يعتبر التفكير أحد العمليات العقلية المعرفية العليا الكامنة وراء التطور الحياة الانسانية ، وسيطرة الانسان على كافة الكائنات الحية ، واكتشاف الحلول الفعالة التي يتغلب بها على ما يواجهه فى الحياة من مصاعب ومشكلات ، بل أن معظم الانجازات العلمية التي حققتها البشرية مبنية على عملية الفكير ، هذا بالاضافة ألي أن الاسلوب الذى يفكر به الفرد يُعد قوة كامنة توثر على كافة تفاعلاته .
وربما كانت أكبر محاوله لادخال العقل والمنطق في مجال الارشاد والعلاج النفسي كما يقول “باترسون ” هي تللك المحاولة التى قام بها ” اليس” في أوائل عام 1950م تحت اسم العلاج العقلاني الانفعالي ، والتي قدم من خلالها فروضاً متقدمة لنظريته ، والتي مؤداها أن الاحداث النشطة لا تسبب العواقب الانفعالية ـ ولكن نظام المعتقدات غير العقلانية عند الفرد هي المسببة لتلك العواقب .
لذا استقطب هذه النظرية اهتمام علماء النفس بوجه عام وعلماء النفس الارشادي والعلاجي بوجه خاص باعتبارها نظرية في الشخصية وذلك لاهتمامها الواضح بالعمليات المعرفية والعقلانية ، والتي تعد ذات أهمية بالغة فى فهم وتغيير السلوك الانساني ،ولقد نالت هذه النظرية احتراماً متزايداً في السنوات الاخيرة ، لذا يقرر عدد من علماء النفس أمثال روبنز ، وسارنوف ، وكاتز ،وستوتلاند ، ولف أن الشفاء وتغيير الاتجاهات يكمن فى تنمية الوعي العقلاني ومهاجمة الاطار المرجعي المعرفي .
Ø الجزور التاريخية لنظرية “اليس” :-
إن هذا المنهج الجديد في تناول الاضطرابات الانفعالية يقوم علي دعائم فلسفية موغلة في القدم وتعود بالتحديد إلى مدارس فلسفية يونانية أسسها زينون عام 3000 ق.م ،ومن أهم هذه المدارس المدرسة الرواقية ، والتي أطلف عليها المسلمون اسم المدرسة أصحاب المظلة ، وحكماء المظال واصحاب الاسطون والروحانيون .
ويرى أصحاب هذه المدرسة أن فكرة الانسان عن الاحداث هي المسئولة عن اعتلال مزاجه ، أى أن المشكلات النفسية ترجع بالدرجة الآساس الى أن الفرد يقوم بتحريف الواقع والحقائق بناء ً على مقدمات مغلوطة وافتراضات خاطئة ، وهذا ما يعبر عنه “ابكتيتوس” بقوله : (إن الناس يضطربون ليس بسبب الأشياء ولكن بسبب وجهات نظرهم التي يكونونها عن هذه الأشياء ).
ويذكر (عيد) أن العلاج العقلاني الانفعالي استند إلى فكر الفيلسوف الاغريقي ” أيبكيتوس” عن أن ما يجعل عقول الناس تضطرب ليس هو الاحداث وأنما افكارهم حول الاحداث .
ومن الأمور المتعلقة بهذا الموضوع أن البوذيين القدماء كانوا يقولون أن انفعالات الانسان تنشأ من طريقة تفكيرة ولكى يغير الفرد من انفعالاته يجب أن يغير من طريقة تفكيرة أولاً .
وفضلاً عن تأثير “اليس” بالفلاسفة القدامي وكتاباتهم أمثال ماركوس ، وأريليوس ، وسقراط ، وكنت ، وشكسبير ، فأنة تأثر أيضاً باسهامات العديد من علماء النفس والمعالجين النفسيبن ولا سيما التحليلين، بالرغم من اعتراضه على العديد من آراهم العلاجية ، والتى تركز على الجانب الانفعالي بأعتبارة مفتاح الشفاء والتغيير في السلوك ومن أبرز من تأثر بهم ” إليس” الكسندر فرنش ، كيلي ، كارين هورني ، وادلر الذى يعتبره “إليس” المروج الرئيس للعلاج العقلاني فهو الذى يقول :
(أن سلوك الشخص ينبع من أفكار تحدد اتجاهه نحو الحياة وعلاقته بالعالم الخارجي) وهو بذلك يؤمن بأن الانفعالات العاطفية للفرد مرتبطة ارتباطاً قوياً بأفكاره ومعتقداتة .
