الموصلات الفائقة (الجزء 2)

كنا قد تحدثنا في “الجزء الأول” عن ماهية التوصيل الفائق، وآلية حدوثه، وأنواع الموصلات الفائقة.
سنتحدث الآن عن تطبيقات واستخدمات الموصلات فائقة التوصيل، وما الذي يُمْكن انتظارُه منها.

القطارات الطائرة
يُعتبر (الرفع المغناطيسي – Magnetic-levitation) من أهم تطبيقات التوصيل الفائق؛ حيث يُمْكن جعل سيارات النقل، مثل القطارات تطفو على مغناطيسات قوية فائقة التوصيل، مما يزيل فعليًا الاحتكاك بين القطار ومساراته، كما إن المغناطيس فائق التوصيل يكون أصغر حجمًا بكثير من المغناطيس العادي، ولا يُهدر طاقة كهربية بنفس القدر بالتأكيد.
حدث معلمٌ بارز للاستخدام التجاري للرفع المغناطيسي في عام (1990م)؛ عندما أَذِن وزير النقل الياباني ببناء خط اختبار قطارات (Yamanashi MAGLEV) الذي افتُتح في (3) أبريل عام (1997م)، وفي أبريل عام (2015م)، حيث حقق قطار الاختبار (MLX01) سرعةً لا تُصدق تبلغ (603 كم/ساعة).
لكن كان أول قطار (MAGLEV) في العالم يُعتمد في الخدمة التجارية في “برمنغهام”، إنجلترا؛ أُغلق عام (1997م) بعد العمل لمدة (11) عامًا. حاليًا، يعمل قطار (MAGLEV) “صيني-ألماني” على مدار (30) كم في “مطار بودونغ الدولي” في شنغهاي، الصين. كما إن الولايات المتحدة تخطط لأول قطار (MAGLEV) لكن غير فائق التوصيل، ليتم تشغيله في الحرم الجماعيّ في “فرجينيا”.
لكن بالرغم من أن التكنولوچيا قد تم إثباتها، إلّا أن الاستخدام الواسع لمركبات (MAGLEV) قد أُعيق بسبب المخاوف البيئية؛ حيث يُمْكن للمجالات المغناطيسية القوية أنْ تخلقَ مخاطرَ بيولوچية عديدة.

نافذة جديدة داخل جسم الإنسان
تسطيع الموصلات الفائقة أيضًا أداء دور في إنقاذ حياة الإنسان من خلال مجال (المغناطيسية الحيوية – biomagnetism)، فالأطباء بحاجة إلى وسيلة غير الوسائل الجراحية لتحديد ما يجري داخل جسم الإنسان، وبتطبيق مجال مغناطيسي قوي -مشتق من موصلات فائقة- داخل جسم الإنسان، تضطر ذرات الهيدروجين الموجودة في مياه الجسم وجزيئات الدهون إلى أخذ طاقة من المجال المغناطيسي، ثم تقوم الذرات بإطلاق هذه الطاقة بتردد يمكن الكشف عنه وعرضه بيانيًا بواسطة الكمبيوتر.
وبذلك تم اكتشاف التصوير بـ(الرنين المغناطيسي – MRI) في منتصف عام (1940م)، ولكن لم يُجرى أي اختبار (MRI) على الإنسان حتى (3) يوليو عام (1977م)، والذي استغرق ما يقرب من خمس ساعاتٍ لإنتاج صورة واحدة! تعمل أجهزة الكمبيوتر الآن على معالجة البيانات في وقتٍ أقل بكثير.
لكن مجموعة الموصلية الفائقة الكورية في (KRISS) قامت بنقل تكنولوچيا المغناطيسية الحيوية خطوة أخرى إلى الأمام، حيث قاموا بتطوير جهاز (SQUID) -تحدثنا عنه في الجزء الأول- لاستخدامه في التصوير المغناطيسي، حيث إنَّ (SQUID) قادرٌ على استشعار أي تغيّر في أي مجال مغناطيسيّ مهما كان صغيرًا (يستشعر مجالات أضعف بمليار مرة من تلك التي تحرك الإبرة على البوصلة)، باستخدام هذا الجهاز يمكن فحص الجسم إلى أعماق معينة، دون الحاجة إلى تلك المجالات المغناطيسية القوية المرتبطة بالرنين المغناطيسي.

الموصلات الفائقة والطاقة
مشروع (المُصادِم العملاق فائق التوصيل – Superconducting Super-Collider)، والذي كان ينبغي أن يكون في مقاطعة “إليس” بولاية “تكساس” في الولايات المتحدة، يُعتبر الحدث الذي كان مسؤولًا -ربما أكثر من أي سببٍ آخر- عن وضع الموصلات الفائقة في المعجم الأمريكي، وهو المشروع الذي قام “الكونغرس” بإلغاء كل المجهودات المبذولة فيه، والتي بلغت قيمتها مليارات الدولارات عام (1993م). ما نَود الحديث عنه هنا هو أن مشروعًا مثل هذا المُصادم الكبير ذو الطاقة العالية، لن يكون قابلًا للتطبيق بدون التوصيل الفائق؛ حيث تعتمد أبحاث الجُسيمات على قدرة تسريع الجسيمات الذرية إلى سرعة عالية جدًا تقترب من سرعة الضوء تقريبًا، ومغناطيسات الموصلات الفائقة تجعل ذلك ممكنًا.
وتُعد فكرة المُصادم مشابهة لما تقوم به المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN)، حيث تقوم بعمل شيء مماثل مع مصادم الهدرونات الكبير (LHC) الذي يقع على طول الحدود الفرنسية السويسرية.
تطبيقٌ آخر نرى فيه بوضوح قدرات الموصلات الفائقة الكبيرة هو المولدات الكهربية، فالمولدات الكهربية المصنوعة من الأسلاك فائقة التوصيل أكثر كفاءة بكثير من المولدات التقليدية التي تستخدم الأسلاك النحاسية، في الواقع تصل كفاءتها إلى أعلى من (99) في المائة (فقد قليل جدًا في الطاقة)، وحجمها حوالي نصف حجم المولدات التقليدية.
هذه الحقائق تجعل الموصلات الفائقة مشاريع مربحة للغاية لمرافق الطاقة، حيث قَدَّرت (General Electric) السوق العالمي المُحتمل للمولدات فائقة التوصيل في العقد القادم بحوالي (20-30) مليار دولار، وفي أواخر عام (2002م)، حصلت شركة (GE Power Systems) على تمويل بقيمة (12.3) مليون دولار من وزارة الطاقة الأمريكية لنقل تكنولوچيا المولدات فائقة التوصيل نحو التسويق الكامل.