على هذه الجزر التى لايزال يتردد فيها صدى الماضى بمعاركه البحرية الكبرى، تبقى التقاليد فوق كل شئ : من شاى السعة الخامسة، إلى المعاهد الكبرى فى أكسفورد وكامبيردج، و سباقات إبسوم، و الكربكت، و جلسات يوم الأحد حول النار، وحلوى البودنغ فى عيد الميلاد، العديد من الطقوس و الشعائر و التقاليد، تشكل الحياة البريطانية ...
ومع ذلك فإن البريطانيين أنفسهم هم الذين " أبتدعوا" " المينى - جوب " ...و " البيتلز".
وصف الشاعر المسرحى ويليام شكسبير جزيرة بريطانيا العظمى بأسم " حصن ذو أسوار مائية " حيث فرضت سيادتها على المحيطات فى نهاية القرن السادس عشر فى عهد اليزابيث الأول المزدهر.
فالبريطانيون لم يتعرضوا فى جزيرتهم لأى أجتياح منذ القرن الحادى العشر، وقد أستغلوا الفرصة لكى يبنوا أهم أسطول فى العالم، ولكى يخلقوا شركات تجارية كبرى كشركة بلاد الهند الشرقية، و لكى يستأثروا بمستعمرات فى أميركا، و آسيا، و أفريقيا، و لكى يهزموا الأسطول الأسبانى سيد البحار فى عهده، " الآرمادا " سنة 1588، ولكى يتقاتلوا بعد قرنين مع جيش نابوليون فيسحقوه فى " الطرف الاغر"، ثم فى " واترلو "، و أخيراً لكى يبينوا فى القرن التاسع العشر أمبراطورية واسعة إلى درجة إنه امكن ان يقال فيها: " الأمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس " ...
مهد الثورة الصناعيةشهدت بريطانيا العظمى، فى القرن الثامن عشر، قبل البلدان الأوروبية الأخرى، الثورة الصناعية التى قلبت الحياة الأقتصادية و الأجتماعية و السياسية فى كوكبنا رأساً على عقب. فلقد كان هناك، من الناحية الأولى، توفر الموارد المنجمية المحلية كالفحم وركاز الحديد، بالإضافة إلى المواد الأولية المستوردة من المستعمرات، و من ناحية ثانية الرساميل المكدسة عبر قرون من التجارة البحرية. و من ناحية ثالثة سكان زراعيون كثيرو العدد، على أستعداد أن يهجروا حقولهم فيعملوا فى الصناعة ... و بعد أن أصبحت المملكة المتحدة، القوة الأقتصادية الأولى فى العالم، فأنها دخلت فى أيامنا هذه مرحلة أقل.
فلقد تفتت أمبراطوريتها الأستعمارية، وجاءت الحربان العالميتان، و الحرب الأهلية فى إيرلاندا الشمالية و الأزمة الأقتصادية الحالية، لتحجم دورها على المسرح الدولى.
يفتخر البريطانيون بالأنتساب إلى أمة كانت صاحبة فتوحات لفترة طويلة، فهم يتمسكون كثيراً بملكيتهم و يحضرون أحتفالاتها المهيبة.
الشغف بالديمقراطية
فى الواقع، ليس للملك إلا سلطة شكلية، لأن السلطات الفعلية تعود للحكومة و البرلمان ومجلس اللوردات. و التقاليد الديمقراطية قديمة فى هذه البلد الذى يستطيع أن يتباهى بأنه لا يملك دستوراً فعلياً مكتوباً. منذ الميثاق الأكبر " الذى فرضه سنة 1215م الرعايا الإنجليز الأحرار على الملك يوحنا الذى لا أرض له)، لضمان حقوق المواطنين تجاه الأمتيازات الملكية.
إن المملكة المتحدة بكاملها بلد جزرى، و كانت أوسع جزرها، بريطانيا العظمى، فى الأزمنة الغابرة، موصلة بالقارة الاوروبية، و هى اليوم مفصولة عنها بقناة قليلة العمق هى المانش.
