بورتريه لماري
في أواخر شتاء عام1844 كان الأب روبرت سيمبيسون يطالع الجريدة الصباحية وهو جالس على كرسيه الخشبي عند بناية تاريخية بسلسلة جبال مقاطعة الليجاني بولاية بنسلفينيا ، حيث سكن حديثاً للاستمتاع بأوقات فراغه التي ينعم بها كالعادة في مثل هذه الشهور من السنة، وبينما هو يطالع الجريدة نزلت إليه امرأة بثوبها الشيفون لتبلغه أن مولودته الجديدة، والتي سماها فيما بعد ماري قد فتحت عينيها للنور، لاشك أن هذه الطفلة التي خرجت لتوها ستكون سعيدة لوجودها في مثل هكذا عائلة.
فأبوها يعمل في سوق الأوراق المالية والعقارات بنجاح، بينما أمها كاثرين كيلسو جونسون تنحدر من أسرة أحد المصرفيين الكبار في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أهل الطفلة الجديدة للعيش بسلام في هذا الوسط المتفاني، ولأن الأب كان حريصاً على أن تنال الطفلة تعليماً جيداً انتقل مع عائلته إلى بلدة فيلادلفيا، حيث بدأت الدراسة في السادسة من عمرها.
ولأن البيئة التي نشأت فيها ماري كانت تنظر إلى السفر كجزء لا يتجزأ من مبادئ التعليم، أرسلت إلى فرنسا، وأمضت هناك ما يقارب الـ5 سنوات، ومعه زارت الكثير من العواصم الأوروبية، بما في ذلك لندن وبرلين، تعلمت خلالها اللغة الفرنسية والألمانية إلى جانب لغتها الأم، وكان لها أن تبدأ رحلتها إلى التاريخ.
درست الفن التشكيلي والموسيقى، وبدأت اتصالاتها مع عالمها الجديد والساحر من خلال الفنانين الفرنسيين، دوولاكروا وإنجرز، حيث بدأت على الأرجح المشاركة في المعرض العالمي الذي أقيم في العام 1855، إلى جانب الفنانين كان ديغا وبيسارو وكلاهما كان زميليها وموجهيها في المستقبل.
ورغم أن عائلة ماري كانت تعارض دراستها للفن، إلا أن حرفيتها العالية أجبرتهم على نسيان الأمر، وهذا ما أتاح لها الدراسة بشكل مبكر في سن الخامسة عشرة في أكاديمية بنسلفانيا للفنون الجميلة بمقاطعة فيلادلفيا، ويعزي النقاد قلق والدى ماري من توجهها الجديد بسبب الثقافة البوهيمية التي كانت تصاحب مثل هكذا علوم إلى جانب نسويتها التي تعيق انضمامها للفن كثقافة ذكورية آنذاك، إلا أن تصميمها جعل حياتها الفنية والمهنية ناجحة، حيث تابعت دراستها خلال سنوات الحرب الأهلية الأمريكية،
بطء التعليم في الأكاديمية وثقافة الاستعلاء الذكورية أعاقت ماري عن مواصلة دراسة الماجستير، وقالت في وقت لاحق أنه لم يكن تعليماً حقيقياً في الأكاديمية، فقررت إنهاء دراستها، وبعد إعتراضات والدها انتقلت للعيش في باريس عام1866 مع والدتها وأصدقاء عائلتها.
وفي باريس تقدمت بطلب للحصول على التفرغ ودراسة الماجستير من مدرسة بيكس ديس للفنون الجميلة، وتمت الموافقة على الدراسة مع الفنان جان ليون والذي أشتهر بتقنيته المفرطة في التصوير الواقعي، وزادت من زيارتها لمتحف اللوفر وكان المتحف بمثابة اجتماع للطلاب الأمريكيين والفرنسيين.
