الظلام ويبدده بالنور,(وليال عشر) على اختلاف الاراء في انها العشر الاوائل من ذي الحجة او العشر الاوائل من المحرم او العشر الاواخر من شهر رمضان فانها اولا واخرا محطات روحية للعبادة والتقرب الى الله(4), (والشفع والوتر) كناية عن الصلاة (والليل اذا يسر) من اجمل ايقاعات هذا المقطع فالليل هنا كانه مخلوق حي يتحرك لياتي نور النهار من بعده وفيه جمال التصوير القراني بان سواد الظلم كالليل البهيم لا بد ان ينقشع بحركته الدائبة لتشرق الشمس من بعد الظلام الحالك ومن يجد السرى فانه سيبلغ هدفه مع بزوغ النور.
ثم يتغير الايقاع والفاصلة بذكر مصير الطغاة والمستكبرين من عاد وثمود وفرعون مع نهاية الفاصلة بحرف الدال وهو من حروف القلقلة التي يصعد النبر بها عن الحروف الاخرى وهي متساوقة مع الايقاع الصاخب لعذاب الطغاة مع الجرس الصوتي المدوي لكلمات (يصب ) و (سوط) (لبالمرصاد) ليشعر القارئ بعظمة المعنى وليشعر المؤمنون بان الله يرصد الطغاة ويهلكهم لظلمهم.
وتتعرض الايات اللاحقة الى بعض الصفات التي انتشرت في عهد الجاهلية ولا يخفى ان هذه الصفات تنطبق على كل مجتمع على مر الاجيال فهي من صفات عصرنا الحالي عصر الجاهلية الحديثة, ثم تتصاعد حدة الايقاع في تصوير مشاهد يوم القيامة باشارات سريعة وقوية الجرس في (كلا اذا دكت الارض دكا دكا) (صفا صفا) (جئ يومئذ بجهنم) والعبرة والتذكرة في معرفة ان الحياة ليست هي هذه الدنيا الفانية وانما هي الاخرة (يا ليتني قدمت لحياتي) من اروع جماليات التصوير القراني في السورة لبيان هذا المعنى في تسلية المؤمنين على تحمل المصاعب خاصة في ان الظالم لا يعذب عذابه احد ولا يوثق وثاقه جزاء تعذيبه للمؤمنين والخطاب لاي ظالم عذب او اوثق مؤمنا تعذيبا ووثاقا ماديا كان او معنويا.
وبعد هذا التصعيد ينحدر الايقاع بهدوء نحو السكينة والطمأنينة (يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي) لنتتهي تلك الرحلة الرائعة باجمل ايقاع وجرس (جنتي).
وبتامل قليل فان السورة هي بشرى لكل المؤمنين على مر العصور الذين يتحدون الطغاة ويحاربون فسادهم, فالاحرار الذين يسعون الى الاصلاح ومحاربة الفساد هم اصحاب النفس المطمئنة وخير دليل على النفس المطمئنة هو الامام الحسين (ع) في ثورته الاصلاحية الكبيرة التي لا تخبو شعلتها في النفوس فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اقرأوا سورة الفجر في فرائضكم و نوافلكم فإنها سورة الحسين بن علي (عليهما السلام) من قرأها كان مع الحسين بن علي (عليهما السلام) يوم القيامة في درجته من الجنة(5).
الهوامش:
(1) القران المعجزة الكبرى, ص309.
( 2) مكانة الفواصل من الاعجاز , الدارة ربيع الآخر 1410هـ .
(3) في ظلال القران, سيد قطب, ج8, ص32.
(4) راجع التبيان في تفسير القران, ج10 , ص330.
(5) تفسير مجمع البيان ج10 ص305.