( إمامُ السّقاة )
وقيلَ : ساقي العَطاشى ماتَ في البصرةْ
فأجهشَت نخلةٌ واستوحشَت زهرةْ
قالوا : سندفِنُهُ في حِضنِ سنبلةٍ
لعلّهُ ليلةً يُفشي لها سِرَّهْ
وقالَ( بَلّامةُ الصوبينِ ) حينَ أتَوا :
فلْتحفِروا في مياهٍ عذْبةٍ قبرَهْ
فهو الذي لم يَدَع نخلاً بأغنيةٍ
إلّا سقاهُ وأفنى عندَهُ عُمرَهْ
في الليلِ يحرُسُ مَنسِيّاً فسائلَهُ
وفي الصباحِ ينادي مُوقِظاً تمرَهْ
مضى سريعاً ولم يترُكْ لِصِبيَتِهِ
غَيرَ الكؤوسِ التي آوَتهُ والجرَّةْ
كلُّ البساتينِ جاءت كي تُودِّعَهُ
وزَفَّهُ الزِّنجُ في تَغريبةٍ حُرّةْ
وغادرَ الحسَنُ البصريُّ مسجِدَهُ
مُرتِّلاً آيةً مِن سُورةِ الثورةْ
………………………………
كَم موجةٍ غَيَّبَتها التَّورياتُ هنا
وزورقٍ في المَماحي لم يجِد نَهرَهْ
فَرَّت سواقي الخصيبيينَ تاركةً مِلحاً ،
وجَفَّ بُوَيبٌ ناسياً ( بَدرهْ)
الماءُ صارَ رِثاءً كلُّهُ
وعلى الضفافِ
مَرَّت خُطى الأيامِ مُصفَرَّةْ
ويوسُفُ الطفلُ لم يصحَبْ طفولتَهُ
وقَبل أن يلعبَ اختاروا لهُ بِئرَهْ
……………………………
البصرةُ الزمنُ المسروقُ مِن دَمِنا
خلفَ اكتهالةِ لَيلٍ فاقدٍ فجرَهْ
غاباتُ نخلٍ تُعَرّيها الحروبُ
ولكنَّ العصافيرَ فيها ترفُضُ الهِجرةْ
أبناؤها وهي فيهِم حيثُما ذهبوا
عنها إذا سُئلوا قالوا : هنا البصرةْ
هنا المُغنّونَ في شُطآنِها وُلِدوا
ورافقوا الماءَ فيها قطرةً قطرةْ
في أوَّلِ الليلِ يُوحَى بالبلادِ لهُمْ
لِيُبعَثوا أنبياءً آخِرَ السهرَةْ
هُنا مشى شعراءٌ
في قصائدِهِم كانَ الإلهُ جميلاً
ناشراً عِطرَهْ
أبوابُهُ دُونَ حُجّابٍ ولا حَرَسٍ
وحَولَه الفقراءُ استوطنوا قَصرَهْ
مَرَّت على دمعِهِم كَفّاهُ مِثلَ أبٍ
وهو الذي كان في أذهانِهم فِكرةْ
ثُمَّ احتفى بالحياتيينَ مُعتذِراً
وقالَ : هَيّا اسكَروا يا سادةَ الخَمرَةْ
لم تحترِمْ مُدُنُ الحَمقى مباهجَكُم
والواعظونَ بها يُفتُونَ بالإجرَةْ
لكنّكُم كُنتُمُ اللحنَ الطَّهورَ بها
وسُكَّراً ذابَ في أيامِها المُرَّةْ
………………………………
هنا مِنَصَّةُ حِكّائينَ ما هرِموا
مَرَّت بِهِم سنواتُ العُمرِ مُضطَرَّةْ
فَلَم تُؤثِّر بشيءٍ مِن وسامتِهِم
ولم تَزِدهُمْ صحاريها سِوى خُضرَةْ
هنا أحاديثُ صيّادينَ
عن سمكٍ يُحِبُّهُم
وشِباكٍ لم تَخُنْ مَرَّةْ
هنا تعانقَ عُشّاقُ الحياةِ ،
هنا غَنّى (فؤادُ)
(شحلاةِ العُمُر يا سَمْرةْ)
…………………………
أجود مجبل القدير