بعدك عني بيسحب روحي مني
بعدك عني بيسحب روحي مني
هذه النشغة أعرفُها ، نعم أعرفُها ، وأعرفُ كيف تخرج ، ومن أي مرارةٍ ، ولماذا ، وفي أي طقس ، و أي مرحلة من الألم قد وصل من يصرخ بها ، هذه النشغة تربيتُ عليها وأجدتها وأرتويتُ منها ، حتى باتت تسكنني ولا أفارقها وهي تقلبني بين الآه وشقيقاتها ، هذه النشغة أميزُها من بين كل الحزن في العالم -نحنُ أبناء الحزن الأكبر - هذه النشغة سمعتها يوم ولادتي ، وإلى الآن تعيشني وأعيشها ، وقد التصقت بسُمرتي وتجاعيدي وذبولي ولا يفرقنا الفرح أبدا ، ابناء الضيم نحنُ ليس لنا طعم بأفراحكم الباهتة .
وسومي منور الدرر ڪُله
إلى سيدة العنبر مع وافر الدمع : لا شيء يشبهنا سوى نحنُ ، نحنُ الذين إذا عشقنا نعشق من گراعة گلوبنا حتى موسيقانا لها كيانها الخاص ومقاماتها الناقعة ب (چانن ثيابي عَلي غربة گبل جيتك ومستاحش من عيوني) موسيقانا ياحبيبتي ، تصل بك لوله غريب وثمالة حلاجية كأنها ( بوسة مسافر بأول وداع ) لاتجديها إلاّ عند الملحان ، الملحان يا عنبرتي لاتكسرهم الحروب ولا الحكومات ، وحده فراق الحبيبة الذي يكسرهم من الوريد إلى الوريد ، سأقولُ لك سراً جديدا لايشبه أسراري السابقة حول العصفور والفراشة ونافذتك : أنا استمع الآن الى العظيم سامي نسيم وطور المحمداوي ، أي وحقّ شفتكِ السُفلى ( سامي ومحمداوي ) وعليك أن تتصوري فقط !!!
حينما تخنقني البلاد ، ويحاصرني الألم ، وأحس بحزن طافح ، لاتستطيع منظومة صبري المتهالكة أن تستوعبه ، أتجهُ صوب قِبلة الفقراء ، عِزيزي الأبدي وعشقي الدائم أبو الحسن ، منذ فترة ، هاج عندي حزن الجنوب بكلّ تفاصيله ، لم أستطع مقاومته ، فاتجهت صوب الحبيب ، بعد أن دخلت لجنتّه ، وكعادتي معه ،، كلّمتهُ كثيراً بصمت ، فالكلام يصمت في حضرته ، أعرفُ بل متيقن أنهُ يسمعني ويواسيني كعادته مع الأيتام ، بعد أن نفضت حزني بين يديهِ ، ودعتهُ واتجهت صوب المقبرة لزيارة قبور الأهل والأصدقاء وما اكثرهم هناك ، وانا اسير في المقبرة واتحدث لأصحابي الذين تركوني وحيدا ، سمعتُ صوتا ، كأن الله جمع به كلّ حزن الجنوب ، مؤلم ، لدرجة جعل قلبي يرفس أحسستُ أن القيامة قامت وستُفطر السماء وتنتهي المهزلة التي اسمها الحياة ، ولأنني مغرم بالنواعي ، فأنها ابنها البار وبجدارة ، كان الصوت يقودني بلا وعي ، كأنني في عالم آخر خصص للشروگيين فقط ، نظرتُ إلى مصدر النواعي ، كانت شابة متشحة بالجنوب أو السواد ، تحتضن قبراً مازال جديدا - الشهيد والقبر - وتصدح بصوتٍ عجيب ، لايمكن تصنيفه على أي مقام ، سوى مقام الوجع ، كانت اللهجة عمارية واضحة - أهل العمارة أعتقد خلقهم الله من النواعي وليس من تراب - عرفتهُ من اللهجة ، وبدأت أفكَّ شيفرة الأبيات ، لمعرفة قربها من صاحب القبر ، وحينما بدأت تنوح ببيت أبوذيه شهير ، يقرأه دائماً عشاق الجنوب في هكذا حالات ( تهزهز ياگبر وأنفض ترابيك
عزيز الروح هالنايم تره بيك
اجاني العيد وعيوني ترابيك
أگعد لاتشمت عداي بيه )
حينما انتهت من نواعيها ، عرفتُ أن الشهيد حبيبها الأسمر ، أنتهى طقس النواعي لديها ، وانتهى معهُ دمعي وقواي ،بدأت الشابة الجنوبية ، ترشّ القبر بعطرٍ ، يتضح كان حبيبها يعشقهُ ، أو كان هديته لها ، قبل أن تخطفه رصاصة سافلة ، تقربتُ منها ، وبصوت مبحوح سألتها : ماذا يقرب لك الشهيد ؟ حتى أتأكد من صدق استنتاجي ، لم تجب وأطرقت برأسها ، وعيونها تنظر لصورته الحزينة ، عرفتُ أنه حبيبها ، الذي أخذته الحرب ، حبيبها الذي تركها وحيدة بلا ملاذ ولا ذراع أسمر تلوذ به حينما تكرزها الغربة ، لم يبق منه سوى ايتسامة وقنينة عطر وذكريات وربما رسالة قصيرة جدا مثل أعمارنا ، منذُ تلك اللحظة عرفتُ ماذا تعني جملة
( سأحزن عليك حزن معدان )
جيت وماذكر اني رايحلك !
،
عاش من شافك