من أغراض الضرورات الشعرية
يا صاحبي لا يجيك خليف = امخضبٍ عشر الأصباعي(1)
لا يعجبونك اعيال الصيف = حشوٍ زهت عقب مرباعي
هذان البيتان لا أشك بأن معانيهم لا تخفى على السامع، ولستُ هنا في صدد شرحٍ لمعنىٍ مجهولٍ من معاني ألفاظهما، أو جملهما، ما عدا جملةً واحدة من جملهما، ألا وهي " عيال الصيف "، والتي أوردها الشاعر هنا، بمعنى أن مواليد الصيف زاهية بصفات جمالها، ويعني بها مواليد الصيف من نتاج الإبل، لقوله " حشو " تفصيلاً وتوضيحاً لعيال الصيف، التي سبقت " حشوٍ زهت عقب مرباع "، فجاء هذا العجز من البيت ليوضح ما قبله، باضافة حشو زهت إلى عيال الصيف، ولكنه أُضطر لحذف الحشو في فصل الصيف، وعوّض عنه بعيال الصيف، وهذا الاختيار الذي لجأ إليه الشاعر نوع من الضرورات الأدبية، التي يستخدمها قائلها، لسببٍ أو لآخر، علماً بأن الضرورات الشعرية، غالباً يقصد بها تغيير اللفظ بإضافة حرفٍ غير أصلي، إلى اللفظ الأصلي، يلجأ إليه الشاعر، عندما لا يستقيم معه الوزن الشعري، فأما أن يضيف أحد حرفي العلة، الياء أو الألف إللى آخر حرفٍ في القافية، أو أن يستخدم لفظاً مزيداً، بدل لفظ غير مزيد، مثل أن يستخدم فعول أو مفعال بدل فاعل،
أو ما شابه ذلك 000
ونعود إلى شرح معنى ( عيال الصيف )، التي أوردها الشعر هنا للضرورة، بموضع ما ينال الإعجاب، وهي في الحقيقة عكس ذلك، لأن عيال الصيف، أي مواليد فصل الصيف، لا تعجب أحد، لأنها وُلدت بعد فصل الربيع، الذي هو الغذاء الرئيسي الذي تسمن عليه الدواب، وفيه هذا الفصل يتوفر الحليب، الذي يتغذى عليه المواليد، ومواليد الصيف، يفوتها العشب، والحليب، وتسمى مواليد الصيف من أولاد الغنم التلوي، وهو البهم الذي وُلد بعد زوال فصل الربيع، وأصبح لا يغادر القطين ضمن العزيب، الذي يذهب للمراعي المخصبة، ويطلق على هذا النوع لرداءة حالته، وصغر حجمه بسبب سوء التغذية القرافيش، جمع قرفوش، وإذا وصف بها شخصاً، فانما يوصف على معنى الضعف، والتحقير، لأن هذا النوع لا يجمّل في الكرم، ولا في البيع 0
ومعنى قول الشاعر:
لا يعجبونك اعيال الصيف = حشوٍ زهت عقب مرباعي
أراد بذلك وصف بعض الشباب، أصحاب الجمال الفاره، المغري، على معنى التشبيه بأولاد الإبل، التي تولد في الشتاء، وتسمن على العشب، والحليب، فتكون مكتملة أعضاء الجسم، حسنة السحنة، لوبرها أو شعرها نضارة وبريق، بعكس أولاد الصيف، فإن شعرها أو وبرها خالٍ من حسن الطلاوة، مجعّد، يوحي بسوء حال هذه النوعية 0
وبالنهاية أترك لك الحكم عزيزي القارئ، لتحكم أنت بنفسك على الغرض الحقيقي، الذي كان يريده الشاعر، من هذه القصيدة، أهو من باب الصدق أم من باب الفكاهة
0
الحاشية:
1- خليف: تعني بالمعنى العامي الشخص المفسد المخبب، الذي يتحين فرص الغياب، والخلوة بالنساء، مأخوذٌ من المخالفة بمعنى المعاقبة، لمن يخالف غيره، ويعاقبه كل ما يغيب،
إلى من وراءه، وهذا اللفظ يعني صفة ثابتة مستمرة بصاحبها، وهي من أقبح وأذم الصفات، شرعا وعُرفا، وصاحبها منبوذاً غير مرغوبٍ فيه
م