إدوارد سعيد
إدوارد وديع سعيد (1 نوفمبر 1935 القدس - 25 سبتمبر 2003) مُنظر أدبي فلسطيني وحامل للجنسية الأمريكية. كان أستاذا جامعيا للغة الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية ومن الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الكولونيالية. كما كان مدافعا عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، وقد وصفه روبرت فيسك بأنه أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
كان إدوارد سعيد من الشخصيات المؤثرة في النقد الحضاري والأدب وقد نال شهرة واسعة خصوصاً في كتابه الاستشراق المنشور سنة 1978. قدم كتابه أفكار المؤثرة عن دراسات الاستشراق الغربية المتخصصة في دراسة ثقافة الشرقيين. وقد ربط إدوارد سعيد دراسات الاستشراق بالمجتمعات الإمبريالية واعتبرها منتجاً لتلك المجتمعات. مما جعل من أعمال الاستشراق أعمال سياسية في لبها وخاضعة للسلطة لذلك شكك فيها. وقد أسس أطروحته من خلال معرفته الوثيقة بالأدب الاستعماري مثل روايات جوزيف كونراد، ومن خلال نظريات ما بعد البنيوية مثل أعمال ميشيل فوكو وجاك دريدا وغيرهم. اثبت كتاب الاستشراق ومؤلفاته اللاحقة تأثيرها في النظرية والنقد الأدبي. إضافة إلى تأثيرها في العلوم الإنسانية، وقد أثر في دراسة الشرق الأوسط على وجه الخصوص في تحول طرق وصف الشرق الأوسط. جادل إدوارد سعيد نظريته في الاستشراق مع علماء في مجال التاريخ، واختلف العديد مع أطروحته ومن بينهم برنارد لويس
كما عرف إدوارد سعيد كمفكر عام، فكان يناقش أمور ثقافية وسياسية وفنية وأدبية بشكل دائم من خلال المحاضرات والصحف والمجلات والكتب. ومن خلال تجربته الشخصية كفلسطيني المنشأ ترعرع في فلسطين في وقت انشاء دولة إسرائيل، دافع إدوارد عن إنشاء دولة فلسطين إضافة إلى حق العودة الفلسطيني. كما طالب بزيادة الضغط على إسرائيل وخصوصاً من قبل الولايات المتحدة. كما انتقد العديد الأنظمة العربية والإسلامية. حازت مذكراته «خارج المكان» المؤلفة سنة 1999 على العديد من الجوائز مثل جائزة نيويورك لفئة غير الروايات، كما حاز سنة 2000 على جائزة كتب أنيسفيلد-ولف لفئة غير الروايات وغيرها.
كان إدوارد سعيد عضواً في المجلس الوطني الفلسطيني لعدة عقود.
بالمشاركة مع صديقه دانييل بارينبويم قاما بتأسيس أوركيسترا الديوان الغربي الشرقي سنة 1999 وهي مكونة من أطفال فلسطينيين وإسرائيليين ومن أطفال عرب من دول الجوار. كما كان إدوارد عازف بيانو بارع. ونشر بالمشاركة مع صديقه بارينبويم في سنة 2002 كتاباً عن محادثاتهم الموسيقية المبكرة بعنوان : المتشابهات والمتناقضات: استكشافات في الموسيقى والمجتمع . ظل إدوارد نشطاً حتى آخر حياته وتوفي بعد صراع طويل مع اللوكيميا سنة 2003.
