بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
خلق الله تعالى آدم ع وحواء ليفهم العالم بأن الرجل والمرأة توأمان، لديهما أجمل رسالة في الحياة... "وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ".
لذلك نجد النساء دائما مع الرجال في الساحة وأحيانا وراء الكواليس ليعلنوا بأنها رحلة التفاهم، والتفاقم احيانا في الجانب السلبي، واحيانا في الجانب الايجابي، كما يذكر لنا القرآن الكريم قصة مريم سلام الله عليها، وانها كانت مع عيسى في رحلة النبوة لتكون آية للناس (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ).
وعندما ألقت أم موسى السلة في اليمّ قالت لابنته: (قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)، فذهبت اخت موسى وراقبت السلة لترى اين مسيرها الى ان وصلت الى قصر فرعون وكانت في تلك اللحظات الصعبة مع موسى لتنجيه من الموت، ولتعرف اين يستقر في نهاية المطاف وتبين ان الذكر والأنثى لديهما أجمل رسالة في الحياة.
كذلك في رحلة الاسلام نرى شموخ المرأة الجليلة وهي تساند نبي الإنسانية بنفسها ومالها وما تملكـ حيث تغمض عينها عن تلك التوعد والتهديدات التي سمعتها من قبيلتها عندما طردوها وقللوا من شأنها ولكن كانت نافذة البصيرة، ثابتة في العلم واليقين لتصبح خديجة التي قال الرسول صلى الله عليه واله في حقها: إنها من نساء الجنة وما قام ولا استقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة وسيف عليّ بن أبي طالب عليهما السلام.
فعن طريق أموال خديجة وسيف علي عليهما السلام استطاع الرسول صلى الله عليه واله أن ينجو من تلك الأزمات، في ذلك الوقت ليوصل صوت الاسلام الى انحاء العالم، وكانت فاطمة سيدة نساء العالمين مع علي عليه السلام في رحلة الظلم وغصب الخلافة، حيث خطبت بالناس تلك الخطبة الغراء التي تعجب منها العظماء في سابق الزمان الى يومنا هذا، حيث اندهش الجميع لوقفتها وخطبتها، فكيف لامرأة أن تكون ذات تأثير قوي إلى هذه الدرجة ليسكت الجميع بمجرد ان تلفظ الكلمات الأولى من الخطبة، وكيف تكون ذكية الى هذه الدرجة لتتكلم بهذه الفصاحة والبلاغة.
وتخطب بالحاضرين عن ظهر الغيب دون الرجوع الى مكتوب، فتكلمت وأجهش القوم بالبكاء، إنها كانت ولازالت صوت المظلومية الذي يتردد صداه في آذان البشرية، حيث تكلمت واحتجت وارادت ان يخفى قبرها ليبحث الناس عن السبب لماذا ابنة النبي الوحيدة لا يوجد اثر من قبرها؟.
فتكلمت وأجادت وبيَّنت فضلها...
وكانت زينب صوت الحسين عندما أرادوا أن يمحوا أثره من الكون فقتلوه لكي يمحوا صوت الحق، ولا يسمع احد ذلك الصوت وظنوا ان زينب امرأة لا تقوى على فعل شيء، لم يعرفوا انها لسان الحسين الناطق، انها خريجة جامعة الوحي، انها تربت على يد اعظم العباقرة في الكون وهم خمسة أصحاب الكساء، فكيف لا تكون كذلك وهي ترى كل صغيرة وكبيرة تحدث أمامها، كيف لا تكون كذلك وهي تتقن سطور الحب، الإخلاص، العلم والحكمة في ذلك البيت المبارك؟ إنها كانت مع سيد الشهداء في الوقوف أمام الطغاة والظلمة أضاءت العالم بنور الحسين عندما أراد الطغاة ان يخمدوا نوره.
