هل يصبح محمد علي بطلا شعبيا عند المصريين لتحديه السلطة، رغم اعترافه بالمشاركة في الفساد سابقا؟ (مواقع التواصل)
عبد الرحمن أحمد-القاهرة
اعتبر كثير من المصريين المقاول والممثل محمد علي بطلا شعبيا بعد تحديه السلطة وحديثه عما وصفها بملفات فساد واسعة، لكن آخرين رفضوا هذا الوصف باعتباره كان مشاركا للسلطة في فسادها، غير أن التاريخ يحكي أن البطل الشعبي عند المصريين لا يلزم أن يكون مثاليا بلا أخطاء.
وعلى غرار حكايات اللص الشريف الشهيرة في الأدب العالمي، تحفل المخيلة الشعبية المصرية بقصص لأبطال صنعتهم مواجهة السلطة وأحلام القضاء على الظلم والفساد، دون أن يعبأ الوعي الشعبي بخطاياهم أو نواقصهم أو الروايات الرسمية التي تصفهم بالإجرام.
وبعضهم يستدعي المقولة القديمة التي وردت في محاضرات الأدباء للأصفهاني "اللص أحسن حالا من الحاكم المرتشي والقاضي الذي يأكل أموال اليتامى".
واشتهرت في السير الشعبية القديمة والحديثة حكايات اللصوص وقطاع الطرق الذين يعرفون بأسماء عديدة أشهرها "الشطار والعيارين"، وهم جماعات مشاغبة في عرف السلطة الحاكمة رغم استعانتها بهم في بعض الفترات، لكنهم في المقابل يحظون بإعجاب العامة وتعاطفهم والإشادة بأفعالهم ويرددون حكاياتهم ونوادرهم جيلا بعد جيل.
ويشير محمد رجب النجار في كتابه "الشطار والعيارين.. حكايات في التراث العربي"، إلى أن تأييد المعدمين والفقراء لهؤلاء الأشخاص يأتي تعبيرا عن سخطهم من حالهم التي تسبب فيها سوء تدبير الزعماء والحكام، وغفلتهم عن مصالح العباد، وانهماكهم في الملذات، فضلا عن غياب القانون وغيبوبة السلطان وغباوة العسكر وأهل الدولة.
الزيبق.. أشطر الشطار
يعد علي الزيبق ابن حسن رأس الغول المصري أشهر و"أشطر الشطار" الذين ارتقى بهم التراث الشعبي إلى مرتبة البطولة.
وتوصف سيرته الملحمية بأنها "سيرة الثورة على غياب القانون وفساد الحكم ولصوص السلطة ومغتصبي أقوات الناس وأحلامهم"، بحسب محمد سيد عبد التواب في تقديمه لمخطوطة السيرة النادرة المكتوبة سنة 1880.
وكتبت سيرته الذاتية أواخر العصر المملوكي، وجرت أحداثها في حواري وأزقة القاهرة وانتقلت إلى دمشق وبغداد.
وعلي الزيبق في السيرة الشعبية هو المغامر صاحب الحيلة والمكر الذي واجه فساد وبطش مقدم الدرك (رئيس الشرطة) في مصر صلاح الكلبي (وأحيانا يدعى سنقر الكلبي) وتمكن من التسلل إلى عقر داره والعمل فيه وكشف كل خططه.
وعبر حيله العديدة، استطاع الزيبق أن يقض مضجع الكلبي (قاتل والده) ويسرقه مرارا ويجعله أضحوكة ومثارا للسخرية والتندر بين الجميع.
وتفشل مؤامرات الكلبي في النيل من الزيبق، الذي ينتقل في وقت لاحق إلى مواجهة السلطة على كافة مستوياتها، ويسرق خزانة العزيز، ويهين وزيره الأول ويقيده في غرفة نومه ويضربه على قفاه حتى تورم (إمعانا في الإهانة)، مما يضطر العزيز لمنحه منصب مقدم الدرك في مصر، ليعمل على نصرة المظلوم ونشر العدل بين الناس.
وتتحول شخصية علي الزيبق إلى رمز لتحقيق أحلام الشعوب في الخلاص من الفساد والظلم، حتى لو كان لصا يسرق من الأغنياء وكبار التجار ليعطي الفقراء والمحتاجين.
ويعتبر غالي شكري في كتابه "أدب المقاومة" أن لصوصية الزيبق لا ينبغي أن تقلل من بطولته أو تضعف منها، لأن لصوصيته هنا سلاح أراد به القاص الشعبي أن ينتقم الزيبق من الظالم بنفس سلاحه.
