لم يَتْرُكِ الدّهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كبدي
شَيْئاً تُتَيّمُهُ عَينٌ وَلا جِيدُ
يا سَاقِيَيَّ أخَمْرٌ في كُؤوسكُما!
أمْ في كُؤوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسهيدُ؟.
أمرّ على الدّيار ولست أدري
أتذكرني؟ أَتعرفني؟ الدّيارُ
وكم قبّلت جدراناً وباباً
فلا بابٌ يحنّ ولا جِدارُ
جماداتٌ وأدري غير أنّي
أتوق لأهلها والشّوق نارُ .
مَعَابِدُ النُّورِ في عَيْنَيْكِ دافئةٌ
وجفنُ عينيك لي نورٌ ومُدّثرُ
إني لأشهدُ بالتّسْلِيمِ أنّهُمَا
عَيْنانِ مثلهما لم يشْهَدِ البَشَرُ.
لا تَتْرُكِيني لِلْجِراحِ وَعُودِي
وثِقِي بأَنّي لا أَخُونُ وُعُودِي
كمْ قَد رَحِمْتُكِ فارْحَمِي لَو مَرّةً
قلبًا تَعَلّقَ بالعيونِ السُّودِ
قلبًا غدَا لمّا رآكِ مُتَيّمًا
فكسَرْتِهِ بتنَكُّرٍ وصدودِ
وهجَرتِني بعد الوصالِ فما أُرى
إلَّا وسُقْمي والدُّموعُ شهودي.
قد كنتُ أكفرُ بالهوى وبأهلِهِ
أنتِ التي ارجعتِ لي إيماني
لمّا ابتسمتِ، تساقطت أحزاني
وعرفتُ بعد التّيهِ أين مكاني
فلتخبريني يا نهايةُ أدمُعي
كيفَ انتصرتِ على الأسى بثوانِ؟
وهدمتِ أسوار الدموعِ ببسمةٍ
وبنيتِ أفراحاً بغيرِ مباني
حبٌّ كبيرٌ في دواخلِنا نما
فإلى متى نخشى من الإعلانِ؟
إلَهِي مِنْ سَنَاكَ قَبَسْتُ نُورِي
وَأَنْبَتُّ المَحَبّةَ في ضَمِيري
أعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ يا إلَهِي
مِنَ البَلْوَى وَمِنْ سُوءِ المَصِيرِ.
سمراءُ يا بُنّ الجمال ونفحِهِ
ياقهوةً منها الفتونُ يضوع
من قالَ إن الليل ليسَ بفاتنٍ
ذابت على حسن المساء شموعُ
وبلونهِ عبقُ السكون وغابةٌ
فيها يضمدُ شوقهُ الـموجوع
ترنوا العيونُ إلى المساء تأملاً
والليل سكرٌ والأنامُ هجوع
للسُمر وقعٌ في الوجود وفتنةٌ
ولهنّ في عمق الفؤادِ وقوع.
يا خَيْرَ مَنْ طافَ حولَ البَيْتِ مُبْتَهِلًا
وخير كفٍّ مَضَتْ للرُّكْنِ تسْتلمُ
صلَّى عليْكَ إلهي كلما هَتَفَتْ
في مَكةَ الحبِّ نفسٌ أو سَعتْ قدمُ.
قولي لعينكِ أن تنام مبكرا
فغداً سيوقظها الحنينُ لتسهرا
سيدقُ بابك ذات يومٍ زائرٌ
ما مر بالبستان إلا أزهـرا
سيشقُ أنهاراً ويزرع جنةً
ويصوغُ ألحاناً وينحتُ مرمرا
سيُعلّمُ العينينِ أنْ تتألقا
وسيأمرُ الجفنينِ أن يتكسرا
لا تذهبي للوردِ قبل أوانهِ
للوردِ ميعادٌ ولن يتغيرا .
ألا يا حُبُ لا تهجر فإنّي
بذلتُ العمرَ في بحر التمني
و كم جدفتُ في يمّي مِرارًا
فأيّ سواحلٍ تُدنيك منّي
فكم سلبَت بحارُكَ من شُعوري
وكم أبكيتَ يا موجًا يُغنّي
أيشفعُ لي بأنّي كنت أُبحِر
وبوصلتي لوصلكَ حُسن ظنّي؟
هل يا تُرى كل الورود كما نرى
أم ثَمّ وردٌ لم يشاهده الورى
أم فيك عاش الورد حتى أزهرت
أوراقهُ، والحُسن فيه تفجرا؟
جئناكَ نسألُ
فالتفت لسؤالنا
بعضُ السؤالِ جوابُهُ
أنْ تلتفتْ
مدّ الغريقُ يديه
ليس مصافحًا
كلّ الذي يرجوه أنْ لا تنفلتْ
كم مرّةٍ فيها اقتربتُ وتبعدين؟
وعليّ دونَ مُبررٍ تتثاقلين
وإذا سألتكِ عن غيابكِ مرّةً
فبكذبةٍ مكشوفةٍ تتعذرين
تستعذبينَ تشوّقي وتحرّقي
وتقرّ عينكِ حينَ يغلبُني الحنين
شيءٌ عجيبٌ! أيّ حبٍّ تدّعين؟
إنّ الغرامَ بريءُ ممّا تفعلين.
أنسابُ في جَنَباتِ الليلِ مُدّثِرًا
حُزني و أكتُمُ في جنبيّ آهاتي
لا الليلُ يَسترُ ما أُخفيه مِن ألمي
ولا الصباحُ يُجَلّي ظُلمَةَ الذاتِ.