جاسم الشمري ...منقول
المظاهرات واحدة من السبل السلمية للاعتراض – أو التأييد- على أي قرار، أو فعل داخلي، أو خارجي وقع – أو محتمل الوقوع – في أي منطقة في العالم!
والمظاهرات أسلوب حضاري يهدف لتحقيق التغيير والإصلاح في واقع الحال، وقد أكد الدستور العراقي الصادر في العام 2005، بحسب المادة (38)، على: ” تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون”.
ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 صارت المظاهرات من الفعاليات المتكررة، لكننا سنكتفي بالتعريج على أهم المظاهرات الحاشدة للفترة من 2003- 2018:
في 28 نيسان/ أبريل 2003، وبعد عدة أيام من دخول القوات الأمريكية المحتلة للعراق، تواجدت مجاميع من القوات المحتلة في إحدى المدارس بمدينة الفلوجة (50 كم غرب بغداد)، وقد كانت هذه المدرسة بين المنازل في حي نزال الشهير- الذي وقعت فيه معركة الفلوجة الأولى-، وكان الأهالي ( منزعجون جداً) من هذا التواجد، وقد خرجت مظاهرات سلمية تطالب القوات المحتلة بالنزوح خارج حدود المدينة، وبحسب شهادات السكان المحليين” بدأ الجنود الأمريكيون بإطلاق النار على المتظاهرين العزل مما أدى إلى مقتل حوالي 20 شخص، وإصابة أكثر من 70″.
في آب/ أغسطس 2003، احتشد آلاف العراقيين في مدينة الصدر- احد أحياء العاصمة بغداد- في” صلاة الجمعة للاحتجاج على مقتل عراقي في مظاهرات وقعت الأربعاء الماضي بعد أن فتحت القوات الأمريكية النيران على المتظاهرين”.
في يوم 6/ 2/ 2010، وكذلك يوم 19/6/ 2010، تظاهر نحو ألف وخمس مئة شخص في مدينة البصرة الجنوبية، مطالبين بإقالة المحافظ شلتاغ عبود، وتوفير الخدمات، ومكافحة الفساد الإداري والمالي، وتوفير فرص العمل للشباب، واحترام حقوق الإنسان.
في يوم 5/ 2/ 2011 تظاهر أكثر من ثلاثة آلاف من أهالي قضاء الحمزة جنوب مدينة الديوانية الجنوبية ( 180 كم جنوبي بغداد)، للمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير فرص العمل.
في يوم 5/2/2011 انطلقت مظاهرات حاشدة في منطقة الحسينية شرق بغداد، وطالب المتظاهرون بتحسين واقع الخدمات المتردي الذي تعيشه المنطقة منذ فترة طويلة، فيما تجمع نحو ألف شخص في منطقة بوب الشام الفقيرة – شرقي بغداد- وسط أكوام القمامة وبرك المياه الراكدة؛ للاحتجاج على تردي الخدمات العامة وتدهور أوضاعهم المعيشية.
في يوم 7/ 2/ 2011 طافت شوارع مدن الموصل الشمالية والأنبار الغربية وديالى الشرقية والعمارة الجنوبية تظاهرات شارك في مجموعها أكثر من (5000) شخصية من المثقفين وشيوخ العشائر والوجهاء، طالبوا فيها بتحسين الواقع المعاشي والخدمي السيئ في البلاد.
في 25 شباط/ فبراير 2011، انطلقت مظاهرات ما سمي حينها ( مظاهرات الربيع العراقي)، واقتحم المحتجون المقار الحكومية في الموصل والبصرة وواسط والرمادي، وسيطروا على المجلس البلدي في الحويجة وحاصروا مقار ودوائر أخرى.
وبعد عدة ساعات، أزاح المتظاهرون كتل الكونكريت العملاقة التي أغلقت جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء بالضفة المقابلة من نهر دجلة حيث توجد المقار الحكومية والسفارتان الأميركية والبريطانية، وهذه المظاهرات جوبهت حينها بنيران الأجهزة الأمنية الحكومية، وكانت الحصيلة أكثر من (20) قتيلاً ومئات الجرحى.
