حيّ تاروتي ”تسكنه الجنّ“ ويضم معابد الآلهة.. هذه قصته فضيلة الدهان -تصوير :بندر الشاخوري - تاروت 15 / 10 / 2019م - 6:38 م
عندما تمر بين أزقته الضيقة القديمة تفوح من حولك رائحة التراث وعبق التاريخ الذي ما زال ينتظر الاهتمام المناسب، الذي حظيت به مناطق مشابهة حول العالم، حتى صارت وجهات سياحية عالمية جاذبة.
في هذا البروفايل تسلط ”جهينة الإخبارية“ الضوء على أحد أحياء جزيرة من جزر المملكة الأثرية التي يعود تاريخه إلى آلاف السنين وهو ”حي الديرة“.حي الديرة
يقع ”حي الديرة“ في قلب جزيرة تاروت، الجزيرة السعودية التي تقع في الخليج العربي، وتتبع إدارياً محافظة القطيف إحدى محافظات المنطقة الشرقية.
وتعتبر هذه الجزيرة رابع أكبر جزيرة في الخليج العربي بعد جزر قشم وبوبيان ومملكة البحرين، التي تربطها بها روابط تاريخية كثيرة.
ويرجع تاريخ جزيرة تاروت المعروف إلى أكثر من خمسة آلاف عام قبل الميلاد، وهي من أقدم البقاع التي عاش فيها الإنسان، ومن أقدم بقاع شبه الجزيرة العربية. والجزيرة هي إحدى مكونات واحة القطيف في المنطقة الشرقية.موقع الحي الجغرافي
تشير التقديرات إلى أن سبب ارتفاع ”حي الديرة“ عن مستوى سطح البحر عائد إلى أحد احتمالين؛ فهو إما كان اصلا منطقة مرتفعة منذ آلاف السنين، أو أنه تم تشييدها على هذا النحو من الإرتفاع لتكون مخصصة لمراكز الحكم ومنازل الملوك ومباني المعابد وأماكن تقديم القرابين للآلهة.
ويبلغ أقصى طول لهذا الحي 400 متر وأقصى عرض له 260 مترا، بمساحة بالغة حوالي 90000 متر مربع ويحتوي على حوالي 140 منزل، كثير مها منازل قديمة بعضها مازال يستخدم للسكن فيما تحول بعضها الآخر إلى أنقاض، فضلاعن بعضها الآخر التي ازيلت وأعيد بناؤها من جديد.
وظلت ”الديرة“ مبنية بالصخور الضخمة، كما نراه في بناء المعبد أو مبنى الدولة في قصر تاروت، اعتمادا على الحجارة المأخوذة من المقالع البحرية، التي درج الأهالي على الإعتماد عليها مصدرا لحجارة البناء حتى العقود القليلة الماضية.
ويذكر الباحث التاريخي سلمان رامس أنه قبل عام 1945 م لم يكن هناك وجود لحي الربيعية في جزيرة تاروت، وكانت بعض الأحياء تعتبر تجمعا سكانيا صغيرا، وكان حي الديرة هو الحي الرئيس وبه منازل الأسر المقتدرة وهو قلب تاروت النابض والكثير من الأسر غير المقتدرة والفلاحين يعيشون في البساتين المحيطة التي تغطي حوالي نصف مساحة الجزيرة.
وفي الجزء الشمالي الغربي من حي الديرة تقوم مستوطنة تعتبر من أهم مواقع الآثار في الخليج العربي وهي مستوطنة قديمة عمرها يعود الى حوالي 4000 قبل الميلاد والى جانب هذه المستوطنة توجد عين العودة التي تمد الجزيرة بالحياة واستمر تدفق المياه بها حوالي 4000 سنة ولم يتوقف هذا الهدير إلا في تسعينات القرن العشرين. والى جانب هذه العين تقوم قلعة تاروت ذلك الشاخص الأثري المهم على طول الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية ويقدر عمر هذه القلعة حوالي 1000 سنة على اعتبار أنها إما أن تكون قلعة قرمطية أو قلعة عيونية.
وفي أوج تواصل تجار الديرة مع الحضارة الصينية والهند وزنجبار بأفريقيا عن طريق ميناء دارين وغيره، الذي غلب اسمه في وقت معين على البلد.
