شاعر الغزل الاسود(سحيم)
أَسْحَم ( الجذر: سحم - المجال: ألوان ) : أَسْوَد
شاعرمخضرم أدرك الجاهلية والاسلام، غير أنه لم تعرف له صحبة،شاعر عاشق ،يكنى أباعبدالله وسحيم تصغير وترخيم لأسحم بمعنى الاسود0قتل في حدود الاربعين من الهجرة،وكان عبداً أسود نوبياً أعجمياً، وكان ينطق العربيّة بلكنة نوبية، ولكنه أوتي ملكةالشعر، فكان إذا أنشد يبدي إعجابه بشعره فيقول: أهشنت والله، مكان: أحسنت.قيل انأول ماتكلم به من الشعر هوان اهله أرسلوه رائدا فقال:
أنعت غيثاً حسناً نباته
كالحبشي حوله بناته
فقالوا: شاعر والله، ثم انطلق بالشعر بعد ذلك، قيل إنه كان قبيحا وفي قبحه يقول:
أتيت نساء الحارثيين غدوةً
بوجهٍ براه الله غير جميل
فشبهنني كلباً ولست بفوقه
ولا دونه إذ كان غير قليل
وكان نوبيا اسود اللونوفي سواده يقول:
إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً
أو أسود اللون إني أبيض الخلق
ويقول:
كسيت قميصاً ذا سواد وتحته
قميص من الاحسان بيض بنائقه
وما ضر أثوابي سوادي وإنني
لكالمسك لا يسلو عن المسك ذائقة
يروي صاحب" الشّعر والشّعراء" عن سحيم عبد بني الحسحاس أنّ عبد الله بن ربيعة المخزومي أباالشاعر المعروف عمر بن أبي ربيعة اشتراه و كتب إلى عثمان بن عفّان "انّي قد اشتريتلك غلاما حبشياّ شاعرا فكتب إليه: " لا حاجة لنا فيه ، انّما حظّ أهل العبد الشّاعرمنه إذا شبع أن يشبّب بنسائهم، و إذا جاع أن يهجوهم".فاشتراه بنو الحسحاس وهم بطنمن بني أسد ثم باعوه بعد مدة فلما رحل به من اشتراه قال في طريقه:
أشوقاً ولمّا تمضِِ لي غير ليلة
فكيف إذا سارالمطي بنا شهرا
وما كنت أخشى مالكاً أن يبيعني
بشىء ولو كانت أنامله صفرا
أخوكم ومولاكم وصاحب سركم
ومن قد توى فيكم وعاشركم دهرا
فلما بلغهم شعرههذا رثوا له واستردوه فكان يتشبب بنسائهم ، يجالس سحيم نسوة من بني صبير كان منشأنهن اذا جلسن للتـّغزّل أن يتعابثن بشقّ الثيّاب وشدّة المغالبة على إبداءالمحاسن والمفاتن، فلا يستشعر أيّ خجل في أن يشاركهنّ لعبة التّـعرّي.[2]
يقول سحيم:
كأنّ الصبيرياّت يوم لقيننا
ظباء حنت أعناقهنّ المكانس
فكم قد شققنا من رداء مزنّر
ومن برقع عن ناظر غير ناعس
اذا شقّ برد نيط بالبرد برقع
على ذاك حتى كلنا غير لابس
ومن جيد شعره:
عميرة ودّع إن تجهّزت غازيا
كفى الشيبُ والإسلام للمرء ناهيا
توسدني كفّا وتثني بمعصم
عليّ وتحوي رجلها من ورائيا
تجمّعن من شتّى ثلاثا وأربعا
وواحدة حتى كملن ثمانيا
ُسليمى وَسلمى والرباب وتربها
وأروى وريا والمها والخطاميا
تداعين من أقصى الخيام يعدنني
نواهد لم يعرفن خلقا سوائيا
يعدن مريضا هن قد هيجن داءه
ألا إنما بعض العوائد دائيا
تعاورن مسواكي وأبقين مذهبا
من الصوغ في صغرى بنان شماليا
رأت قنبا رثّا وسحق عباءة
وأسود مما يملك الناس عاريا
فلو كنت وردا لونه لعشقنني
ولكنّ ربي شانني بسواديا
فما بيضة بات الظليم يحفّه
ا ويرفع عنها جؤجؤا متجافيا
ويجعلها بين الجناح ودفّه
ويفرشها وجفا من الزفّ وافيا
فيرفع عنها وهي بيضاء طلّة
وقد واجهت قرنا من الشمس ضاحيا
مروحا إذا صام النهار كأنما
كسوت قتودي ناصع اللون طاويا
شبوبا تحاماه الكلاب تحاميا
هو الليث معدوّا عليه وعاديا
فأصبحت الثيران غرقى وأصبحت
نساء تميم يلتقطن الصياصيا
نعمتُ به عيناً وايقنت أنّهُ
يحطّّ الوعول والصخور الرواسيا
