رحلة عادية تحول شابا إنجليزيا لأحد مشاهير ماليزيا

لم يدر البريطاني دانيال تيلور، ان تحول زيارة سياحية عابرة له لماليزيا حياته رأسا على عقب، في غضون شهور.
وبحسب “بي بي سي” ما إن يخرج “محمد كاريف دانيال عبد الله”، وهو الاسم الجديد لدانيال بعد إسلامه من منزله في العاصمة الماليزية، كوالالمبور، ويخطو بضع خطوات في الشارع حتى يتعرف عليه الناس وينادونه باسم التدليل المعروف به هناك “مات دان”.
وتقول والدته: “الناس يهتفون أنظر.. أنظر إنه مات دان”، مشيرة إلى أن بعضهم يستجمع شجاعته ويطلب صور سيلفي معه.
وكثيرا ما يكون مات دان مصدرا لأخبار رئيسية في ماليزيا سواء عبر برنامجه عن السياحة، أو برنامجه الإذاعي الحواري على الإفطار، أو ظهوره في ملصق سياحي عن رحلة لمكة.
ولم يكن ذلك بالمسار المعتاد لشاب إنجليزي ولد باسم دانيال تيلور، وترعرع في أسرة من الطبقة المتوسطة بمدينة شيلتنهام بمقاطعة غلوكستشر الإنجليزية، ولم يكن في نشأته أي شيء غير معتاد.
لم يكن محبا للمدرسة، ولكنه كان ممتازا في رياضة الكريكت ومثل مقاطعة غلوكستشير في طفولته. وفي سن المراهقة تراجع اهتمامه بالكريكت، وبات يبدي اهتماما أكثر بالموسيقى وحضور الحفلات.
لم يكمل تعليمه الجامعي، وكان من المعتاد العثور عليه في حانة أو في متجر للملابس حيث كان يعمل.
وفي عام 2008 وفر دان ما يكفي من المال للقيام برحلة إلى جنوب شرق آسيا مع بعض أصدقائه. ورغم عودته إلى بريطانيا بعد عدة أشهر فقط إلا أنه قرر العودة للمنطقة في العام التالي.
ولم يكن يعلم أن قراره بالعودة سيغير حياته للأبد.
وعندما ذهب إلى جزيرة بولاو كاباس الصغيرة في الساحل الشرقي لماليزيا لم يقض الوقت في الترحال مثل الزوار الغربيين، بل قرر الاندماج وسط سكان الجزيرة.
لم يستغرق الأمر وقتا حتى يفهم لغتهم التي اعتقد أنها بهاسا مالاي، اللغة الرئيسية في ماليزيا، لكنه فوجئ لاحقا أنه تعلم لهجة محلية تدعى “تيرينغانو”، يتحدث بها نحو مليون شخص من سكان ولاية تيرينغانو.
ويقول: “أصبت بخيبة أمل، فقد كان ذلك يعني أنني غير مفهوم خارج تلك المنطقة.”
ولكن هذه الصدفة التي جعلته يتعلم لهجة محلية ويعتقد أنها اللغة الرئيسية في البلاد هي التي صنعت نجاحه.
فقد بدأ ينتشر الحديث في ولاية تيرينغانو عن الشاب الإنجليزي الذي يجيد لهجة سكان المنطقة ويلم بثقافتهم.
وعندما صور طالب من كوالالمبور سرا فيديو لدان، وهو يتحدث التيرينغانو ثم نشره على اليوتيوب حصد الفيديو مئات الآلاف من المشاهدات.
فجاءه فريق تليفزيوني من العاصمة وطرقوا بابه عارضين عليه أن يجرب نفسه مع الكاميرا، وبعد أن أدركوا قدرته على التقديم عرضوا عليه تقديم سلسلة حلقات سياحية عن السفر.
وبعد بث أولى حلقات البرنامج تغيرت حياة دان بين عشية وضحاها، فهو الآن معروف في كل مكان ويوجد في حسابه على إنستغرام 838 ألف متابع.
وبعد ذلك قدم دان برنامجا عن الطبخ رغم عدم معرفته به، ثم بدأ في تقديم برنامج إذاعي حواري على ماني إف إم بات من البرامج الحوارية المعروفة في ماليزيا.
ويقول صديقه دانيال بيمز، الذي زاره في أواخر عام 2017: ” في كل متجر، ومع كل وجبة، وفي كل الطرق تسمع صيحات هاي مات دان.. مات دان.. لينتهي الأمر عادة بسلسلة من صور السيلفي مع غرباء.”
وكان دان قد اكتشف بعد أيام قليلة من انطلاق شهرته أن الشهرة مجهدة، وقال : “كل هذه الاهتمام يؤدي إلى استهلاك الوقت إلى حد كبير.”
