مَن منَّا لا يعرف الكتاب الصغير "حصن المسلم" الذي لا نُبالغ إن قلنا أنَّه وصل إلى كلِّ بيتٍ في العالم العربي والإسلامي، وتطوَّر بعد ذلك حتى أصبح تطبيقًا إلكترونيًّا يصل إلى الآفاق بضغطة زر.
الشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني مؤلِّف "حصن المسلم" أهدى الأمَّة الإسلاميَّة الحصن الحصين من الدعاء، غادر يوم الاثنين (21 محرم 1440هـ= 1 أكتوبر 2018م) إلى ربِّه بعد معاناةٍ من المرض، وشُيِّع في مقبرة النسيم بالرياض في مشهدٍ جنائزيٍّ كبيرٍ يدلُّ على مكانة الرجل وحبِّ الناس له.

من المعروف أنَّ الشيخ الراحل له عددٌ كبيرٌ من المؤلَّفات، لكنَّ كتاب "حصن المسلم" كان هو الكتاب الأبرز حضورًا وانتشارًا، وقد طُبِع منه ملايين النسخ، ربَّما لأهميَّة الكتاب وقربه من الناس واستخدامه من كلِّ فئات المجتمع؛ فهو يحتوي على جوامع الدعاء بعد اختيارها في عمليَّة تنقيبٍ وتمحيصٍ نادرة.

وُلِد الشيخ القحطاني عام (1372هـ= 1953م)، ودرس في كليَّة أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود، ثم تخرَّج فيها عام (1404هــ= 1984م)، وواصل دراساته العليا حتى حصل على الدكتوراه عام (1419ه= 1998م)، برسالةٍ عنوانها "فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري".

انشغل الشيخ القحطاني منذ صغره بالعلم والدعوة والتحصيل العلمي، وبلغت مؤلَّفاته قرابة 80 مؤلفًا، وبعضهم يقول إنَّ مؤلَّفاته وصلت إلى 130 مؤلَّفًا، وقد تُرجمت بعضها إلى لغاتٍ أجنبيَّة، أبرزها كتاب "حصن المسلم" الذي تُرْجِم إلى 44 لغةٍ أجنبيَّة.

تميَّز الشيخ الراحل بالانكفاء على الدعوة إلى الله وإيصال العلم إلى الناس، ولذلك لم يُعرف كثيرًا في المنابر الإعلاميَّة إلَّا عبر كتبه؛ فهو لم يشغل نفسه في المعارك الكلاميَّة والخلافات الجانبيَّة، بل ركَّز على العلم والدعوة، وكانت نتائج وبركة ذلك كبيرةً للغاية.

من يُتابع الإنتاج العلمي للشيخ الراحل يجد غزارةً في الإنتاج والهمَّة الكبيرة في التأليف والكتابة ونشر العلم والدعوة؛ فكتبه متنوِّعة بين الشروحات، والفقه، والطاعات، وشرح المناسك، وتبيين الفضائل، والأمور التي تتعلَّق بالعبادات، وما يحتاجه المسلم في يومه وليلته، وهذا يدلُّ على قرب الرجل من الناس واعتناءه بتجويد عباداتهم وتوجيههم نحو الطريق الصحيح.

ولعلَّ مقابلته لسماحة الشيخ العلَّامة عبد العزيز بن عبد العزيز بن باز رحمه الله، ودراسته على يديه منذ عام (1400هــ= 1980م) إلى أن مات في عام (1420هـ= 1999م)، قد وسعت فكر وعلم الشيخ القحطاني، واستفاد منه كثيرًا؛ حيث كان يدرس في حلقاته العلميَّة عددًا من الكتب والشروحات والتفاسير والمصطلح وغيرها.

غير العلم الغزير الذي كان يملكه الشيخ الراحل القحطاني؛ فقد حصل -أيضًا- على ثلاث إجازاتٍ في القرآن الكريم، ما يدلُّ على أنَّ الرجل كان منقطعًا للقرآن وعلومه والدعوة وإرشاد الناس، وهو ما يعكس ذلك الحزن الذي ظهر على الناس بعد خبر وفاته؛ فقد امتلأ مسجد الراجحي في الرياض بجموع المودِّعين له، واستمرَّت وسائل التواصل الاجتماعي في النشر عن مناقبه والدعوة له وتوديعه لليوم الثاني على التوالي، وما كان ذلك ليحصل إلَّا بتوفيقٍ من الله وحسن نيَّةٍ وإخلاص.

رحل الشيخ سعيد بن وهف القحطاني ولكن بقيت مكارمه ومآثره على حدِّ قول الشاعر الإمام الشافعي:

قَدْ مَاتَ قَوْمٌ وَمَا مَاتَتْ مَكَارِمُهُمْ وَعَاشَ قَوْمٌ وَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْوَاتُ

قصة الإسلام