فلما تدلى للجبال وأهلها
وأهل الفرات جاوز الجّر ضاحيا
وقد تنبأ عمر ابنالخطاب، رضي الله عنه، بقتله حين سمعه، مرّة ينشد متغزلاً:
توَسّدني كفّاً وتثني بمعصم
عليّ وتحوي رِجلها من ورائيا
فقال له : إنكلمقتول00
اجترأ سحيم على التشبيب بنساء مواليه وقال أبياتاً يشبب فيها بأخت مولاه، وكانت عليلة، وأولها:
ماذا يريد السَّقام من قمر= كلّ جمال لوجهه تَبَعُ
فلما أفرط في التغزل بنساء مواليه ووصف محاسنهن الظاهرة والخافية عزمواعلى قتله، فلما قدموا به ليقتلوه لم يمنعه موقفه وهو على شفا الهلاك من قول بيتينيظهر فيهما استهانته بالموت ويفخر بما صنعه بنساء مواليه، قال:
شدو وثاقَ العبد لا يفلتكم
إن الحياة من الممات قريبُ
فلقد تحدّر من جبين فتاتكم
عرقٌ على متن الفِراش وطيبُ
فحفروا له أخدوداًوألقوه فيه ثم ألقوا فوقه الحطب فاحرقوه حيا ،
يقال إنه أدرك النبي عليه الصلاةوالسلام وإنه تمثل بشطر من شعره ولكنه قدّم وأخر في الكلمات وأنقص من لفظه فاختلالوزن قال عليه الصلاة والسلام:
كفى بالإسلام والشيب ناهياً
فقال له أبو بكر: يا رسول الله، كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً.
ولما لم تستقم للرسول صلى الله عليه وسلم روايته على وجهه قال له أبو بكر: أشهد أنك رسول الله (وما علمناه الشعروما ينبغي له)[3]
و سحيم أحد الشعراء الذين جنى عليهم منطقهم وهم كثيرون حصرهم صاحبا كتابي "شعراء قتلهم شعرهم" وقصائد قتلت أصحابها" ويزيد عددهم على عشرين كان بعضهم في الجاهلية واشهرهم طرفة بن العبد والغريب أن اكثرهم كان في العصر الإسلامي وفي عز الدولة الإسلامية.
في عز الدولة الإسلامية التي تأسست على إحقاق الحق وإنصاف المظلومين، تم التخلص من نفس بشرية مسلمة بطريقة بشعة لا تمت بأي صلة إلى صلب الدين، حرق الأدميين أحياء. طريقة فريدة في الأنتقام حال ظني أنها لم تحصل أصلا وإلا لكان من أولى شأن المسلمين ردة فعل يسجلها لهم التاريخ في شأنها.[4]
وحتى لا أتمادى في تكرار ما ورد في مشاركات الإخوة فإني سأكتفي بالتعليق على ما كان من شأنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
جاء في كتاب "طبقات فحول الشعراء" لابن سلام الجمحي، في خبر لم يعزه إلى أحد على عادته، ما يلي في شأن سحيم:
عميرة ودع إن تجهزت غاديا
كفى الشيب والإسلام والمرء ناهيا
فقال: لو قلت شعرك مثل هذا أعطيتك عليه. فلما قال:
فبات وسادانا إلى علجانة
وحقف تهاداه الرياح تهاديا
وهبت شمال آخر الليل قرةٌ
ولا ثوب إلا درعها وردائيا
فما زال بردي طيبا من ثيابها
إلى الحول حتى انهج الثوبُ باليا[5]
فقال له عمر: ويلك إنك مقتول
!
فالذي لا شك فيه أن هذه القصيدة قيلت أو بعضها على الأقل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي استشهاده بمطلعها ما يثبتُ ذلك، وفي هذا المطلع ما يفيد أن سحيما شاب في الإسلام وانتهى بنواهيه، وإذا كان الأمر كذلك فإن سحيما عاش على الأقل خمسة وعشرين سنة بعد إنشائه لهذه القصيدة هذا على افتراض أن النبي صلى الله عليه وسلم استشهد بمطلعها في سنة وفاته وان قتل سحيم كان في السنة الخامسة والثلاثين من الهجرة، ومن أضاف إلى شيبه في الإسلام خمسا وعشرين سنة شاخ واكتهل وما عاد لتخريفه قيمة تستدعى القتل بهذه الطريقة البشعة اللهم أن يكون نبشا لثأر قديم لم يقدر عليه إلا حينها