كفالة الأيتام في ضوء الإسلام
لقد أولى الإسلام اهتماما بالغا بالأيتام وكفالتهم، وحث في كثير في من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المُطهّرة على كفالةِ الأيتام كفالةً حقيقة، تُغنيهم عن مدَّ اليد وسؤال الغير، ولقد بيّنت لنا بعض الآثار التي وردت إلينا من القرون الأولى هذا الكفاف الحقيقي للأيتام، وأصبحت هذه التوجيهات الربانية إلزاماً على الجميع وجرى العمل به فعليا، فمن يتتبع التاريخ الإسلامي المجيد فسيرى بوضوح مدى الحرص من صحابة رسول الله والتابعين وتابعيهم على مر التاريخ أثر هذه الكفالة في المكفول والكافل.
والكفالة تدل على تضمّنِ الشيء للشيء، والكافل هو: الذي يكفل إنساناً يعوله «وقد وردت بعدة معانٍ في القرآن الكريم، قال تعالى في سورة آل عمران آية رقم 37: «وكفّلها زكريا»، أي كفّلها الله تعالى، والمعنى تضمّنها، أي: هو كفل مريم؛ لينفق عليها، حيث ساهموا على نفقتها حين مات أبواها. وقال تعالى في سورة النحل: «وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً»، والكفيل: الحظّ الذي فيه الكفاية؛ كأنه تكفّل بأمْره.
والكفالة هي رعاية اليتيم، والمحافظة على حقوقه، والحنو عليه، وتهيئته التهيئة الإسلامية
الصحيحة؛ كي يكون عضواً فاعلاً في المجتمع.
وفي ما يتعلق بأثر كفالة الأيتام في الكافل، فإننا حين نتتبع أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سنرى لصاحب كفالة الأيتام منزلة عظيمة؛ ومنها مثلاً: مصاحبة رسول الله في الجنة، مضاعفة الأموال التي ينفقها على اليتيم عند الله عز وجل، إلى غير ذلك من الفضائل التي اختص بها هذا الكافل دون غيره، ويتضح ذلك في ما أخرجه البخاري في صحيحه: أن رسول الله، قال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، (وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما شيئاً)»، والمتتبع الأحاديث النبوية المطهّرة يرى الأجر الجزيل والثواب العظيم من الله تعالى لمن تكَفل بيتيم ورعاه رعاية حسنة صالحة، يقول رسولنا (صلى الله عليه وسلم) في ما يرويه ابن ماجة (رضي الله عنه): «من عال ـــ تعني: من حمل مؤنتهم ـــ ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله وصام نهاره وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنة أخوين ـــ كناية عن كمال قربه منه حال دخوله الجنة، لا مساواة الدرجة ـــ كهاتين أختان، وألصق إصبعيه السبابة والوسطى».
أما في شأن أثر كفالة الأيتام في المكفول (اليتيم)، فالمتتبع حالة الأيتام في المجتمعات جميعها يراها متشابهة في عدم رعايته وتدبيره لشؤون حياته، خصوصاً في فترة الصغر، وذلك بفقده السند الذي كان بمنزلة خير معين له، بعد الله تعالى، فاحتياج اليتيم لمن يرعاه ويُسيِّر له أمور حياته، ويقف بجانبه، ويتولى أمره، كي يشتد عوده ويستطيع أن يساير ركْب الحياة والعيش، ويصبح قادراً على الاهتمام بحاله ونفسه، وإذا تخلى المسلمون عن الكفالة والوقوف بجانب الأيتام وذوي الفقر، فإنه بلا أدنى شك سيُصبح عالة على مجتمعه ووطنه وأمته، وهنا أدركنا أهمية الكفالة، لما لها من أثر واضح وبيِّن في حماية الأيتام ورعايتهم وتربيتهم تربية إسلامية صحيحة، مما ينعكس إيجابياً على المجتمع ككل.
إنَّ كثيراً من الجهات الإنسانية العاملة في ميدان رعاية الأيتام وكفالتهم تعمل جاهدة على استقطاب عددٍ كبير من المتبرعين لكفالة يتيم، تتراوح كفالته بدءاً من خمسة عشر ديناراً تزداد مع الوضع العام للدولة التي يعيش فيها اليتيم، واتَّسَعت دائرة الإعلام لهذا الأمر ـــ كفالة الأيتام ـــ خصوصاً بعدما زادت الحروب والنكبات في كثير من الدول، وأدى إلى وفاة كثير من الآباء والأمهات، ومع هذا السعي الدؤوب، إلا أنه ما زالت هناك فئة من البشر لا تدري أن المبلغ البسيط الذي يكفل به هذا اليتيم سبب في سعادته، وكم هي الفرحة في عينيه حين تأتيه هذه الكفالة من هذا المتبرّع الحريص على عمل الخير، والذي يكون له المرْدُود الإيجابي على الكافل.
المصدر : القبس الكويتية