حياته المبكرة
ولد إدوارد سعيد في القدس في الأول من نوفمير سنة 1935[12] والده كان يحمل الجنسية الأمريكية وهو من الديانة المسيحية الأرثوذكسية وكان رجل أعمال وخدم في الحرب العالمية الأولى تحت إمرة جون بيرشنغ. وقد انتقل الأب إلى القاهرة قبل ولادة إدوارد بعقد. أما والدته فهي أرذوكسية أيضاً من مواليد مدينة الناصرة وكانت نصف لبنانية أما شقيقته فهي المؤرخة روزماري سعيد زحلان
عاش إدوارد سعيد حتى عمر 12 سنة متنقلاً بين القاهرة والقدس وقد التحق في المدرسة الإنجليكية ومدرسة المطران في القدس سنة 1947. لكن المحامي والصحفي الإسرائيلي جوستوس وينر زعم بأن إدوارد سعيد قد قضى هذه الفترة في القاهرة حيث كانت أعمال عائلته ولم يلتحق بمدرسة المطران في القدس سوى لفترة قصيرة جداً. وأضاف أنه لاتوجد وثائق مدرسية تثبت أن إدوارد سعيد قد ارتاد هذه المدرسة. كان نقاش وينر يهدف إلى إلقاء الشك بتحصيل إدوارد العلمي قبل قيام إسرائيل سنة 1948. كما أضاف وينر أنه لم يقابل إدوارد سعيد ليسأله عن ذلك، لكن الأدلة التي لديه والتي أمضى ثلاث سنوات لايجادها تجعله لا يحتاج لمقابلة إدوارد سعيد لتأكيد أو نفي ذلك وقال "الأدلة أصبحت دامغة، لا يوجد داعي لأن أكلمه وأقول له أنت كاذب، أنت محتال". تصدى ثلاث صحفيين ومؤرخ لدعوى وينر وأعتبروها كاذبة. فقد ذكر ألكسندر كوكبورن وجيفري كلير ذكرا في صحيفة كاونتربنش بأنهما قابلا هايج بويادجين والذي أخبر وينر بأنه درس مع إدوارد سعيد في نفس الصف في مدرسة المطران، لكن وينر تعمد حذف هذا. كما ذكر كريستوفر هيتشنز في صحيفة ذا نيشن بأن المعلمين والخريجين أكدوا بأن إدوارد كان في المدرسة في حين علق المؤرخ المختص بتاريخ تأسيس إسرائيل آموس إيلون في نيويورك ريفيو أوف بوكس بأن وينر فشل بأن يثبت بأن إدوارد وعائلته كان في القدس شتاء سنة 1947-1948 وأنه هاجر مع أهله خارج فلسطين على خلفية الحرب، والحقيقة بأن أملاك العائلة صودرت في القدس وأصبحت عائلته من اللاجئين لرفض إسرائيل لعودتهم إلى البلاد التي ولدوا فيها.
لكن وينر في رده اعتبر أن آمون قد خان الآمانة وهيتشنز جعل من نفسه ملصق عن صبي فلسطيني. لاحظ إدوارد سعيد أن ناشري المجلة المحافظة كومينتاري قد هاجموه بثلاث مقالات طويلة كان آخرها مقالة لوينر، فعلق على حياته المبكرة"هناك عشرات الأخطاء فيما عرضوه في الحقيقة " فعند أعلان حرب 48 انتقلت عائلته إلى حي الطالبية ومن ثم إلى القاهرة.
إلتحق إدوارد سعيد بكلية فكتوريا في الإسكندرية. وطرد من الكلية سنة 1951 كونه مشاغب ليرسله والده إلى مدرسة داخلية نخبوية في الولايات المتحدة في ماساتشوستس وقد ذكر سعيد بأنه كانت سنة تعيسة شعر فيها بخارج المكان. مالبث سعيد أن أدار نفسه بشكل جيد ويحسن صنيعاً في المدرسة ليحوز الترتيب الأول أو الثاني على مئة وستين طالب. وقد أثرت هذه السنة على حياته المستقبلية لمقابلته أناس من ثقافات عدة للتشابك ويتولد الأحساس لديه بخارج المكان. ثم تابع دراسة الفن وحاز على إجازة بها من جامعة برنستون سنة 1957 وماجستير بالفن سنة 1960 ثم حصل على شهادة الدكتوراه باللغة الإنكليزية والأدب المقارن سنة 1964 من جامعة هارفرد. وقد كان متقن للغة الإنكليزية والعربية والفرنسية.[
الاستشراق
عرف إدوارد سعيد بشكل كبير بفضل وصفه ونقده الاستشراق. وقد بدأ في كتابة كتابه الاستشراق في الفترة مابين 1975-1976 في الفترة التي كان يعمل فيها أستاذاً زائراً في جامعة ستانفورد.[46] وقد وصف الاستشراق بعدم الدقة والتشكل على أسس الفكر الغربي تجاه الشرق. وقد علق في أشهر كتبه الاستشراق بأنه: |
تحيز مستمر وماكر من دول مركز أوروبا تجاه الشعوب العربية الإسلامية.[47] |
|
لذلك فهو يرى الاستشراق بصورة أعم من صورة المبحث الأكاديمي، بل هو تقليد أكاديمي يقوم على التمييز المعرفي والوجودي بين الشرق والغرب لتتطور هذه النظرة في أواخر القرن الثامن عشر لتصبح أسلوباً في التعامل مع الشرق من أجل الهيمنة عليه
|
فإذا اعتبرنا القرن الثامن عشر نقطة انطلاق عامة إلى حد بعيد، استطعنا أن نناقش الاستشراق بصفته المؤسسة الجماعية للتعامل مع الشرق، والتعامل نعه معناه التحدث عنه واعتماد صورة معينة عنه، ووصفه وتدريسه للطلاب وتسوية الأوضاع فيه والسيطرة عليه. وباختصار بصفة الاستشراق أسلوباً غربياً للهيمنة على الشرق واعادة بناءه والتسلط عليه.