وهذا وكانت البداية الحقيقية لنظرية العلاج العقلاني الانفعالي كطريقة علاجية منفردة على يد العالم الامريكي ” اليس” المولود عام 1913م في بيتسبيرج في الولايات المتحدة الاميركية ، وحصل على درجة الباكلوريوس في إدارة الأعمال من جامعة المدينة في نيويورك، ثم حصل على شهادة الماجستتير عام 1943م ، وشهادة الدكتواره في عام 1947م في علم النفس الإكلينيكي . وكانت هذه البداية تحديداً في عام 1954م حيت بدأ “إليس” التحول من التحليل النفسي لطريقة علاجية تتجه نحو الاسلوب المنطقي المعتمدة على النموزج الفلسفي أكثر منه على النموزج النفسي .
وبدأ ” أليس” الكتابة عن هذا الآسلوب الجديد فى العلاج النفسي في سلسلة في من المقالات منذ عام 1962م ، وعندما نشر كتابة ” السبب والانفعال في العلاج النفسي” ضمن في صياغته الأولي أهم الأسس والتصورات والافتراضات والتي يمكن من خلالها فهم نظريته العلاجية ، والتي ركزت على العلاقة بين الانفعلات والتفكير .
ويشير(Padeskybeck ) الى ريادة الآراء التي قدمها “إليس” في تدشين نظريات العلاج النفسي المعرفي ، وذلك لكونه أول من وضع اللبنات الأولي لانتشار هذا الاسلوب في الارشاد والعلاج النفسي ، وفي عام 1959م أسس “إليس”معهد الحياة العقلانية{Instute of Rational living }وهو مؤسسة علمية تربوية تهدف لتعليم أسس الحياة العقلانية ،وفى عام 1968م أسس “إليس” معهد الدراسات العلمية في العلاج النفسي العقلاني .
ويوضح (محمود) أن “إليس” صمم فى عام 1976م طريقتة في العلاج سُميت ” علاج الانفعالات بالمنطق .
وفي صيف عام 1993م أعلن “إليس” عن تغيير مسمى هذا الاتجاه من العلاج العقلاني المعرفي الى العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي وذلك لتأكيد التبادل بين الجوانب” المعرفية، والوجدانية ، والسلوكية ” (1) .
ويرى “إليس” أن المرضى يمارسون تخيلاً غير منطقي يؤدي بهم إلى حالة العصاب التي يتحكم فيها عدد من الافتراضات قليلة العدد واتجه إلى تكوين أسلوب علاجي يخاطب العقل وتمسك في نفس الوقت بأن للفرد استعدادات وراثية بيولوجية وفسيولوجية لا يمكن تجاهلها عند تطبيق أي نوع من العلاج (2) .
Ø نظرة إليس للإنسان :-
ترتكز نظرية “إليس” على الافتراض القائل : بأن الفرد يولد وعنده القدرة على التفكير العقلاني المنطقي والتفكير غير المنطقي أيضاً . ولدي أى فرد الاستعداد للمحافظة على نفسه وسعادته ، وأيضاً للفرد نزعة إلى تدمير النفس ، وتجنب التفكير والإيمان بالخرافات ، ولوم النفس . أي أن للفرد الميل والاستعداد لكلا الاتجاهين وبموجب العلاج العقلاني فأن الأفراد يولودن ويميلون إلى كل ما يريدون أو يحتاجون لابد أن يجدوه ، وإذا لم يجدوا ما يريدون فأنهم يشجبون أنفسهم ، ويشعرون بالحزن والألم ، وترى نظرية العلاج العقلاني على أن تفكير الإنسان وانفعاله وسلوكه عادة عن طريق إدراك موقف معين . ويرى ” اليس” أن الفرد عندما ينفعل فأنه يفكر ويعمل وعندما يفعل فإنه ينفعل ، وعندما يفكر فإنه ينفعل ويفعل .ولكي نفهم سلوك خداع النفس يجب أن نفهم كيف يشعر الناس ويفكرون ويتصرفون .
