العراق رابع دولة منتجة وسادس دولة مصدرة للنفط، لكن الخدمات في قطاعي الطاقة والصحة شبه معدومة فيه
ولنكن واضحين فإن تماسيح الفساد قد ابتلعتها.
لم يتم صنع العراق منذ البدء بناء على منطق حكيم ولا بهدف التعايش ولا حياة هانئة
ورغم كونه منتِجاً فعالاً وفي مقدمة الدول النفطية، فإنه يأتي في المرتبة الخامسة عشرة من بين الدول الأقل شفافية في العالم.
وعندما يراقب المرء مشاهد الاحتجاجات الشعبية في بغداد ومدن جنوب العراق
لا يسعه إلا أن يتساءل وبصوت عال:
أهذه هي الدولة والإدارة التي يدعو عشرات من البرلمانيين والسياسيين الكورد إلى أن يكون إفليم كوردستان بمثل شفافيتها
أو أن يعود إلى أحضانها؟ وهؤلاء يدعون كوردستان للعودة إلى أين؟ إلى ذلك الجحيم؟
الجحيم الذي يلمسه المرء بوضوح في صيحات وغضب شباب بغداد في الشوارع.
الكارثة تقبع في أن أصحاب السلطة يردون على هذه الانتفاضة والصيحات بالقول: "نحن مع المطالب المشروعة للشعب"
تلك العبارة المكررة والمشروخة تحز في القلب كما يفعل الافتقار إلى الطاقة اللازمة وغياب الضمان الصحي
وإخفاء العائدات. هذا استخفاف بالشعب وبكل ما يمت إلى الشعب بصلة، وقبل كل شيء بكرامة الإنسان.
هذه العبارة السمجة تدل على عدم إقامة وزن لصيحات واحتجاجات الشعب
التي لا تستطيع سلطة فاسدة في أي وقت وأي مكان أن تفهمها وتستجيب لها.
هذه البيئة الخربة والمدمرة للعراق، يمكن علاجها أولاً بتقسيم هذا البلد إلى دول أو كيانات ثم البدء بإصلاح تلك الدول والكيانات من الداخل
وهو حلم ليس ممكن التحقيق اليوم أو غداً، بل يحتاج تحقيقه إلى خمسين سنة على الأقل.
يجب أن تذهب أجيال وتأتي أجيال جديدة، تعرف ماذا يعني احترام الوطن، العائدات
العمل، التعايش، التدين والإلحاد
و... وكيف يمكن التعامل مع هذه المفاهيم.
"كل ما فهمه الاشتراكيون عن المال هو حقيقة أنهم يريدون المال من الآخرين"
هذا هو تقييم السياسي ومستشار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، كونراد آدناور.
في الحقيقة يعمل ساسة العراق اليوم بنفس هذا المبدأ. مبدأ: العائدات، الطاقة، الخدمات الصحية التربية
وكل شيء جيد لي، وليصبر الشعب وينتظر المستقبل انتظاراً يخلو من الأمل.
كان رئيس الوزراء العراقي الحالي محط آمال كثيرين منذ البداية
لكن تصريحاته تجاه سخط وانتفاضة الشعب محبطة للآمال لو جرى التدقيق فيها. فقد تحدث بلغة الآخرين
وقال: "سمعت صوتكم". قبل تسع سنوات من اليوم، قال بن علي في تونس نفس الشيء عن غضب الشعب
ورأينا ما حل به. فلم يعد الشعب يريد أن يسمعه ومضى وقت الاستماع إليه.
لماذا لا يظهر في هذه الأرض سياسي تختلف كلماته وتعابيره وتفكيره؟
لماذا لا تنبت هذه الأرض شيئاً مختلفاً يحيي الآمال؟
لماذا يجب أن يصغي السياسيون وأصحاب السلطة للشعب ويسمعوا أصواتهم
فقط عندما يخرجون إلى الشوارع ويصيحون؟
لماذا لا يعرف أحد الحوار في هذه المنطقة ولا يجري العمل بثقافة الحوار؟
في خضم صيحات هؤلاء الناس، يتساءل المرء:
متى سيقف العراق على قدميه، بعد أن قضى نحو قرن من عمره؟
متى سيصبح العراق مكاناً يمكن للإنسان أن يعيش فيه كإنسان؟
والسؤال الأهم هو: هل هذا ممكن؟