ما نراه في الكون هو ماضيه وليس حاضره
قبل أن نتحدث عن رؤيتنا للكون، وكيف نراه، وهل أننا نراقب أحداثه الحالية، أم أننا لا نشاهد سوى أحداث ماضية قد حدثت مسبقًا، يجب علينا أن نعرف أولًا كيف بدأ الكون. حديث قصير نتناوله عن بدايته، وكيفية النشوء قبل تناول الأحداث التالية.
نظرية الانفجار الكبير(العظيم): هي النظرية الأكثر شيوعًا وانتشارًا حول موضوع كيف بدأ الكون، طبقًا لهذه النظرية فإن الكون قديمًا كان في حالة طاقة شديدة الكثافة، والتي تحولت إلى كتل من مادة وإلى منافستها الرئيسية المادة المضادة، وعندما كانت تلتقي المادة والمادة المضادة كان كلاهما يلاشي الآخر، ولكثرة المادة على المادة المضادة، تغلبت في النهاية المادة، ولم يعد الكون فارغًا، وبعد التقديرات العلمية الحديثة، فإن عمر الكون هو 13.8 مليار سنة، وهو نفس الزمن الذي قد مضى على حدوث هذا الانفجار، أي أن بداية الكون هو الانفجار العظيم، وباختصار فإن معظم الذرات التي نتجت عنه كانت من الهيدروجين والهيليوم، وبدأت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية في الالتحام بالجاذبية، مكونة المجرات والنجوم بعد ذلك.
نحن نرى الكواكب والنجوم وإشارات ضوئية كثيرة في السماء، عندما يحل المساء، تصبح رؤيتنا لتلك الأجسام واضحةً ومرئية، فهل تسألنا يومًا ما إذا كان لتلك الكواكب والنجوم نفس عمر الأرض؟ أم إنها تختلف في أعمارها؟
على الرغم من أن سرعة الضوء هي أقصى ما توصلنا إليه من سرعات، وطبقًا لنسبية أينشتاين فسرعة الضوء هي السرعة القصوى في الكون، إلا إنها تظل محدودة بقيمة معينة، وليست سرعة لانهائية، وقد نرى ذلك في المسافات الكونية الشاسعة، فعلى سبيل المثال، إذا قمنا بالنظر إلى نجم يبعد عنا مائة سنة ضوئية، فإننا سوف نرى الصورة التي كان عليها النجم منذ مائة سنة، لا الحالة أو الشكل الذي يوجد عليه النجم في تلك اللحظة.
لحظة رصد الصورة للنجم، عندما تقارن ذلك بالنسبة إلى 13.8 مليار سنة، حتى إذا كنت تأخذ نجمًا على طول مجرتنا يقع على مسافة 100 ألف سنة ضوئية، فإن الفرق سيكون ضيئل جدًّا، فالفرق بين 13,799,900,000 و13,800,000,000 من السنين لا يستحق كثيرًا على الاطلاق، ولكن إذا قمنا بالنظر إلى المجرات الأخرى (المجرات البعيدة جدًّا ) ستأخذ الأحداث مجرًى آخر، دعنا نرى.
credit: Sloan Digital Sky Survey SDSS-III
كل نقطة في تلك الصورة هي مجرة في حد ذاتها، الخيوط الرمادية التي تراها معروفة بوصف السور العظيم سلوون (بالإنجليزيّة: sloan great wall)، وهو أكبر تجمع للمجرات تم رؤيته حتى الآن في السماء، سُمّيَّ بهذا الاسم نسبة إلى ألفريد سلوون مؤسس جمعية سلوون للبحث العلمي.