|
|
جادل في أن الصور الرومنسية التقليدية الأوربية تجاه ثقافة آسيا عموماً والشرق الأوسط خصوصاً ما كنت إلا تبريراً للطموحات الاستعمارية الإمبريالية لدول أروبا والولايات المتحدة. مندداً في الوقت نفسه بممارسة النخب العربية التي حاولت استيعاب واستبطان الأفكار الاستشراقية الأمريكية والبريطانية. يقول في الاستشراق:
|
حتى الآن يبدو قلق الولايات المتحدة أن ينظر للعرب والمسلمين ما هم سوى مزودين بالنفط أو إرهابيين محتمللين ما هو إلا مبالغة، القليل جداً من التفاصيل مثل الكثافة السكانية، والعاطفة في حياة العرب المسلمين قد دخلت في معرفة أولئك المحترفين في صياغة تقارير العالم العربي. وبدلاً من تلك التفاصيل لدينا بعض الرسوم الكاريكتورية التي تختزل هذه التفاصيل في العالم العربي الإسلامي إلى صورة النفط الخام والتي جعلت بهذا الشكل لجعل هذا العالم عرضةً للعدوان العسكري.
|
|
يؤكد إدوارد سعيد في كتابه أن معظم الدراسات الأوربية للحضارة الإسلامية كانت ذا منحى عقلاني غربي تهدف إلى تأكيد الذات بدلاً عن الدراسة الموضوعية،فاعتمد طرق تمييز وأدوات الهيمنة الإمبريالية. وقد كان للاستشراق آثار في مجال نظرية الثقافة و الدراسات الثقافية والجغرافيا البشرية وعلى التاريخ ودراسات الشرق. وقد بنى جدليته على أعمال جاك دريدا و ميشيل فوكو وعلى نقاد الاستشراق الأوائل أمثال عبد اللطيف الطيباوي وأنور عبد الملك ومكسيم رودنسون وريتشارد ويليام ساوثرن. أعتبر أن الدراسات الغربية للشرق تقع في موقع الشك ولا يمكن الأخذ بها على الإطلاق. وأضاف أن تاريخ الحكم الاستعماري والهيمنة السياسية للشرق من قبل أوروبا شوهت هذه الكتابات حتى كتابات المستشرقين ذوي النيات الحسنة أو ذوي المعرفة الجيدة بالشرق :
|
أشك بأنك هناك من يختلف معي بأن رؤية رجل إنكليزي من القرن التاسع عشر مقيم في الهند أو مصر أكثر من رؤيته لهاتين البلدين على أنهما مستعمرتين بريطانيتن. وهذا القول يختلف تماماً عن القول بأن الدراسات الأكاديمية عن مصر والهند مصبوغة ومشوبة نوعاً ما بالواقع السياسي العام.
|
|
[CENTER]كما رأى بأن الغرب لديه رؤية نمطية للشرق في الفن والأدب منذ قيدم العصور مثل رؤية إسخيلوس لتركيبة المجتمع الفارسي. وقد هيمنت أوروبا على سياسة أسيا في العصر الحديث، لذلك حتى نصوص أكثر الدارسيين موضوعية كانت مخترقة بالتحيز للغرب. بذلك اتخذ الدارسيين الأوروبيين مهمة استكشاف وتفسير اللغات الشرقية وتاريخهم وثقافتهم مع الإيحاء بأن الشرقيين غير قادرين على سرد رأيهم وروايتهم في ذلك. ليكتب المستشرقين ماضي آسيا ويشيدوا هويتهم الحديثة من منظور استعلائي قائم على أخذ أوروبا كمعيار ونموذج.
يلخص سعيد بأن الدارسيين الأوربيين قاموا بوصف الشرقيين بأنهم غير عقلانيين وضعفاء ومخنثين، على عكس الشخصية الأوروبية العقلانية والقوية والرجولية. ويعزي هذا التباين إلى الحاجة إلى خلق اختلاف بين الشرق والغرب وهذا الإختلاق لا يمكن من تغيير جوهر الشرق. عندما نشر إدوارد سعيد كتابه كانت ما تزال حرب أكتوبر وأزمة أوبك حديثة ليشير سعيد أن هذا الخلل في النظرة إلى الشرق مازال مستمر في وسائل الإعلام الحديثة.
[COLOR=#0000ff][FONT=arial black][SIZE=4]
[