وفي العصور القريبة بعد أن نشأت مدينة الدمام انتهى عصر التجارة بميناء دارين وأفل سوق تاروت التاريخي. فضعفت مكانة الديرة بل الجزيرة بأكملها وضاعت في خرائط النسيان.التاريخ الحضري للحي
يذكر المؤرخون أن حي الديرة بجزيرة تاروت يعتبر أقدم تمدن في الجزيرة العربية تقريبا.
وهذا المكان يعد مركزا حضاريا منذ آلاف السنين لما يحتوي على مقومات العيش والجذب السكاني والصناعي والتجاري.
فالديرة تقع في وسط خريطة جغرافية غنية بالموارد المائية لذا فهي جاذبة للسكان، أي الموارد البشرية، وبالتالي فهي غنية بالموارد الزراعية، والزراعة حاضنة للموارد الحيوانية، من تلك الموارد المذكورة بالاضافة للموارد البحرية تتكون الصناعات وتزدهر التجارة، فتتكون المدنية والتحضر.
وتوجد لدى متحف المصلي في جزيرة تاروت مراجع بحثية للماجستير والدكتوراة عدا المراجع المعروفة تؤكد ان عدة حضارات بدأت نشأتها في جزيرة تاروت ثم انتقلت الى جزيرة أوال البحرين حاليا كحضارة ديلمون. ويدعي أهل تاروت أنهم هم من بنى مدينة صور وأرواد بلبنان.
ويضيف الباحثون أن مراكز حضارية في العالم وبالخصوص في الجزيرة العربية هجرت وأصبحت أطلالا إلا حي الديرة بجزيرة تاروت فقد تواصلت فيه المدنية ولم يهجره أهله إلى العصر الراهن.سكان حي الديرة
يضم الحي منازل لعوائل كثيرة، وأكبر منزل فيها هو بيت المصلي الذي يتضمن 20 غرفة مسقوفة وتسع غرف غير مسقوفة تسمى عريش، تسكنه تسع عوائل من بيت المصلي التاروتيين.
وهناك بيت آل سيف والخباز والمحاسنة والتاروتي والمعلم والرويعي والسني وغيرهم، وأكثرهم ارتفاعا بيت الحجاج الذي يبلغ أربعة أدوار.مهن سكان الحي
معظم سكان الديرة من التجار المشتغلين في مختلف الصناعات وآخرها تجارة اللؤلؤ التي يعرف المتعاملين فيها بالطواشين، كما تستقطب مختلف العمالة والموردين والمستهلكين.يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ويخرجن من دارين بجر الحقائب
ونتيجة لارتفاع مستوى المعيشة وغنى الأهالي في حي الديرة، دفع ذلك اللصوص وأهل الجشع لإستغلال الموقف فمر الحي بصراعات قرر أهله بعهدها بناء سور يطوق الديرة ويحميها من الهجمات العدائية للنهب ووضعت البوابات الكبيرة ”الدراويز“ التي باتت تغلق ليلا.المعالم الأثرية للحي
تضم الديرة سوقا تاريخية قديمة وسميت ”دروازة السوق“ ومسجد السوق عند حمام تاروت وللديرة قصر الحكم وكما تضم حصنا على شكل قلعة بها مدافع ويسكنه جنود لحماية الديرة بل الجزيرة بأكملها.خصائص مبانيها
تميزت مباني حي الديرة بخصائص فريدة، اعتمدت بالأساس على بناء الممرات المسقوفة «السوابيط»
نطرا لتلاصق البيوت من جهة طلبا للامن، وكذلك للوقاية من أشعة الشمس الحارقة.
كما وابتكر سكانها البادقير للوقاية من حرارة الشمس في الروازن والنوافذ والبناء بالجص الدافئ شتاء والبارد صيفا والذي يدوم لمئتي عام تقريبا مع الصيانة.خرافات الجن
يتناقل الناس خرافات وجود الجن في هذا الحي يذكر الباحثون أنه أمر خرافي تحاك عليه الأساطير والخزعبلات، وكان ذلك قبل ظهور الكهرباء كون الظلام يخيف الكثير فيسردوا القصص.