سافرت ماري إلى مدريد وأشبيلية بعد أن عرفت طريقها إلى الشهرة، ورسمت هناك مجموعة من اللوحات في المواضيع الأسبانية، و في عام 1874 اتخذت قرارها بشراء مقر لها في باريس وانضمت إليها شقيقتها ليديا وعاشت معها، وخلال هذه الفترة كانت لها الكثير من الآراء حول المفاهيم التقليدية السائدة آنذاك، وابتعدت عن الفن الواقعي.
في عام1877 قبلت الفنانة الدعوة من إدجار ديغا للانضمام للمدرسة الانطباعية في الفن، وبدأت بمجموعة من المعارض الشخصية المستقلة، وكانت السمعة السيئة للانطباعيين هي الذائعة الصيت، وفي هذه المدرسة كانت تميل إلى تفضيل الهواء الطلق و رسم الألوان النابضة بالحياة في ضربات منفصلة.
قالت ماري إن الانطباعية غيرت حياتها ورأت معها الفن وأرادت أن ترى ذلك، كما قالت إنها تقوم على محاربة اليأس وتحتاج إلى كل قواها لذلك.
في عام1877 التحق والد ماري بها وبالطبع لم تتزوج ماري لأنها كانت ترى أن الزواج سيقضي على حياتها المهنية، وكانت متأثرة في هذه الفترة بالفنان ديجا وله تأثير كبير في حياتها، و تكن له مشاعر قوية و قالت عنه إنها لا تتوقع الكثير من طبيعته المتقلبة والمزاجية.
استندت كاست على سمعتها وشهرتها الشعبيتين بعد سلسلة أعمال حول موضع الأسرة وخاصة الأم والطفل، وعملت على تصوير حياة عائلتها الخاصة.
أما العام1890 فهو الأكثر زخماً وإبداعاً في حياة ماري، ومثل هذا العام فترة نضوجها أيضاً فابتعدت عن الآراء الأكثر حدة وأصبحت أكثر مرونة ودبلوماسية، كما كانت نموذجاً يحتذى به بين الفنانين الشباب، وبالرغم من انحلال المدرسة الانطباعية بقت الفنانة ماري على اتصال بأعضاء المجموعة بما في ذلك رينوار ومونيه وبيسارو.
في عام1891 انجذبت الفنانة إلى البساطة والوضوح من خلال التصاميم اليابانية، واستخدمت في المقام الأول الألوان الخفيفة، وألوان الباستيل الحساسة وتجنبت اللون الأسود،
وصلت ماري كاست إلى القرن الجديد وقد عملت الكثير من المعارض وأصبحت مستشارة لعدة مجمعات فنية، وتبرعت في نهاية المطاف بريع أعمالها لصالح متاحف الفنون الأمريكية، ومنحت وسام جوقة الشرف في عام 1904 في فرنسا وبالرغم من دورها الفعال في الفن الحديث إلا أن التقدير الذي حظيت به كان بطيئاً ويرى النقاد أنها لم تحصل على حقها كاملاً.
من الطريف أن ماري كانت معادية للتطورات الجديدة بعد عصر الانطباعية، وفي عام 1910 زارت مصر وأعجبت بالفن المصري القديم، وقالت إن الفن القديم سحق كل شيء، “لقد حاربنا ضده، فمن المؤكد أن الفن أكبر من الماضي، هاهي يدي واهنة أكثر من أي وقت مضى، لقد ترك هذا الطلاء عظيم الأثر في نفسي”
في عام 1911 تم تشخيص مرض السكري والروماتيزم و العصاب، وإعتام في عدسة عين الفنانة ماري، وفي العام1914 اضطر العمى الفنانة ماري عن هجر اللوحة ومع ذلك ناضلت من أجل حقوق المرأة في الإقتراع وعام1915 أظهرت أنها تعمل في ثمانية عشر معرضاً داعماً لحركة المرأة ودخولها في الانتخابات الأمريكية.
توفيت الفنانة ماري في 14 يونيو حزيران من عام 1926 بالقرب من باريس، ودفنت هناك في مقبرة العائلة
لوحة إمرأتان ترميان الزهور أثناء المهرجان