يعتبر باخ المؤلف الموسيقى المفضل لدى الكثيرين من عشاق الموسيقى الكلاسيكية.فأعماله الموسيقية ممتعة، متداخلة ومرسومة بإحكام يكاد يكون حسابياً، كما أن مقدرته الفنية فى السيطرة على الأنغام تدعو إلى الدهشة.
و الواقع أن باخ هو أكثر الفنانين تحكماً فى موسيقى "الفوغه"، و هو نوع من الموسيقى يعتمد على موضوع أو لحن فردى يجرى تكراره بأصوات أو آلات أخرى تتداخل و تتشابك على أبعاد مختلفة. غير أن باخ بلغ من المهارة حداً جعل من الصعب على غير الأذن الخبيرة أن تكتشف هذه التعقيدات أو بعبارة أخرى تلك الأستعادات المنتظمة و الأنماط الموسيقية المحكمة التركيب.
أن العباقرة لا يعترف بهم عادة فى عصرهم اذا كانت أعمالهم تسبق مفاهيم ذلك العصر. اما باخ فلم تكن موسيقاه متقدمة على عصره، ذلك أن طابع القرن الثامن عشر يظهر عليها بوضوح. ومع ذلك فالقليل من معاصريه هم الذين عرفوا فيه عبقريته الموسيقية. وعندما توفى كانت شهرته كعازف أكبر مما هو مؤلف و كانت حياته نموذجاً لقصة الموسيقى المحترف، فقد أمضاها فى جو الدعة و الراحة، ذلك الجو الذى أمتازت به الكنائس و البلاطات.
ولد باخ فى أبزناخ بألمانيا، فى 21 آذار (مارس) سنة 1685 فى أسرة موسيقية. وكان عمره 10 سنوات عندما توفى والده فتولى أخوه الأكبر تعليمه، و كان هذا الأخ يعمل عازفاً على الأرغن. و فى عام 1700 أرسل إلى لونيبرغ حيث غنى ضمن كورال الكنيسة كما عزف على الكمان. وإذ كان أحد عازفى الأرغن فى لونيبرغ يعرف المؤلف شوتس.كان شوتس أحد عظماء المؤلفين الموسيقيين الألمان فى القرن السابع عشر، و كان موسيقاه متأثرة بأعمال المؤلفين الإيطاليين مثل بالسترينا. و كانت الأشكال التى يستخدمها بما فى ذلك الترتيلات و الموسيقى الدينية توحى بالخشوع و التأمل الإنسانى الملئ بالمحبة و المؤدى إلى التقرب من الخالق.أن كل ذلك كان ذا تأثيراً كبيراً على باخ.
كانت أول وظيفة لباخ هى عازف على الأرغن فى أرنشتات، و كان عمره أنذا 18 عاماً. ولكنه أغضب رؤساءه عندما تجاوز حد أجزاته ليذهب إلى لوبيك كى يستمع إلى بوكستاهود،أعظم عازف أرغن فى ذلك الوقت، و الذى كان لمؤلفاته اثر على أعمال باخ. و فى عام 1707 ترك باخ أرنشتات ليصبح عازفاً على الأرغن.
أمضى باخ عشر سنوات كعازف أرغن فى فيمار، و أمضى النوات السبع التالية قائداً للفرقة الموسيقية فى كويتن، ثم أمضى باقى حياته فى ليبزغ. و فى فيمار كان ما كتبه هو فى الغالب الموسيقى الكنيسية. و من بينها حوالى 30 كانتاتا ( و هى مؤلفات للأصوات المنفردة و الكورس و الالآت). أما فى كوتين فكان الطلب بصفة خاصة على الموسيقى الكلاسيكية غير الدينية، و شمل إنتاجه ستة كونسرتات موجهة إلى أمير براندبورغ، و تعرف بأسم كونسرتات براندبورغ، و هى من بين أحب المؤلفات إلى قلب باخ. كما كتب المتتابعات الفرنسية و الإنجليزية، متأثراً فيها بالموسيقى الفرنسى كوبران. أخيراً وضع باخ أربعة وعشرين مقدمة لمجموعته الضخمة المكونة من 48 مقدمة للآلات ذوات لوحة المفاتيح.
أنتخب باخ قائداً لفرقة مدرسة سان توماس الموسيقية فى ليبزيغ، وكان اذ ذاك قد بلغ درجة عالية من النضج. فعاد إلى كتابة الموسيقى الدينية لكنائس المدينة. وقدر ما كتبه فى هذا المضمار بنحو 300 كانتاتا، كم كتب تسبيحة مريم العذراء.و المعروف أن باختزوج مرتين و أنجب عدداً كبيراً من الأطفال. و فى عام 1747 دعى باخ للعزف أمام الأمبراطور فريدريك الأكبر، وقد كانت هذه الدعوة م نأعظم أحداث حياة باخ. وكان باخ قد أجهد نظره عدة سنوات حتى فقد بصره تماماً، وقد توفى عام 1750.