ويقول تون فيصل، المسؤول بولاية تيرينغانو، إنها ليست اللهجة المحلية فقط التي تميز دان عن غيره من الأجانب في ماليزيا، ” ففهمه لكل من اللغة والثقافة الماليزية جعلاه شخصية فريدة في ماليزيا، وأكبر نجاحاته ربطه نفسه بتيرينغانو، فكلما رآه الناس تذكروا تيرينغانو.”
وخلال وجوده في ماليزيا تحول دان للإسلام، والتقى زوجته نورناديفا. ولم يعد يقبل عملا يتعارض مع معتقداته الدينية مثل الإعلان عن مشروب كحولي أو الاشتراك في مشهد رومانسي مع امرأة أخرى.
ورغم أن الغالبية معجبون به في ماليزيا، إلا أنه واجه انتقادات من الذين يطلق عليهم “محاربي الكيبوردات”.
ويقول: “إن كثيرين يقولون إنهم يعرفون مئات الأجانب العاملين في البلاد ممن تحدثوا اللغة في شهرين أو ثلاثة ولم يتحولوا إلى مشاهير، فما هو الفرق بين مات دان وعامل بنغالي يستطيع التحدث بلغة المالاي؟.”
وجاءت بعض الانتقادات من محافظين متدينين. وبينما رحب أغلب متابعيه، في هذا البلد ذي الأغلبية المسلمة، بخطوة اعتناقه الإسلام فإن بعضهم شكك فيها “لدرجة أن أحدهم بعث رسالة عبر البريد الإلكتروني لأخي يقول فيها أخوك يهودي.”
ويحترم دان حق المنتقدين في إبداء آرائهم، ولكن أولئك الذين شككوا في دينه حذفهم من حسابه.
ورغم استقراره في ماليزيا، إلا أن دان يقوم برحلات سنوية إلى بريطانيا.
ورغم أنه على اتصال مستمر بأسرته التي دأبت من جانبها على زيارة ماليزيا بانتظام، إلا أنه يشعر أحيانا بالغربة عن المكان الذي تربى فيه ويقول: “لا أشعر في الواقع بأنني في الوطن.”
فلم يعد قضاء عطلات نهاية الأسبوع في احتساء الكحوليات ولعب القمار يناسبه، ويتذكر حالة الإحراج التي سادت عندما كان يشاهد التليفزيون مع أصدقائه القدامى لدى تسليط تقرير إخباري الضوء على المسلمين بشكل سلبي.
ويقول: “مثلما يقفز مشهد جنسي عند مشاهدة التليفزيون مع والدتك، يبرز الإسلام في الأخبار لتسود لحظات من الصمت المحرج.”
ولم تكن طريقة دان في الحياة فقط التي تغيرت فبعد عقد من الحديث بالمالاي والتيرينغانو تغيرت لكنته الإنجليزية، ويقول: “منذ عدة سنوات اتصلتُ بجدتي في عيد ميلادها فأغلقت الخط في وجهي لأنها اعتقدت أنني أحاول بيعها اشتراك انترنت منزلي، كما يعتقد بعض الناس أنني أتحدث الويلزية.”
وتعبر والدته نيكولا عن سعادتها بتحول ابنها إلى نجم في الجانب الآخر من العالم، وتقول: “رغم التغيير الكبير في حياته إلا أنه مازال دان نفسه”.
وتضحك قائلة: “كنت أعتقد دائما أنه لو أقدم أحد الأولاد على عمل شيء مختلف فإنه سيكون دان، ولكن لم أعتقد أنه سيفعل ذلك.”
ويستقر دان الآن مع ابنه زين متراجعا عن العديد من مشاريعه التليفزيونية التي يراها تستهلك كثيرا من الوقت.
وهو الآن سفير تيرينغانو للسياحة، ولديه خط أزياء جديد في الطريق وسيقوم ببطولة فيلم سينمائي وفق عربي 21 .
وكان قد حصل في العام الماضي على الإقامة الدائمة في ماليزيا من نائب رئيس الوزراء في ذلك الوقت أحمد زاهد حميدي على الهواء مباشرة.
ويقول: “لن أستطيع القيام بهذا العمل التليفزيوني للأبد ولا يعني ذلك أنني أفكر في خطة للتقاعد، ولكن أفكر في أمر أبعد مدى.”
ولكن سواء استمر في العمل التلفزيوني أم لا فإن دان يرى ماليزيا وطنا له “الآن المالاي هي لغتي الأولى، ولكن الأمر ليس مجرد اللغة فقد اندمجت تماما في الثقافة فأنا الآن مالاي أكثر مني إنجليزي سواء في الطريقة التي أعيش بها أو التي أتحدث بها أو التي آكل بها.”