30 عامًا على اختراع الشبكة العنكبوتيّة
يحتفي العالم هذا العام بمرور ثلاثين عامًا على إطلاق فكرة الشبكة العنكبوتيّة العالميّة واسعة النطاق (بالإنجليزيّة: world wide web) لأوّل مرّة على يد عالم البرمجيّات البريطانيّ (تيم بيرنرز لي-Tim Berners Lee)، ذلك النطاق الرقميّ الذي أتاح كمًّا هائلًا جدًا من المعلومات، والبيانات، والمنصّات، والخدمات لمليارات المستخدمين حول العالم، وأضحى خلال هذا المدى الزمنيّ واحدًا من أهمّ مظاهر عصر العولمة الثقافيّة ، ووسائل التبادل الثقافيّ، والمعرفيّ، والتواصل بين جميع أنحاء العالم أفرادًا وحكومات.
قصّة اختراع الويب (Web)
«تيم بيرنرز لي» مخترع الويب
بدأت القصّة في الثاني عشر من مارس عام (1989)، حين أرسل «تيم بيرنرز لي» زميل معمل (سيرن- cern) لأبحاث فيزياء الجسيمات -المقام على الحدود الفرنسيّة السويسريّة- وثيقة إلى رئيسه مُعنوَنة بالصيغة التالية: «إدارة المعلومات: اقتراح» . اقترحت تلك الوثيقة نظامًا يمكن للفيزيائيّين في المركز من خلاله مشاركة المعلومات العامّة بشأن التجارب ومعجّلات الجسيمات فيما بينهم، تقول الوثيقة:
«إنّ الكثير من النقاشات حول المستقبل في مختبر سيرن وفي مصادم الهدرونات الكبير(LHC) تنتهي بالسؤال التالي: نعم، ولكن كيف يمكننا متابعة مثل هذا المشروع الكبير؟ إن هذا المقترح يقدّم الإجابة على مثل هذه التساؤلات».
كان هذا الحلّ في البداية يتمثّل في نظام أسماه «بيرنرز لي» الشبكة (بالإنجليزيّة: mesh) يعمل على تجميع مجال تكنولوجيّ ناشئ يسمى بـالنصّ التشعبيّ الفائق (بالإنجليزيّة: hypertext) والذي يسمح للمستندات المرتبطة ببعضها البعض بأن يتمّ تخزينها في بنية موحّدة عبر خوادم عديدة يتحكّم فيها أشخاص مختلفون بحيث يستطيع القارئ البشريّ الاطّلاع عليها مجمّعة ومترابطة.
علّق «مايك سيندال» رئيس «بيرنرز لي» على تلك الوثيقة بأنّها «غامضة، ولكنّها مثيرة…». ومضى عام قبل أن يبدأ بيرنرز لي في كتابة خوادم وشفرات هذا النظام بالفعل، وكان المشروع في تلك الأثناء قد اتّخذ مسمّاه الجديد «الشبكة العنكبوتية العالمية».
وفي السادس من أغسطس من عام (1991) كان «بيرنرز لي» قد انتهى من كتابة لغة ترميز النصّ الفائق (HTML) وبروتوكول نقل النصّ الفائق (http) عبر المتصفّح لهذا النظام، وتمّ إنشاء أوّل موقع إلكترونيّ على الشبكة العنكبوتيّة العالميّة والذي كان يخصّ بالطبع معمل سيرن لأبحاث الفيزياء. وظلّ عدد صفحات الويب المنشأة في تزايد مطّرد حتى أعلن «بيرنرز لي» في سبتمبر عام (2014) عبر تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعيّ تويتر عن وصول عدد مواقع الشبكة العنكبوتيّة للمرّة الأولى إلى مليار موقع، وحتّى الآن قد بلغ عدد المواقع المتواجدة على الشبكة العنكبوتيّة العالميّة في مايو (2019) ما يزيد عن المليار وثلاثمائة مليون (1,326,664,693) موقع إلكترونيّ بحسب الاستطلاع الشهريّ الذي أجراه موقع نت كرافت (بالإنجليزيّة: netcraft).
مشكلات تهدد مستقبل الويب
وبعد مرور ثلاثين عامًا على اختراع «بيرنرز لي» قد تحقق لمشروعه خلالها الكثير من الأهداف النبيلة التي ينطوي عليها اسمه، ومع هذا الكمّ الهائل من المزايا الرائعة، قد ظهرت أيضًا الكثير من المشكلات والجوانب السلبيّة التي لم يكن يتوقّعها «بيرنرز لي» أبدًا وهو ينشئ نظامًا لمشاركة معلومات تخصّ التجارب الفيزيائيّة بمعمل سيرن؛ فكما أوضح «بيرنرز لي» في خطاب له بمناسبة الذكرى الثلاثين على إنشائه للشبكة العنكبوتيّة أنّه قلق بشأن مستقبل الويب الذي بدأ يتّخذ مسارات أخرى بخلاف الأهداف الإنسانيّة الساميّة التي أنشئ من أجلها، يقول «بيرنرز لي»:
«على الرغم من أنّ الإنترنت قد أتاح الفرصة للفئات المهمّشة في أن تصل أصواتها للعالم، كما جعل حياتنا اليوميّة أسهل، إلّا أنّه أيضًا قد خلق الفرص للمحتالين، ولمن ينشرون خطابات الكراهية والعنف، كما جعل ارتكاب كلّ أنواع الجرائم أسهل».
