جد يحكي قصة للأحفاد.. رسم زيتي على قماش 1884 (ويكيميديا)
تشكل القصص والحكايات جانبًا مهما من كافة الثقافات، ويعد سرد القصص أقدم الفنون المعروفة للبشر، وجزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية العربية.
واعتاد الإنسان ممارسة الحكاية والسرد القصصي منذ القدم؛ إذ كانت القصص تروى على ضوء نار السمر قبل الكتابة والرسم، وقبل التلفزيون الذي ينقل القصة مصوّرة، وانتشرت ممارسة رواية القصص وسردها -ولا تزال- في كل أنحاء العالم، بما في ذلك القبائل النائية والمنعزلة.
ورغم انتشارها القديم والواسع؛ فإنه لم يتم الاهتمام بفهم وظيفة وتطور رواية القصص بالشكل الكافي، ومؤخراً استكشف مجموعة من الباحثين أثر سرد القصص على السلوك التعاوني لمجموعة من الصيادين في قبيلة فلبينية تسمى أغتا، ووجدت الدراسة أن شيوع رواة القصص في المجتمع يرتبط بزيادة التعاون بين أفراده، ويعد رواة القصص أزواجا وأصدقاء مفضلين.
جمع الباحثون من جامعة كوليدج لندن قصصًا من مجتمع أغتا المحلي في بالانان بالفلبين، وطلبوا من ثلاثة شيوخ إخبارهم بالقصص التي يروونها عادة للأطفال؛ وبالفعل حكى الشيوخ أربع قصص على مدى ثلاث ليال، واستنتج الباحثون أن القصص التي رووها تلعب دورًا كبيرًا في تشكيل هوية المجتمع والقبول الاجتماعي، وتشكل نهاياتها التي تعكس التوفيق بين المصالح العامة والاختلافات الفردية فرصة لتعزيز التعاون في مخيمات الصيادين ومجموعاتهم.
ويأمل الباحثون حاليا استكشاف كيفية تطبيق هذه النتائج عمليًّا داخل المنظمات لمساعدة الناس على العمل معًا بشكل أكثر فعالية وتعاوناً، عبر الاستفادة من ممارسة السرد القصصي والحكاية، حسب تقرير لمجلة "ستوري كود".
الحكايات المفيدة
وقال الأكاديمي دانيال سميث من قسم الأنثروبولوجيا بكلية لندن الجامعية إن بحثهم يشير إلى كون سرد القصص يؤدي وظيفة تكيفية مهمة في المجتمعات البشرية، وأضاف "إنها وسيلة لبث الأعراف الاجتماعية وتنسيق السلوك وتشجيع التعاون، وهي تنقل للأفراد قواعد القبيلة وعقوبات خرقها. وهذا يساعد الناس على العمل معًا دون تعارض لتحقيق هدف مشترك". حسب تصريحاته للمجلة البريطانية.
وتساعدنا القصص أيضًا في فهم العالم وموقعنا فيه، ونقل دروس مهمة في الحياة، ومساعدتنا في اختبار المواقف الصعبة عبر المحاكاة، وتزيد تعاطفنا مع الآخرين وشعورنا بأحوالهم، وبالطبع الترفيه والتغلب على التوتر والملل.
ويدرس الدكتور سميث وفريقه كيف يمكن تطبيق نتائج دراسة "أغتا" على نحو مفيد داخل المنظمات. وهناك بالفعل اهتمام متزايد لاستخدام القصص بشكل أكثر وعيًا وهدفًا. ويستكشف الفريق إذا كان يمكن استخدام القصص بشكل "إستراتيجي" لزيادة التعاون في مجالات مثل تشجيع السلوك الصديق للبيئة،
ويرى سميث أن "القصص تسد الفجوات الثقافية لأنها تتحدث بلغة عالمية وعاطفة إنسانية".
الممارسة القديمة والمعاصرة
ويعد تراث الحكايات الخيالية عنصرًا مهما لنسيج المجتمعات وتوريث القيم المعنوية، وتنتقل الحكايات الشفوية مع إيماءاتها وتعابيرها الجسدية من جيل لآخر، واعتبرت رسوم الفن الصخري شكلاً من أشكال رواية القصص في الثقافات القديمة.
ويطلق على راوي القصص في الثقافة العربية "الحَكَواتي" أو "الرَّاوي"، ويعتمد أغلبهم على الحكي الشفهي من دون مرجع مكتوب، ويمكن أن تكون القصص قصيرة أو طويلة، وتعطي فرصة للناس للتكهن ببقية القصة التي لا يعرفها إلا الحكواتي، وربما يلقيها وقت حكايتها بلا إعداد مسبق.
ولا يكتفي الحكواتي بالسرد والحكاية، بل يحاول تقمص أدوار الشخصيات بالصوت والحركة.
وحتى بعد اختراع الكتابة، وتطور ممارستها بالتدوين وحتى التخزين الرقمي؛ لا تزال ممارسة القص الشفوي شعبية وحاضرة في الذاكرة.