بقلم: حسن كاظم الفتال
من المؤكد أن المتتبع للوقائع التاريخية أو الأحداث يدرك تمام الإدراك إن لكل ثورة شعاراتِها المحددةَ والمميزةَ التي تتمظهر بها لتيسر لها صيرورتها.
وغالباً ما تُتَّخذُ الشعاراتُ التي تتقلدها أيُ ثورة وسيلةً إعلاميةً لنيل الشرعية وكسب التأييد والمؤازرة والمساندة من الجماهير بعد بيان وتحديد أهداف الثورة وغاياتها والتظاهر بإعلان باطنية مكنونات الثورة أو النهضة أو الإنتفاضة , وسمِّها ما شئت.
وبتعبير أدق إن الشعارات تعكس صورة تتراءى من خلالها الأحداث الحقيقية ليشاهدها المراقب عن كثب وربما بالبصيرة لا بالبصر وبالتأمل والتعقل.
ومثلما أن لكل نهضة ظروفَها وأوانها أو تحديداً لساعة الصفر لإنطلاقها كذلك لكل نهضة نتائجُ وإفرازاتٌ وتداعياتٌ ونسبٌ متباينةٌ للنجاح والإحباط.
وربما تشابهت الثورات والنهضات على مدى الدهور فيما بينها وتكرر فيها شعار (محررين وليس فاتحين) والقليل منها زينتها نسبة أعلى من مباهج المصداقية.
إلا نهضةَ الإمام الحسين صلوات الله عليه فهي الإنموذج اليتيم الذي إختص بخصوصيات لم تشاركها أي ثورة بكل تبنياتها ومجرياتها.
مقتطفات لمفاهيم حسينية
نعم. نهضة الإمام الحسين صلوات الله عليه هي الإنموذج اليتيم إذ لا يمكن أن تشابهها نهضة لا من قبل ولا من بعد على مدى قيام الثورات وأزمانها.
فهي المنفردة التي لا نظير لها في مسبباتها وغاياتها ومجرياتها وشعاراتها ومسمياتها وأبعادها ومعطياتها وقياداتها وإدارة أحداثها وتضحياتها وإنجازاتها وإفرازاتها واتسمت بسمات ومفاهيم اختصت بها فحسب.
فالأمر الأول والأبرز فيها: أنها اتسمت بيضائيتها ونقائها أي خلوها من كل التداعيات السياسية والانحيازات الشخصية وتجردُها من كل ما يدعو للتجاذبات والتناحرات التي تثار بين المتاجرين بالشعارات ببعض الثورات.
والأمر الثاني: توافق وانسجام الأصناف والعناصر المشاركة في النهضة وتعاضدها توعويا وفكريا وتوجهاً وتحزبا وانتماءً وانتساباً.
حيث عادة ما ينتقي القادة في إقامة نهضاتهم أو ثوراتهم صنفاً أو لونا واحداً من العناصر أو من أناس يعدونهم موضع ثقة بعد التفحص والتمعن والتأكد من أهليتهم واستعدادهم وجاهزيتهم للمشاركة. فضلا عن اشتراط إنتمائهم للمكون أو للحزب أو الطائفة التي يتزعمها القائد من الحزب نفسه أو من الفئة أو الطائفة نفسها فيتم حصول المبايعة والمناصرة منهم ويتم ذلك بأخذ مواثيق معينة بالمآزرة والمساندة تضمن مناصرتهم وربما يحصل أحيانا أخذ التأييد بتعهدات خطية أو حتى عن طريق القَسَم الجماعي بعدم الخيانة مما ييسر لهم الضمان في تنفيذ وتحقيق مشروعهم النهضوي أو الثوري.
وتفرض أحيانا المقتضياتُ أن ينساق لأمر القيادات أناسٌ مرغمون غير راغبين إنما يسوقهم التهديد والوعيد حتى وإن كان مبطنا أحيانا.من قبيل القول المشهور (العدو من أمامكم والبحر من ورائكم) أو الوعود بالفتح وما سوف يرد من مغانم أو غنائم.
الأجناس التكوينية للنهضة
هذا الأمر تشترك بشموله الكثير من النهضات أو الإنتفاضات إنما النهضة الوحيدة التي تجردت منه هي النهضة الحسينية العظيمة بل قد حصل العكس فقد وفد الإمام الحسين صلوات الله عليه يقود ركباً متنوع الأجناس والأصناف متغايراً في عناصره فهم نخبة مختارة منتخبة بأنقى ما يمكن أن يوصفَ النقاءُ للمشاركة مع الإمام الحسين صلوات الله عليه. أناسٌ تتغاير توجهاتهم وانتماءاتهم ومذاهبهم وأفكارهم وأعراقهم النسبية إنما وحدهم أصل الهدف والغاية وهو التحيز لكلمة الحق وكلمة الله العليا ونصرة الحق ودحض الباطل ورفع راية الرسالة المحمدية التي خلدت وتميزت بعمق جوهر المصداقية التي كان يحملها أصحاب الإمام الحسين صلوات الله عليهم.
والمعنى الإنموذجي فيها أنه بدلا من أن يأخذ القائد الذي هو الإمام الحسين صلوات الله عليه الضمانات لبقائهم معه ومساندته كان يطلب منهم الرحيل ليسلموا بأنفسهم وينجوا من الموت المؤكد.(أنتم في حلٍ مني) و (اتخذوا من هذا الليل جملا) لكن ما كان يحصل أنهم هم الذين يصرون بإلحاح ويتوسلون ويتدافعون على أخذ الضمانات والرضا منه لقبول بقائهم معه حتى الرمق الأخير ويتم ذلك بمحض الإرادة وبالرغبة التامة بل بتوقٍ شديد للدفاع عنه وعن مشروعه الإنساني الإصلاحي المشرف.
وهذا ما استلزم أن تطلق بحق على هذه النهضة صفة نهضة يتيمة دون أن تتوئمها أو تضاهيها أية نهضة.
فقد قُدمت فيها القرابين دون تمايز وتحيز لفئة دون أخرى فكان الغالي والنفيس فيها في صدارة التضحيات التي قدمتها مؤطرة بجوهر المصداقية والصفاء والنقاء وقد سعى فيها الإمام الحسين صلوات الله عليه لفضح النوايا الخبيثة للطغاة الساعين لقتل الفكر الحي النير وتشويه صور الحقائق وتجريد الإنسان من إنسانيته وهذا ما يدعو أن تخفت الأصوات التي تتحدث بأن ثمة ثورات مشابهة للنهضة الحسينية العظيمة او تتقارب معها
نعم ثمة ثورات من أجل أن تختط منهجها استلهمت مبادئها وقيمها من هذه النهضة العظيمة أما أن تماثلها أو تكون مقرونة بها فلا وألف لا
حيث أنها نهضة يتعذر على الكثير منا فك رموزها والتعرف على بواطن أسرارها التي هي من أسرار شهادة الإمام الحسين صلوات الله عليه.