وقد تم اكتشاف هذا التجمع الهائل من المجرات خلال مسح سلوون الرقمي للسماء في عام 2003. يقع هذا السور على بعد مليار سنة ضوئيّة من الأرض، ونظرًا لكبر هذا السور، يعتقد أنه غير مرتبط جاذبيًا بالمرة، ومن المرجح أنه سيقوم بالانقسام مستقبلًا مكونًا عدة تجمعات كبيرة من المجرات. في الحقيقة كلما نظرنا بعيدًا ثم أبعد وأبعد، فإننا سوف نجد المجرات التي تذهب بقدر ما تعود عندما كان عمر الكون أقل من مليار سنة، وكان مجرد نسبة ضئيلة من عمره الحالي.
إذا كانت مجاهرنا جيدةً بالقدر الكافي، سوف نكون قادرين على أن نرى النجوم فردية مع عدد قليل جدًّا من العناصر الثقيلة فيها، وبالإضافة إلى ذلك، أن ما يقارب 99% من الذرات في ذلك الوقت كانت من الهيدروجين والهيليوم النقي المتكون أثر الانفجار العظيم، ولم يكن هناك تقريبًا أي من عناصر الكربون، والأكسجين، والسليكون، والفسفور، والحديد والكثير من المتطلبات لصناعة بعض بالنجوم، وبسبب هذا لن يكون هناك أي كواكب صخرية، أو مركبات عضوية، ولا حتى فرصة للحياة في تلك الأماكن. عندما نرى هذه المجرات في مراحلها الأولى (الحالة الابتدائية).
نحن حرفيًا نبحث في الماضي. وتلك النقطة مهمة جدًّا، حيث تعني أننا لا نشاهد المجرات كما هي موجودة اليوم، ولكن الأصح من هذا المنظور، نحن نرى ماضي تلك المجرات.
بالنسبة إلى شخص ما (مراقب) يقف على نجم يبعد مسافة ما عن الأرض، ولنفترض أن هذا المراقب يبعد 100 سنة ضوئية عن الأرض، إذا نظر هذا المراقب إلى الأرض، فإنه لن يرى أي أثر إشعاعي نتيجة انفجار قنبلة نووية، وسوف يلاحظ أننا لم نخترع الحاسوب بعد، كما أنه لن يرى أي بث تليفزيوني، والاشمل من ذلك والأعم؛ هو أن هذا المراقب سوف يرى الصورة التي كانت عليها الأرض منذ 100عام، وليست الصورة الحالية للأرض، أي أنه يرى الماضي وليس الحاضر.
ولمزيد من الإثارة، فلنتخيل ما الذي سيراه مراقبًا يبعد عنا بليون سنة ضوئية، فإن الشمس سوف تظهر بالنسبة له أصغر عمرًا وباهتة الإضاءة عما هي عليه الآن، كما أن الأرض ستكون موطنًا للكائنات وحيدة الخلية فقط، مع عدم ملاحظة لأي من النباتات، أو الحيوانات، وسوف تبدو القارات معظمها جرداء، مغطاة فقط بالوحل، والجليد، حيث إن الصورة المنعكسة عن الجسم الذي نراه تحتاج إلى وقت لكي تصل إلى أعيننا، ومعنى أن نجمًا ما يبعد عنا مائة سنة ضوئية، أي أن الضوء الخارج منه أو الصورة التي نراها له قد وصلت إلينا بعد مائة عام من انطلاقها من سطح النجم، ويرجع ذلك إلى كبر المسافات الكونية بين الأجسام؛ النجوم والكواكب.. إلخ.
وما يزال العلم يمتعنا باكتشافته، وأبحاثه الرائعة، ليعطي للبشرية أجمع حقيقة أننا لسنا سوى جزء صغير من هذا العالم الشاسع. فحجم الأرض مقارنة بحجم الكون، وما يحتويه من مليارات من المجرات، كمثل حبة رمل في وسط كل رمال الصحراء، وكقطرة ماء في محيط شاسع؛ فيكفي الإنسان غرورًا، وتملكًا، ولنتعايش جميعًا كأبناء كوكب واحد، يجمعنا حب العلم، ومشاركة العلماء، ونتعاون في تطوير أنفسنا بالأسس العلمية والمنهجية الصحيحة لنرتقي بالأمم جميعًا.