الثورة هي إحداث التغيير الذي يمر عبر محطات ثلاث في الكتاب؛ الاستعداد ثم الانطلاق ثم الاستمرارُ؛ والتغييرُ يشملُ الجزء والكلّ سواء، إذْ لا نستطيع تغيير المجتمع من حالة سيّئة إلى حسنة أو حسنة إلى أحسن منها دون أن نراعي فلسفة التغيير وبنيتها؛ وهي تغيير العنصر (المحور) أي الإنسان في حد ذاته باعتباره المركز في التغيير والمسؤول عن نتائج تعامله وفهمه لمسألة التغيير.
والشهور المذكورة هي عُمَدٌ رئيسةٌ للمسلمين يستردُّ فيها الناس ما ضاع منهم في الشهور الماضية؛ فشهر شعبان المُتشّعبِ الخيراتِ هو محطة لدخول سكّة الإيمان والاجتهاد بالتقرب من الله بالعبادات والمعاملات؛ والاستعدادُ وصف دقيق من صاحب الكتاب لأنّ غفلة الناس تتعدد بتعدد الأسباب وأكبر غفلة هو أن ينتظر من يروم التغيير شهرَ رمضان ناسيا فضائل شهر شعبان، إذ لا انطلاقَ دون تهيئة أسباب ذلك. وما شعبانُ إلا مدخل لشهر التغيير الأعمق.
والانطلاقُ يُؤسَسُ بالجماعة التي تظهر عليها علامات التآخي والتآزر وهذا ما نراه في شهر رمضان؛ شهرٌ يكون فيه المؤمن مشبعا بأمل تغيير نفسه قبل بلوغ رمضان، يمر عبر رحلة الاستعداد الشخصية التي تتلاحم مع رحلة الانطلاق الجماعيّة فيتحقق التغيير الذي تنشده الشريعة الربانية لتتحقق عمارة الأرض بأسمى معاني الارتقاء بالنفس؛ فباستعداد النفس تترشّد مطالب الإنسان الروحية والقلبية والعقلية والبدنيّة؛ وإذا استعد واستحضر رقابة الله في هذه المطالب كان انطلاقهُ تحليقا إلى الله بجناحي الشوق (للصائم فرحتان / 1حين يفطر / 2حين يلقى الله) وما أروع تحليق الإنسان وهو صائم ليلقى الله طاهر البدن والقلب.
هذا بعد شعبان ورمضان؛ أما ثالثة الأثافي فهو شوّال؛ إذ لم يكتفِ المؤلف بالشهرين رغم قدرتهما أو قدرة الإنسان فيهما على التغيير؛ فآثر أن يضيف شوال باعتباره أساس الارتقاء بالنفس عن طريق الاستمرار في معرفة ما كُلّف به الإنسان في الأرض؛ فكل توقّف بعد رمضان قد يعطّل القلب والروح (باعتبارهما الجانب العلوي من الإنسان) ويطلق العنان للبدن (شهوات البطون والفروج) لذا فبالاستمرار ينطلق القلب والروح ويترشّد البدن فيتسامى الإنسان بالرقي بعيدا عن البهيميّة.
والكتابُ من حيث الشكل جالب للاهتمام بداية من العنوان إلى الشعار الثلاثي إلى صورة العدّاء من الانحاء إلى الاستقامة، وألوانه وفقراته تدفع القارئ للنهل منه فهو واضح الخط غير محشوٍّ بالأمثلة المشوشة على الفكرة.
ومن حيث المضمون صيغ صياغة واضحة لكل قارئ أو باحث عن التغيير؛ بداية باللغة المبسطة السلسلة إلى الأمثلة والشواهد المتنوعة والتقسيم المحكم للفصول وأقسام الفصول، كما يتميّز بالخطة العمليّة وهي غاية في الأهمية فقلّما نجد كتابا ينقلك من التنظير إلى سُبل التدبير.
إلا أنّه أطنب في ذكر الأمثلة والشواهد في الفصل الثاني المتعلق بشهر رمضان حتى صار يكرر الشواهد دون حاجة لذلك؛ وقد يُعذر في ذلك لوجود كمّ هائل من الأحاديث والشواهد المتعلقة بشهر رمضان.
الكتابُ دعوة صريحة للاستعداد واسترجاع ما ضاع؛ استعدادٌ في شهر الوعي بالتغيير ثم السعي إلى الارتقاء بالنفس بالانطلاق نحو العلا لتكون النتائجُ الدافعة للاستمرار وتحقيق أسمى معاني قوله تعالى (قل آمنت بالله ثم استقم)
عامر غزير