يقسّم (بيرنرز لي) المشكلات التي تواجه الشبكة العنكبوتيّة إلى ثلاثة فئات:
• الفئة الأولى: هي تلك التي تحتلّ معظم عناوين وأعمدة الصحف متمثّلة في هجمات القرصنة، والسلوك الإجراميّ، والتحرّش الإلكترونيّ. قد يكون هذا السلوك الإجراميّ هو الأمر الأكثر رعبًا بالنسبة لمستخدمي شبكة الإنترنت، إلا أنّها أمور معتادة ويستحيل القضاء عليها تمامًا لكن يمكن التحكّم فيها وتقليلها باستخدام القوانين وسياسات المنصّات وبعض تقنيات الحماية.
• الفئة الثانية: متمثّلة في تلك الأنظمة المبنيّة لاستهداف الملايين من مستخدمي الشبكة وجعلهم ضحايا لأنشطة ترويجيّة، ودعايات تجاريّة، أو للانتشار الوبائيّ للأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة.
• الفئة الثالثة: متمثّلة في الأنظمة والخدمات المبنيّة بعناية للاستقطاب، أو إثارة الغضب، أو بثّ خطابات كراهية، وهي الأوسع انتشارًا بين الفئات الثلاث ولا تزال تؤثّر سلبًا على جودة الإنترنت.
ويرى «بيرنرز لي» أنّ الفئتين الثانية والثالثة هما المصدران الأكثر إثارةً للقلق بشأن اختلال وظائف النظام.
«الويب لم يعد أبدًا كما أردنا له أن يكون».
كانت تلك كلمات «بيرنرز لي» في العام الماضي حين حذّر في خطابه من أنّ هيمنة عدد محدود من الشركات على منصّات الإنترنت قد يؤدّي إلى جعل الويب سلاح واسع المجال.
«كما شهدنا في السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا لنظريّات المؤامرة على منصّات التواصل الاجتماعيّ، وحسابات فيسبوك وتويتر الزائفة التي تعمل على تأجيج التوتّر ونشر خطابات الكراهية في المجتمع، والتدخّل في الانتخابات، وقيام بعض المجرمين بسرقة مجموعة كبيرة من البيانات الشخصيّة الخاصّة بالمستخدمين».
وقد بدأت بالفعل بعض الحكومات الأوروبيّة في اتّخاذ إجراءات للحدّ من الأخبار الزائفة، وانتهاك الخصوصيّة ونشر خطابات الكراهية مما يهدّد أسس الديمقراطيّة.
ففي ألمانيا، أُدخل إلى حيّز التنفيذ قانون ينصّ على غرامات تصل إلى (50) مليون يورو (62 مليون دولار) على منصّات الإنترنت التي تفشل في إزالة أيّ محتوى ينطوي على خطاب الكراهية -وهو أمر غير قانونيّ- في غضون (24) ساعة.
كما يخطّط الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون لإصدار تشريع يمكّن القضاة من حظر الأخبار الزائفة خلال الحملات الانتخابيّة.
وفي بروكسل، قدّمت المفوّضيّة الأوروبيّة إشعارًا لمنصّات الإنترنت مفاده أنّه يتعيّن عليها إيجاد طريقة لإزالة المحتوى المتطرّف خلال ساعة واحدة من إخطارها بإزالته، وإلّا ستواجه تشريعاتٍ تجبرها على القيام بذلك.
حقائق وإحصائيّات
• يرجع الفضل في توسعة نطاق وسهولة استخدام وانتشار الويب حول العالم إلى ظهور متصفّح موزايك (Mosaic) عام (1993)، والذي تمّ تطويره على يد مارك أندرسن وفريقه من المركز الوطني لتطبيقات الحوسبة الفائقة (NCSA)، حيث كان أوّل متصفّح يتيح تضمين الصور مع النصّ بدلًا من عرضها في نافذة مستقلّة.
• بلغ عدد مستخدمي الويب حول العالم في نهاية شهر مارس من العام الجاري (2019) حواليّ (4.383) مليار مستخدم، أي ما يوازي (56.8%) من سكّان الكرة الأرضيّة، بزيادة تقدّر بحواليّ (175) مليونًا (1.7%) عن العام الماضي (2018)
• تحتوي قارّة آسيا وحدها على أكثر من نصف مستخدمي الويب حول العالم، حيث احتلّت الصين المركز الأوّل عالميًا في عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتيّة بحواليّ (829) مليونَ مستخدمٍ، تليها الهند في المركز الثاني (560) مليون مستخدم.
والجدول التالي يوضّح أعداد مستخدمي الويب حول العالم ومعدّلات توزيعها بالنسبة إلى عدد السكّان في كلّ قارّة أو منطقة جغرافيّة:
مناطق العالم عدد سكّان المنطقة (حتّى 31 مارس 2019) نسبة سكان المنطقة % من سكّان العالم عدد مستخدمي الويب في المنطقة (حتّى 31 مارس 2019) (نسبة مستخدمي الويب)% من سكّان المنطقة (نسبة مستخدمي الويب)% من سكّان العالم أفريقيا 1,320,038,716 17.1 % 492,762,185 37.3 % 11.2 % آسيا 4,241,972,790 55.0 % 2,197,444,783 51.8 % 50.1 % أوروبّا 829,173,007 10.7 % 719,365,521 86.8 % 16.4 % أمريكا اللاتينيّة والكاريبي 658,345,826 8.5 % 444,493,379 67.5 % 10.1 % الشرق الأوسط 258,356,867 3.3 % 173,542,069 67.2 % 4.0 % أمريكا الشماليّة 366,496,802 4.7 % 327,568,127 89.4 % 7.5 % أوقيانوسيا وأستراليا 41,839,201 0.5 % 28,634,278 68.4 % 0.7 % العدد الكلية لسكّان العالم 7,716,223,209 100.0 % 4,383,810,342 56.8 % 100.0 %