إن مواقف زينب سلام الله عليها مثالية ومتميزة عن غيرها فلن يشهد التاريخ امرأة مثلها قط تكون بهذه الرصانة والقوة وتتكلم بهذه الصلابة أمام الظالمين وهي في تلك الحالة "أسيرة"فالمرأة بطبيعة حالها رقيقة وعاطفية والمجتمع لا يهتم بها ولا يعترف بكلامها ولكن زينب سلام الله عليها بينت ان رسالة الانسانية والدفاع عن الحق ليست مقيدة بالرجال و العظمة لم تكتب للرجال فقط بل هناك نساء تفوق قدراتهن الرجال فقد روى ابن طاوس: انه لما جئ بسبايا أهل البيت إلى الكوفة جعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون قال بشر بن خزيم الأسدي ونظرت إلى زينب بنت علي (ع) يومئذ فلم أر خفرة انطق منها كأنها تفرع عن لسان أمير المؤمنين (ع) وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا... فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس.
هنا يدرك الانسان قدرة تأثير هذه المرأة على الاخرين، انها بنت علي وفاطمة بيت العلم والفصاحة، ثم خطبت تلك الخطبة الغراء وفي النهاية يذكر بأن الناس بعد ذلك بدأوا يبكون وقد وضعوا أيديهم فوق أفواههم، وقال شيخ وهو يبكي حتى اخضلت لحيته بالمع: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزي ولا يبزي.
وفي موقف اخر في مجلس ابن زياد.
قال المفيد: ادخل عيال الحسين (ع) على ابن زياد فدخلت زينب أخت الحسين (ع) في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحفت بها إماؤها.
فقال ابن زياد: من هذه التي انحازت فجلست ناحية ومعها نساؤها؟
فلم تجبه زينب...
فأعاد ثانية وثالثة يسأل عنها فقال له بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (ص).
وكانت هذه الأمة قد أرادت لفت نظره إلى لزوم تعظيمها واحترامها بكونها بنت فاطمة بنت رسول الله (ص)، وكفى ذلك في لزوم تعظيمها واحترامها ولكن أبى له كفره وخبثه ولؤم عنصره، إلا أن يتجهم لها في جوابه ويجيبها بأقبح جواب، وهو الذي صرح بالكفر لما وضع رأس الحسين (ع) بين يديه بقوله يوم بيوم بدر.
فاقبل عليها ابن زياد فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم ...
فأجابته جواب الركين الرصين العارف بمواقع الكلام فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (ص) وطهرنا من الرجس تطهيرا إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله...
فقال ابن زياد: كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك...
فقالت: كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاجون إليه وتختصمون عنده وفي رواية غير المفيد أنها قالت: ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك أمك يا ابن مرجانة...
قال المفيد: فغضب ابن زياد واستشاط لما أفحمه جوابها فقال له عمر بن حريث: أيها الأمير إنها امرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها ولا تذم على خطائها...
انها امرأة ....
ظنوا بأنها امرأة، ضعيفة لا تقوى على فعل شيء لم يعرفوا ربما الرجال يعملون ويفعلون أشياء عظيمة ولكن النساء هم من يأتين بهؤلاء الرجال ويقمن بتربيتهم ليكونوا عظماء فالمرأة والرجل كجناحي الطير إن استطاعا أن يمتزجان جيدا ويتفاهمان معا، هكذا سوف يصبحان كطير قوي باستطاعته أن يحلق في سماء العظمة لذلك ورد لفظ المرأة والرجل بالتساوي في القرآن ليعرفان عليهما أن يعملا معا لينجحا.
ولا زالت قصة ادم وحواء، عيسى ومريم، خديجة ومحمد صلى الله عليه واله، فاطمة وعلي عليهما السلام، الحسين وزينب سلام الله عليهما مستمرة ولكن في حياتنا نحن ونحن من علينا ان نقوم بكتابتها بين سطور الحياة وارسالها الى الآخرين.
هذه القصة مستمرة ليدرك العالم أن الرجل والمرأة توأمان، لديهما أجمل رسالة في الحياة...