و تضم المملكة ايضاً خمس جزر، أيرلاندا، الجزيرة الكبرى المجاورة، وعدداً من الجزر الصغرى و الواقعة فى شمال غرب اسكتلاندا، و الجزر الإنجليزية النورماندية، هذه البلاد التى لا تبعد اى منطقة فيها أكثر من 120 كلم عن البحر، هى مطبوعة بطابع الحضور المحيطى، فالنوارس فى كل مكان، ورائحة البحر تفوح فى كل صوب.
إن نسبة الفلاحين فى المملكة المتحدة هى من أضعف النسب فى العالم : إذ لا تكاد تصل إلى 2% من عدد السكان. لكن الدرجة العالية من التقنية و المكننة، و التنظيم العقلانى للنشاطات الزراعية يتيحان سد نصف حاجات الأمة تقريباً. ومنذ سنوات حددت الحكومة قانونياً أسعار بعض السلع الزراعية تجنباً للمزيد من هجرة السكان العالم الريفى : فدفعت بشكل مستمر للمزارعين الفرق بين هذا السعر " السياسى" و أسعار السوق المتقلبة، وحققت لهم بذلك دخلاً منتظماً.
إن أسماء هذه المناطق البريطانيا كلها تذكر بالصوف و الطرق المختلفة لحياكته. لأن تربية الخراف منتشرة منذ عهد بعيد فى هذه البلد الذى يحتل المركز الأول فى العالم فى إنتاج الصوف...كما تزدهر تربية الأبقار و خصوصاً الأبقار الحلوب، إلى جانب الحيونات المسمنة للذبح.
شتلاند، جيرسى، كاريغان.....
و هناك تربية الدواجن للمساهمة فى تخفيض الأستيراد الغذائى.
تملك المملكة المتحدة إلى جانب الفحم، و موارد طاقة حرارية كالغاز الطبيعى و البترول.و إن أستغلال السائل الأسود الذى يستخرج فى محيط جزر شيتلاند، هو فى تقدم مستمر، و الأحتياطى يشكل ثلثى النفط الأوروبى بأجمعه ( ملياران ومائة ألف طن)
بين الصناعات الميكانيكية البريطانية الكبرى، نذكر خصوصاً أحواض بناء السفن التى ظلت حتى نصف قرن مضى، تبنى وحدها نصف السفن الموجودة فى العالم. و الأن بعد ان ادركتها السويد و فرنسا، و تخطتها اليابان بشكل ملحوظ، فإن احواض بناء السفن لديها لا تكاد تنتج عشر الإنتاج العالمى.
كما ازدهرت فى صناعة الطائرات المدنية و العسكرية، و السيارات الإنجليزية غنية عن التعريف.
ان المملكة المتحدة هى واحدة من أواخر الدول فى العالم التى بقيت لها مستعمرات. ولكن أملاكها تتضائل مع الزمن. و مع الأستقلال الذى حصلت عليه مؤخراً جزر الهيبريدة الجديدة ( 1980) و هوندوراس البريطانية ( 1981).
و مع ذلك فقد حافظت البلاد على صلة وصل مع مستعمراتها السابقة. ومع حصول هذه المستعمرات على أستقلالها، فقد قبلت بالبقاء فى الرابطة الاقتصادية للامبراطورية السابقة، و أن تقيم معها تبادلات تجارية متميزة.
لقد أظهر سكان المملكة المتحدة على الدوام رغبة فى التنقل، سواء فى داخل البلاد أم فى خارجها. فعلى مر العصور غادر الاف من الإنجليز و الإيرلانديين، و الأسكتلانديين بلادهم. بعضهم لأسباب دينية، و بعضهم الأخر طلباً للثراء.
لقد أدت الثورة الصناعية إلى تزايد كبير فى عدد سكان المدن. ففى المملكة المتحدة ستون مدينة يقطن كلا منها 100000 نسمة، أما لندن العاصمة فقد تضخمت سكانيا بشكل رهيب وفوضوى حتى الحرب العالمية الثانية، و من ثم جاءت خطة إسكانية لتوقف هذا المسار الخطير. ولندن اليوم محاطة ب "زنار أخضر"، وقد جمد فيها عدد السكان بحيث يبلغ حوالى سبعة ملايين نسمة.