أدهم الشرقاوي
أدهم الشرقاوي بطل شعبي آخر يعيش في وجدان المصريين، يحتفون به ويتغنون ببطولاته ضد طغيان وبطش الاحتلال والإقطاعيين، وفي المقابل تتكرر الروايات الرسمية التي تصفه بالمجرم وقاطع طريق، حتى بلغ الأمر بصحيفة قريبة من الإنجليز أن تسميه "المجرم الأكبر والشقي الطاغية"، وأخرى تصفه بـ"سلطان الأشقياء".
ولد أدهم عبد الحليم علي عبد الرحمن الشرقاوي عام 1897 لعائلة كبيرة فى قرية زبيدة بمركز إيتى البارود بمحافظة البحيرة (شمالي مصر)، واشتهر بقوته الجسدية وذكائه ونبوغه.
يسجن الشرقاوي ظلما أثناء سعيه للثأر لمقتل عمه، ويعثر مصادفة على القاتل داخل السجن ويقتله، وبالتزامن مع أحداث ثورة 1919 يشعل ثورة بين السجناء، وينجح في الهرب مع زملائه بعد أن خلع باب الزنزانة وقيّد الحراس.
بعد الهروب تتوالى مغامرات أدهم في مواجهة الاحتلال والإقطاعيين، ويتمكن بفضل براعته في التنكر ومعرفته بلغات أجنبية من السطو على أموالهم وتوزيعها على الفقراء من أهل قريته، على غرار أسطورة روبين هود أو اللص الشريف.
يُقتل الشاب أدهم عام 1921 برصاص الحكومة عن عمر يبلغ 23 عاما، وتحتفي بموته الصحف التي كانت تحت سيطرة الاحتلال وقتها مثل اللطائف المصورة والأهرام، وتصف الشرقاوي بأبشع الصفات، وتعتبره لصا وقاطع طريق وقاتلا مأجورا، وهي الرواية الرسمية المعتمدة إلى اليوم، حيث توجد صورة أدهم في متحف الشرطة مع المجرمين مثل ريا وسكينة والخُط.في المقابل يرفض الوعي الشعبي هذه الاتهامات، ويخلد التراث الشعبي قصة الشرقاوي بوصفه بطلا استطاع أن يثأر من المحتلين وأعوانهم وأن يعيد لأهل قريته ما سُلب منهم عنوة.
ويرى محمد حسين هلال في دراسته "أدهم الشرقاوي بين الواقع التاريخي والموال"، أن وقوف الروايات الشعبية ضد محاولات تشويه الشرقاوي تؤكد أن وسائل الإعلام مهما بلغ تأثيرها وقوتها لن تستطيع تشويه صورة فرد يحتضنه الوجدان الشعبي.
ياسين وبهية
على المنوال نفسه تأتي شخصية ياسين الذي عاش في صعيد مصر نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وتغنت المواويل ببطولاته وحبه لبهية، وارتبط به السؤال الشهير "من الذي قتل ياسين؟".
وكما هي حال سابقيه تصف الروايات الرسمية وبعض المراجع التاريخية ياسين بالسفاح والقاتل المأجور، لكنه في التراث الشعبي بطل يواجه الاحتلال وأغنياء القرية، يسرق منهم ليعطي الفقراء.
وفي الرواية الشعرية الثورية التي كتبها الشاعر نجيب سرور بعنوان ياسين وبهية عام 1964، يتجاوز السلطة المسيطرة والمهيمنة، ويوضح أن قاتل ياسين هو الباشا الإقطاعي، أو الحاكم المستبد الذي يستغل خيرات البلاد لصالحه فقط، ويمارس القهر والعنف ضد الشعب.
حبيشة والدسوقي
وإذا كانت الشخصيات الثلاث السابقة عاشت على أرض الواقع في عصور مختلفة، وتناولت حياتهم المواويل والكتابات الأدبية والأعمال الفنية، فإن الدراما المصرية قدمت شخصيات خيالية لمتمردين خارجين عن القانون ومواجهين للسلطة لاقت إعجاب وحب الشعب المصري وتحولوا إلى أبطال شعبيين.
وحظيت شخصيات مثل حبيشة في مسلسل "ابن حلال" (2014)، ورفاعي وناصر الدسوقي في مسلسل "الأسطورة" (2016) بشعبية جارفة، رغم ممارستهم القتل والبلطجة.
لكن هذه الشخصيات البسيطة المنشأ والأحلام تعرضت لأنواع مختلفة من الظلم والقهر الاجتماعي، والذي دفعها للسير ضد القانون وتحدي السلطة ومواجهتها، كان مبررا كافيا لدى البعض ليصبحوا أبطالا شعبيين يستحقون الحب والمساندة من وجهة نظر الكثيرين.