ويختلف “إليس” مع وجهة نظر الفرويدية للطبيعة الإنسانية ، حيث أن الإنسان ليس حيوان بيولوجياً والغرائز تتحكم في سلوكه ، فهو يرى أن الفرد فريد وعنده القدرة على فهم العجز عنده وتغيير النظرة أو القيم التي غرست فيه منذ الطفولة ، ولدية القوة على مواجهة نظام القيم عنده وترسيخها في اعتقادات وآراء مختلفة ، كذلك لم يقبل “إليس” وجهة النظر الوجودية التي ترى أن الفرد عنده ميل إلى تحقيق قدراته .ولذا فإنه مقتنع بأن الفرد إذا اشترط بأن يفكر أو يشعر في طريق محدد فإنه ربما ينوي أن يستمر في ذلك السلوك حتى لو أدرك بأن سلوكه هو خداع للنفس ، وعلى المعالج أن يبحث في الجذور التي تؤدي إلى سلوك خداع النفس .
ويقدم “إليس” بعض الافكار أو التصورات والفروض حول طبيعة الإنسان والاضطرابات الانفعالية ، ويلخصها ” باترتسون” فيما يلي :-
1- الإنسان كائن عاقل متفرد في كونه عقلانياً وغير عقلانياً وحين يفكر ويتصرف بعقلانية يصبح ذا فاعلية ويشعر بالسعادة .
2- إن الاضطراب الانفعالي والنفسي هو نتيجة للتفكير غير العقلاني .
3- ويرجع التفكير غير العقلاني في أصله إلى التعلم المبكر غير المنطقى ، والفرد يكتسب ذلك من والديه بصفة خاصة ومن الثقافة التي يعيش فيها .
4- الإنسان كائن ناطق ، والتفكير يتم عادة من خلال استخدام الرموز الكلامية، ولما كان التفكير يصاحب الانفعال والإضطراب الانفعالي .
5- إن استمرار حالة الاضطراب الإنفعالي نتيجة لحديث الذات {Self Verbalization} لا يتقرر بفعل الظروف والاحداث الخارجية فقط ولكن أيضاً من خلال إدراكات الفرد لهذه الأحداث واتجاهاته نحوها وتختلف طرق التعبير عن هذا الاضطراب فبعض الأفراد يصابون بالاكتئاب والبعض الاخر بالقلق أوالشعور بالنقص والدونية والضعف أمام مسئوليات الحياة ، وآخرون يدمنون المخدرات او يقدمون على الانتحار إلي غير ذلك.
6- يجب مهاجمة وتحدى الأفكار والانفعالات السلبية او المثبطة للذات وذلك بإعادة تنظيم الإدراك والتفكير بدرجة يصبح معها الفرد منطقياً. وهدف الارشاد والعلاج النفسي هو أن يوضح للعميل أن حديثة مع نفسه هو المصدر الأساسي للاضطراب الأنفعالي ، وأن يبين له كيف أن هذه الأحاديث الذاتية غير المنطقية وأن يساعده على تعديل تفكيره ، حتى بصبح أكثر عقلانية وبالتالي تفل الانفعالات السلبية أو سلوك إحباط الذات .
7- ترى هذه النظرية أن الأفراد هم متفردون ، وانهم عقلانيون وغير عقلانين في آن واحد ، فعندما يتصرفون ويفكرون بعقلانية يكونون فعالين وسعداء والعكس صحيح .
8- الأنسان ليس ضحية لظروف أو لماضيه ، ولكن الطريقة التي يتحدث بها الفرد إلى الأخرين أو يحدث بها نفسه ، هي التي تحدد مدى تكيفه .إلى أن نشرب أنفسنا بإستمرار بهذه الأفكار ، وفي النهاية فإن هذه الأفكار هي التي تشكل سلوكنا الظاهري ، ونقوم بتعميق هذه الاعتقادات غير المنطقية فى نفوسنا باستمرار وحتماً ستقودنا إلى عملية الإحباط والانهزام التي تحدث لنا (1) .