في العام 1989اجتاحت العاصمة الرومانية بوخارست احتجاجات ومظاهرات شعبية عارمة خرج فيه الناس بشكل عشوائي وحدث خلالها ما يغير وجه رومانيا.
ثمة نار تطلق على جموع المتظاهرين من بنادق السلطة كما روج الاعلام، فاقنع الناس بذلك مما دفع رومانيا باسرها لخلع رداء الاشتراكية، التي اسقطت بالدم والرصاص، ذلك الرصاص الذي تبين فيما بعد ان السلطة بريئة منه.
الامر ذاته حدث في مصر وليبيا وسورية مظاهرات وقتلى برصاص مجهول، في اليمن اواسط عام 2011 يقف شاب في مهب الربيع العربي على قارعة الفوضى ليصبح بعد لحظات قربانا على مذبح الخراب برصاصة قناص محترف، تلك الرصاصة كانت من محترف موجه يعرف تماما كيف يقتل ومتى.
ومن يتابع بحيادية مجريات الاحداث يجد من الصعوبة بمكان تقبل الفكرة التي من المفترض ان تكون لزعماء تلك الدول اي مصلحة في قتل المتظاهرين لما يستجلبه هذا الامر من تأجيج للاحداث في بلادهم.
وسائل الاعلام العربية والعالمية كانت تعزز لدى الرأي العام فكرة "وحشية اجهزة الامن" في تلك الدول، رغم انتشار عشرات الفيديوهات التي تبرهن عكس ذلك.
كحال احد المشاهد الفديوية ايام حكومة "بن علي" في تونس الذي يظهر فيها رجال الامن وهم يعتقلون رجالا اخرين يحملون جنسيات اجنبية بحوزتهم اسلحة قناصة.
الكاتب الروسي نيكولاي ستاركوف وهو متخصص في علم "الثورات الملونة" او "الجيل الرابع" من الحروب قال ضمن لقاء اجري على قناة روسيا اليوم ان "استخدام القناصة في قتل المتظاهرين وتاجيج الشارع ليس جديدا، بل ان هذه الطريقة تعتبر الاهم في زيادة الغضب بين الحكومات والشعوب حيث لجأت حكومة الولايات المتحدة الى هذه الاستراتيجية في محاولة الانقلاب على هوگو چافيز عام 2002 في فنزويلا".
وفي سوريا تكرر الحال ايضا في الاحداث التي شهدتها مدينة درعا اوائل عام 2011 ، حالات قنص اججت لهيب الاحداث وقادتها الى مسار دموي جارف، في التجمعات التي شهدتها المدينة وفيما بعد بغيرها من المناطق السورية، وكأية حالة تجمع وتظاهر كان يتواجد طرفان اساسيان الناس المتجمعون وعناصر حفظ النظام الواقفون على الطرف المقابل لضبط اي حالة انفلات امني.
يقنص من جانب المتجمعين شخص، ويقنص من جانب حفظ النظام اخر، وهو ما حدث في اماكن عديدة خلال " الثورات الملونة" وهناك مشاهد عديدة تملاء مواقع التواصل.
في الاول من هذا الشهر خرجت مظاهرات ليست الاولى من نوعها وليست اكثرها جماهيرية في بغداد وبعض المحافظات، تلك العاصمة التي اريد لها ان لا تستقر ابدا، مطالبة باصلاحات وخدمات وغيرها، عملت عليها اياد خبيثة ممن يعتلون منصات الاعلام ومواضع القنص التي استحدثت في هذه المظاهرات مؤخرا، وظهرت مقاطع فيديو مؤلمة ابرزها ما جرى لطفل لم يتجاوز ربيعه الثامن يحمل علما عراقيا يقتل من قبل القناصة، في حين لم تكتسب مقاطع اخرى الشهرة الكافية لدور قوات حفظ النظام وهم يمارسون دورهم الاساسي والانساني.
ان تقتل متظاهرا من جهة وعنصر امن من جهة ثانية كفيل بخلق مواجهة قد لا تنضبط وتخرج عن السيطرة، خاصة اذا ما رافقها ترويج اعلامي مكثف، وهو ما حدث في العديد من الدول التي اشرنا اليها بشكل ممنهج وعن سابق اصرار وترصد.
في 24 من تشرين الثاني عام 2013 تنشر البي بي سي وهي المؤسسة الاعلامية الكبرى التي تدعي الحياد والموضوعية تقريرا مع معهد ابحاث اكسفورد يحمل عنوانا المستقبل المسروق، وفيه ان القناصة في سوريا يستهدفون حتى النساء والاطفال بل وفيه ايضا ان منهم من يقضي تحت التعذيب والغمز في التقرير من جهة ان المتهم والمدان معروف لدى الجميع فاذا كانت البي بي سي ضالعة بهذا المنهج الاعوج في معالجة الامور فلا عتب على مؤسسات إعلامية اخرى ولا عتب على متلق سليب العقل مغير الفكر لكن السؤال الاهم من هم قناصة الربيع العربي؟.
كما روجت لاعمال مماثلة لما نشرته "البي بي سي" في العراق قنوات ومعروفة بتوجهاتها السياسية ومنها "الحرة عراق"، التي اجتهدت من خلال مجموعة من البرامج والتقارير بهدف تغيير بوصلة المطالب السلمية للمتظاهرين، والتركيز على مشاهد واحداث من شانها تاجيج الوضع الامني وخلق فجوة بين الشعب والحكومة.
تشير الدراسات المبنية على استقراء احداث "الثورات الملونة" التي اجتاحت الدول الشيوعية سابقا وبعض بلدان اوربا واسيا وصولا الى الربيع العربي، هذه الدراسات الى ان عنصر القناصة الذي يعتمد عليه في تاجيج هذه الاوضاع يعتمد بشكل شبه مباشر على المرتزقة الاجانب، وهم اشخاص مدربون جيدا ومحترفون في اعمال الرماية والقتل، تستأجرهم حكومات الدول الكبرى وتزج بهم في معتركات الاحداث حيث تريد، ولقد نجحت هذه الخطة في غير مكان من العالم مدعومة بالاعلام الاشد فتكا وضراوة، لعل من ابرز الجهات التي تصدر هذا النوع من القتلة المأجورين شركة بلاك ووتر الامريكية حسب مراكز الدراسات العالمية .
بلاك ووتر التي تنشط في مختلف انحاء العالم تحت ستار العمل الامني هي مؤسسة يغني صيتها عن الاستدلال عليها وتغني سمعتها السوداء عن البحث مطولا في غاياتها السياسية والعسكرية.
الامر اذا ستراتيحية قديمة اعيد تشديدها على الساحة العربية، فالقناص الذي يقتل فردا في تجمع اريد له ان يحصل، يقتل شعبا اخذته الغفلة عن الواقف وراء بندقية القناص، وهكذا يخرج القاتل من الجريمة ليمهد لجريمة اكبر ترتكبها شعوب بحق اوطانها فيزهر الربيع دما ودمارا واشلاء اوطان وشعوب.