الحمد لله الذي تابع على عباده مواسم الطاعات، وأثابهم على قليل العمل بجزيل العطايا والهبات، وأشهد ألا إله إلا الله، جعل الليالي والأيام مواسم لفعل الصالحات، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله أفضل البريَّات، صلى الله عليه وآله، وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد؛ فإنَّ من نعم الله على عباده أن يوالي عليهم مواسم الخيرات؛ ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، فما إن انقضى موسم الحج المبارك، إلا وتبعه شهر كريم هو شهر الله المحرم، فإليكم وقفات قليلة مع هذا الشهر الكريم المبارك:
- صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم"[1].

وقد سمَّى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله؛ دلالة على شرفه وفضله، فإن الله -تعالى- يخص بعض مخلوقاته بخصائص، ويفضل بعضها على بعض، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "إن الله افتتح السنة بشهر حرام، واختتمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من شدة تحريمه".


- وفي هذا الشهر المبارك يوم عظيم حصل فيه حدث فاصل، نَصَرَ اللهُ فيه الحق وأزهق الباطل، أنجى الله نبيه موسى -عليه الصلاة والسلام- وقومه، وأغرق فرعون وقومه، وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم.


فعندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا اليوم الذي تصومونه؟" قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله، فنحن نصومه. فقال صلى الله عليه وسلم: "نحن أحق وأولى بموسى منكم"، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه[2].


- وصيام هذا اليوم فضله عظيم؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحتسب على الله أن يكفر صيام هذا اليوم السنة التي قبله"[3].
وقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ألا يصومه مفردًا، بل يضم إليه يومًا آخر؛ مخالفة لأهل الكتاب، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لئن بقيت إلى قابل، لأصومنَّ التاسع"[4].


واعلموا أن اغتنام الطاعات في هذا الشهر المبارك ثوابها جليل مضاعف، وأن خير غراس وخير كنز ادخره المرء لنفسه - هو العمل الصالح؛ قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف: 46].

فوصيتي لإخواني وأخواتي بالتزود من الأعمال الصالحة؛ فهي خير زاد ليوم المعاد؛ قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى اللَّهِ ثُمَّ توفي كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281].

أسأل الله الكريم بمنِّه وفضله وجوده، وإحسانه أن يوفقنا وإياكم للتزود من الصالحات، وأن يجمعنا وإياكم في دار كرامته ووالدينا وجميع المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

د. عبد الله بن محمد الطيار
[1] رواه مسلم.
[2] رواه البخاري.
[3] رواه مسلم.
[4] رواه مسلم.