مدفن كنعاني بالقدس عمره 4 آلاف عام
كشفت حفريات لسلطة الآثار الإسرائيلية في القسم الغربي من مدينة القدس، عن مقبرة كنعانية تشير التقديرات إلى أن عمرها نحو 4 آلاف عام، وتعتبر من اكبر المقابر الكنعانية التي كشف عنها في فلسطين، بالقرب من اكثر المشاريع السكنية حداثة واكبر مجمع للتسوق بالقدس، ومن شأن هذا الاكتشاف تسليط الضوء على الأوضاع المعيشية والعادات الغذائية لسكان ريف القدس في العصر الكنعاني.
والحديث يدور عن مقبرة كبيرة اكتشفت في مستوطنة بيت فجان غرب المدينة، والتي تقع على مرتفع جبلي بالقرب من قرية المالحة التي هجر أهلها عام 1948، وتعتبر الان أحد أهم أحياء القدس التجارية.
وحسب عالم الآثار الإسرائيلي الدكتور يانير ميليفسكي، الذي اشرف على التنقيب منذ البداية، فان المقبرة تعود إلى أوائل العصر البرونزي الرابع (2200-2000) قبل الميلاد.
وقال ميليفسكي الذي شاركه في الإشراف على الحفريات زميله زفي غرينهوت، بان المقبرة تمتد على مساحة اكثر من دونمين (200 متر مربع) وبناء على الأدلة فإنها استخدمت كمقبرة من قبل أجيال عديدة خصوصا في العصر البرونزي بين عامي 2200-2000 و1700-1600 قبل الميلاد.
ويعلو كل قبر من القبور المحفورة في الصخور ثقب دائري طوله مترين يؤدي إلى غرفة بيضاوية الشكل حفرت تحت الأرض التي وضعت فيها الجثامين.
ودلت الحفريات، بان الموقع عرف كمقبرة في عصور لاحقة بعد الفترة الكنعانية، وانه تم استخراج ما بداخلها خلال الفترة الرومانية، وهذا يتضح من أساليب الحفر التي تتطابق مع تلك التي استخدمها الرومان.
وعدد القبور التي تم اكتشافها في المقبرة الواقعة على مرتفع، يبلغ نحو 40 قبرا، اكتشفت خلال عمليات الحفريات التي بدأت في شهر حزيران (يونيو) الماضي، ويتوقع الدكتور يليفسكي، أن يصل عدد القبور المكتشفة إلى مائة.
وتدخلت وزارة الشؤون الدينية الإسرائيلية، في وقت مبكر من أعمال الحفر، للتأكد إذا كان أي من اليهود قد دفن في هذه المقبرة، وتم فعلا تسليم كل البقايا البشرية التي عثر عليها للوزارة لدفنها.
وبالنسبة لكثيرين فان موقف الوزارة الإسرائيلية قد لا يكون له أية علاقة بالأمور العلمية أو الأثرية، وإنما بقضايا أخرى، وربما يكون تدخلها قد اثر على البحث العلمي ونتائجه في الموقع.
وما دام تم حسم هوية المقبرة باعتبارها مقبرة كنعانية، فان ميليفسكي ورفاقه، يعتقدون بان المدفونين في المقبرة هم من الكنعانيين.
ويقول ميليفسكي عن المقبرة بأنها تنتمي إلى قرية المالحة، التي تقع في سفح التل، وانهم كأثريين على علم بوجود عدد مماثل من ركام المستوطنات الكنعانية في أنحاء المنطقة، وعلى الجانب الآخر من القدس مثل قرية لفتا.
ومن المعروف لدى الباحثين فانه في العصر البرونزي الوسيط، وبخلاف دولة مثل مصر، التي كان فيها حكومة مركزية واحدة، فانه في الأرض المقدسة، كانت الأمور غير ذلك، حيث شهدت ظاهرة الدول-المدن.
وحول القدس وجدت المستوطنات، التي اعتمدت على الزراعة وتربية الحيوانات، ويقول ميليفسكي عن المقبرة "عثرنا على عظام معقدة الأنواع، وخرز، ومجوهرات وغيرها مما يشير إلى أن السكان ملكوا اكثر من مجرد أدوات خشنة وقاسية وفظة".
وحسب بيان إعلامي لسلطة الآثار الإسرائيلي فانه تم العثور داخل المقبرة على تمائم وضعت في القبور، وهو تقليد مصري قديم، وأغراض معدنية كالأسلحة والأدوات والمجوهرات ونوع فاخر من الفخار.
ويعتقد ميليفسكي أن الكثير من القطع الفخارية والأسلحة والمواد التي عثر عليها في المقبرة، لا بد أن يكون حصل عليها السكان آنذاك من التجارة الخارجية، وليست صناعة محلية.
وقال أن الأحجار الكريمة التي استخدمت لصنع المسابح والخرز واضح أنها ليست من المنطقة، وان النحاس الذي صنعت منه الأسلحة والأدوات التي تم العثور عليها، هي اقرب إلى نوع النحاس الموجود في جنوب الأردن، وبالإضافة إلى ذلك عثر على إسفلت احضر على الأرجح من البحر الميت.
وأشار إلى أنواع من الفخار صنعت محليا وأخرى من منقطة العفولة، وان هذه الأدوات استخدمت في المناسبات أو الاحتفالات الدينية.
ومن بين الموجودات علبة قد تكون للطعام مكون من أدوات أحضرت من الخارج أو من تركيا أو أي بلد آخر من البحر المتوسط، وأدوات صخرية استخدمت لتقسيم قطع الفخار.
وبسبب إعادة دفن الجثث التي وجدت في الموقع فان الأثريين لم يتمكنوا من أخذ عينات من الحامض النووي، وفحصه، ولو تم ذلك فانه قد يفيد في دراسة الأمراض التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
وعثر الأثريون على عظام أغنام وماعز وخنازير، وأدلة على أن السكان مارسوا زراعة الحبوب في محيط المباني التي عاشوا فيها.
وتم العثور على زي كامل لاحد المحاربين يتضمن خنجر وحزام معدني، مما يشير إلى أن بعض السكان كانوا مقاتلين، بينما عمل آخرون في الحقول.
وربما يؤكد هذا بان كل مستوطنة من المحتمل انه كان لديها فريق أمني لردع أية أعمال عدوانية، ومواجهة من يغزون المستوطنة.
ويحمل ميليفسكي مشاعرا متضاربة حول المقبرة، فهو من جانب سعيد للاكتشاف، وحزين لانه سيتم تدمير جزء منها بغرض تشييد بناء حديث.
ويلخص ميليفسكي الموقف من المقبرة قائلا "هذا الاكتشاف لم يعطينا أي شيء مذهل بشكل غير عادي، ولكنه أمر حيوي في مساعدتنا لنعرف كيفية التوسع الاستيطاني في هذه المنطقة، ونحن الان نعلم بوجود نحو 100 قبر في المكان، وهذا ما نستطيع أن نفعله ضمن الإمكانيات المتاحة والفريق الذي يعمل معنا".
ويضيف "أهمية الحفريات في النتائج التي ستساهم في زيادة معلوماتنا عن تلك الفترة في منطقة ريفية قرب القدس الكنعانية".
تحياتي