لعله من الخطأ الرائج بين العامة ترديد فكرة أن الحديث عن مستقبل الثقافة العربية يمثل إشكالاً كبيراً لدى النخب ممن يحملون همَّ الثقافة العربية؛ إذ أن ذاك التكرار بحد ذاته يشكل معضلة تقارب أن تصبح حجر عثرة في طريق من حملوا لواء الثقافة وتحملوا همَّ نشرها ودعمها والحفاظ عليها؛ فمستقبل الثقافة العربية يحتاج إلى وقفة صادقة مع واقع الثقافة العربية الذي يواجه اليوم طوفان العولمة بكل مجالاتها الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية واللغوية والثقافية، وليس بخافٍ أنَّ تلك المجالات هي من يكوّن فكر وعقيدة وثقافة الأمة. ثم إنه بإلقاء نظرة فاحصة وقراءة عميقة لواقع الثقافة العربية وحال المثقفين العرب نجد أننا وللأسف الشديد مهيئين بشكل كبير لقبول تلك العولمة بل والذوبان فيها، وهذه النظرة ليست تشاؤمية وإنما حاضرنا الثقافي الضعيف هو الذي يشهد بذلك، حيث انتشار الأمية في أواسط المجتمعات العربية، وتخلف البرامج التعليمية عن حاجات المجتمع ومتطلبات العصر، وعدم المشاركة الشعبية الفاعلة في إعادة بناء الثقافة العربية، وقلة الاهتمام بالثقافة العربية واعتقاد أن الثقافة الجيدة تلك الموجودة عند الغرب، وضعف التخطيط الثقافي العربي واتهام المجتمع العربي بالتخلف والرجعية حتى من قبل أبناءه. إن الأمة العربية ومنذ قرون وقعت فريسة لمخططات الغرب التي أوصلتنا إلى هذا الضعف، فالغرب يسعى إلى طمس هويتنا وثقافتنا، وإحلال ثقافته ودينه وانحلاله وأمراضه محل ثقافتنا وقيمنا، ولهذا فالأمة العربية اليوم بحاجة إلى حماية ثقافتها ومدافعة الثقافات الأخرى من خلال تقوية هذه الثقافة، وهذه التقوية تشتمل على النقد الذاتي لأوضاعنا الثقافية السائدة، وكذلك تحسين مستوى إنتاجنا الثقافي بما يحفظ لنا كيان تلك الثقافة؛ ونحتاج لأن نبدأ من الأساس وهو الأسرة والمدرسة والمسجد والحي ومرافق الدولة المختلفة، ونعزز الثقة ونعمق القيم في نفوس وعقول أجيالنا، ونزرع في ناشئتنا حب اللغة العربية والتنافس في إتقانها؛ لأنها عصب الثقافة وأساسه المتين، ولا يفوتني الإشارة لجهود - رسمية - تبذلها بعض الدول العربية كمشروع كتارا الثقافي في قطر، ومعارض الكتاب الموزعة بين تلك الدول كمعرض الرياض والقاهرة وأبو ظبي والكويت والمنامة، وتخصيص كثير من الدول لقناة فضائية تعنى بالثقافة العربية ومساراتها، بل حتى وسائل التواصل كان هنالك من الرواد من عمل عبرها في ميدان نشر الثقافة العربية كمجمع اللغة الافتراضي وآلاف المكتبات الرقمية وغيرها.
وخلاصة القول: أن الثقافة العربية تمتلك من المقومات والمؤهلات ما يجعلها متقدمة على الثقافات الأخرى التي لا تمتلك مقومات الصمود والاستمرار، حتى وإن عجزت الأمة اليوم عن حمل هذه الثقافة وتصديرها للعالم الآخر، فإن المستقبل لها بإذن الله فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، ولنتفاءل فعروبتنا محفوظة بإذن الله بخلود القرآن الكريم إلى يوم يبعثون.
محمد الجخبير