في 25 كانون الأول/ ديسمبر 2012 نظم العراقيون مظاهرات حاشدة في ست محافظات مختلفة – الأنبار، الموصل، ديالى، صلاح الدين، كركوك، بغداد) واستمرت لأكثر من عام، وذلك احتجاجاً على ما وصفوه بتهميش الحكومة لهم، وتواصلت حتى 30 ديسمبر/كانون الأول 2013.
وكانت هذه المظاهرات الأبرز في تاريخ العراق بعد العام 2003، وهي مظاهرات سلمية وقانونية ومدنية، واتهمتها الحكومة بالإرهاب والتحدي، وقد هددها رئيس الحكومة حينها – زعيم حزب الدعوة نوري المالكي- بصورة علنية مخاطباً المتظاهرين “أن ينتهوا قبل أن يُنهوا”.
نيسان/ أبريل 2013″ القوات العراقية تقتحم الساحة التي يعتصم فيها المتظاهرون المناوئون للحكومة في مدينة الحويجة بمحافظة كركوك، الأمر الذي خلف أكثر من 50 قتيلاً وأدى إلى حالة من الغضب واشتباكات في بلدات أخرى”.
يوم 9/6/2013، خروج مظاهرات كبيرة في محافظة النجف، احتجاجاً على تردي الواقع الخدمي وارتفاع أسعار مولدات الطاقة الكهربائية الأهلية، فيما طالبوا باستبدال مدراء الدوائر “المترهلين والفاشلين”.
وفي صيف 2015، و2016 نزل آلاف العراقيين في مدن الجنوب إلى الشارع للمطالبة بإنهاء الفساد وتحسين الخدمات العامة، لكن دون نتائج تذكر حتى الآن.
في منتصف صيف 2016، تجمع الآلاف من أنصار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بالعاصمة بغداد، للدعوة مجدداً إلى تنفيذ إصلاحات تضع حداً للفساد في البلاد، في حين هدد المتظاهرون بخطوات تصعيدية ضد الحكومة.
وفي شباط/ فبراير 2017، نظم التيار الصدرى مظاهرة سلمية حاشدة بمشاركة آلاف العراقيين من العاصمة والمحافظات في ساحة التحرير وسط بغداد، وطالب المتظاهرون بتعديل قانون الانتخابات وتغيير مجلس مفوضية الانتخابات والابتعاد عن المحاصصة السياسية.
وأخيراً، مظاهرات مدن الجنوب العراقي الحالية – والمستمرة منذ أكثر من أسبوعين- وشملت محافظات البصرة، وميسان، والناصرية، والنجف، وكربلاء، وواسط، والديوانية، والمثنى، والتي تعد الأشد والأشرس، وذلك لأن الجماهير – ولأول مرة منذ العام 2003- هاجموا مقار الأحزاب الحاكمة في الجنوب، وحرقوا صور بعض الرموز الدينية والسياسية، مما تطلب التدخل الفوري من الحكومة لإنهاء هذه المظاهرات، وقد وصل لدرجة شديدة التوتر، وبالذات بعد مقتل أكثر من 20 متظاهراً، وجرح أكثر من 150 آخرين، وما زالت تلك المظاهرات مستمرة في أغلب هذه المدن.
عموم المظاهرات في العراق تمتاز بأنها لم تحقق الأهداف التي خرجت من أجلها، وقد كانت النتائج في الغالب العام نتائج عكسية وذلك بسبب القبضة الحديدية للحكومة، والدعم الأمريكي لها، وتغول المليشيات في الساحة العراقية، وكذلك عدم وجود إرادة دولية حقيقية لدعم الشعب العراقي للخروج من أزمته.
نأمل أن يأتي اليوم الذي تكون فيه المظاهرات كاسحة للفساد والخراب من البلاد العراقية، وتقود لبناء دولة المواطنة، والتوزيع العادل للثروات بعيداً عن منطق التهميش والظلم والتجريم غير القائم على أدلة حقيقية.