قال الحسين بن عبد الوهاب: لما بويع المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون... خرج أبو جعفر عليه السلام (أي الإمام الجواد) حاجا ومعه أبو الحسن علي ابنه (عليهما السلام) وهو صغير ثم خلفه في المدينة... وانصرف إلى العراق ومعه زوجته ابنة المأمون[1].
وقال المفيد: وكان سبب وروده إليها إشخاص المعتصم له من المدينة. فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين[2].
وقال المسعودي: فلما انصرف إلى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبرون ويعملون الحيلة في قتله[3].
روى العياشي: عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد وصديقه بشدة قال: رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم، فقلت له في ذلك، فقال: وددت اليوم أنى قد مت منذ عشرين سنة، قال: قلت له: ولم ذاك؟ قال: لما كان من هذا الأسود أبا جعفر محمد بن علي بن موسى [(عليهم السلام)] اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم قال: قلت له: وكيف كان ذلك؟ قال: إن سارقا أقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي (عليهما السلام)، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟ قال: فقلت من الكرسوع[4] قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع والكف إلى الكرسوع، لقول الله في التيمم: (فامسحوا بوجوهكم و أيديكم)[5] واتفق معي على ذلك قوم. وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك؟ قالوا لأن الله لما قال: (وأيديكم إلى المرافق)[6] في الغسل دل ذلك على أن حد اليد هو المرفق. قال: فالتفت إلى محمد بن علي (عليهما السلام) فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ فقال قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين، قال: دعني مما تكلموا به، أي شيء عندك؟ قال: أعفني عن هذا يا أمير المؤمنين. قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه. فقال: أما إذا أقسمت علي بالله إني أقول إنهم أخطئوا فيه السنة فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف. قال: وما الحجة في ذلك؟ قال: قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) السجود على سبعة أعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك تعالى: (وأن المساجد لله) يعنى به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها (فلا تدعوا مع الله أحدا)[7]، وما كان لله لم يقطع قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف.
قال ابن أبي دواد: قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حيا. قال زرقان: إن ابن أبي دؤاد قال: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة، فقلت: إن نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة وأنا أكلمه بما أعلم أنى أدخل به النار قال: وما هو؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين من مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك وقد حضر المجلس أهل بيته وقواده ووزرائه وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بإمامته، ويدعون أنه أولى منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء؟ قال: فتغير لونه وانتبه لما نبهته له وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا، قال: فأمر يوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله فدعاه فأبى أن يجيبه؛ وقال: قد علمت أنى لا أحضر مجالسكم. فقال: إني إنما أدعوك إلى الطعام وأحب أن تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرك بذلك وقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك فصار إليه، فلما أطعم منها أحس السم فدعا بدابته فسأله رب المنزل أن يقيم، قال: خروجي من دارك خير لك، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى قبض (عليه السلام)[8].
قال المسعودي: إنه لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبرون ويعملون الحيلة في قتله فقال جعفر لأخته أم الفضل وكانت لأمه وأبيه، في ذلك لأنه وقف على انحرافها عنه وغيرتها عليه لتفضيله أم أبي الحسن - ابنه - عليها مع شدة محبتها له، ولأنه لم ترزق منه ولد. فأجابت أخاها جعفرا وجعلوا [جعلت] سما في شيء من عنب رازقي وكان يعجبه العنب الرازقي، فلما أكل منه ندمت وجعلت تبكى، فقال لها: ما بكاؤك؟ والله ليضربنك الله بفقر لا ينجى [لا ينجبر] وبلاء لا ينستر فبليت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها[9].
قال ابن شهر آشوب: لما بويع المعتصم جعل يتفقد أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه التقى [(عليه السلام)] وأم الفضل، فأنفذ ابن الزيات على بن يقطين إليه فتجهز وخرج إلى بغداد فأكرمه وعظمه وأنفذ أشناس بالتحف إليه وإلى أم الفضل، ثم أنفذ إليه الشراب حماض الأترج تحت ختمه على يدي أشناس وقال: إن أمير المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي دؤاد وسعد بن الخصيب وجماعة من المعروفين ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج وصنع في الحال، فقال اشربها بالليل، قال: انها تنفع باردا وقد ذاب الثلج، وأصر على ذلك، فشربها عالما بفعلهم[10].
وروى أيضا: عن ابن بابويه: سم المعتصم محمد بن علي (عليهما السلام)[11]، فقبض ببغداد قتيلا مسموما.
المصدر: موسوعة شهادة المعصومين (ع) – بتصرّف يسير
[1] عيون المعجزات: 129 لخصنا موضع الحاجة، عنه البحار 50: 16.
[2] الارشاد: 326، اعلام الورى 2: 106 وفيه: أشخصه المعتصم في أول سنة خمس وعشرين ومائتين، المناقب 4: 380، كشف الغمة 2: 361 عن الارشاد، الفصول المهمة: 263، الصواعق المحرقة: 312، احقاق الحق 12: 416 عن الفصول و: 417 عن الصواعق، البحار 50: 1 عن الكافي و: 8 عن المناقب و: 13 عن الاعلام.
[3] اثبات الوصية: 219 - 220، عيون المعجزات 129 مع اختلاف في الالفاظ، عنه البحار 50: 16.
[4] الكرسوع: طرف الزند الذي يلي الخنصر.
[5] المائدة: 6.
[6] المصدر السابق.
[7] الجن: 18.
[8] تفسير العياشي 1: 319 ح 109، وسائل الشيعة 18: 490 ح 5 إلى قوله: من مفصل الأصابع دون الكف، البحار 50: 5.
[9] اثبات الوصية: 219، عيون المعجزات: 129، دلائل الإمامة: 395، البحار 50: 16 ح 26، عن العيون.
[10] المناقب 4: 384، عنه البحار 50: 8 ح 9.
[11] المناقب 4: 380، عنه البحار 50: 8 ح 8.