هو أبو الحسن محمد بن يزيد، جده مهلب بن ابى صفرة الأزدى، يعرف بأسم ابن هانى و يلقب بمتنبى الغرب. ولد فى أشيلية بالأندلس أيام الخليفة الأموى الناصر لدين الله عبد الرحمن الثالث فى سنة (326هـ) (937م) وقد مال إلى العلم باكراً فلزم دار العلم بمدينة قرطبة بتشجيع من والده الذى كان أديباً و شاعراً، فنظم الشعر و حفظ أشعار العرب و أخبارهم.
ولما أستقامت شخصيته الأدبية راح يتصل بالأمراء يمدحهم و منهم صاحب أشبيلية الذى أكرمه.لكن ميليه إلى الملذات جعل الناس ينقمون عليه، فترك أشبيلية و أنتقل إلى المغرب و كان له من العمر سبعة و عشرون سنة، و أتصل هناك بعدد من الأمراء أشهرهم جعفر بن على بن أحمد أمير الزاب، و كان جعفر كريماً فنظم أبن هانى فيه وفى أخيه المدائح الكثيرة و لقى الإكرام و نال الشهرة.
ووصل خبره إلى صاحب أفريقيا المعز لدين الله فطلبه، و مدحه ابن هانى بعدة قصائد ونال الإكرام. و لما قصد المعز إلى مصر التى كان قد أفتتحها قائده جوهر سنة 385هـ - 972م. و يروى المؤرخون خبر موته بطرق متعددة، منها أن ابن هانى نزل ضيفاً عند جماعة فى مجلس أنس و سكر ثم عمدوا إلى قتله، و قيل إنه خرج فى حالة سكر فنام فى الطريق و أصبح ميتاً من شدة البرد، وقيل إنه وجد فى ساقية مخنوقاً، و المعروف إنه مات و هو دون الأربعين. ولما بلغ الخبر المعز تأسف و قال :
" هذا الرجل كنا نرجوا ان نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر لنا ذلك".
كان ابن هانى شديد العناية باللفظ قليل الأهتمام بالمعنى، فكان يختار المفردات التى يشتد وقعها فى الأذن و يهم بمتانة التركيب الشعرى،و هذا ما أعطى شعره إيقاعاً صاخباً. و هو يكثر من الصور البراقة و يعتمد المحسنات و التشابيه و الأستعارات التى تشغل النظر فيتعامى القارئ بذلك عن معانى، و هذا مثال من شعر ابن هانى :
وجنيتم ثمر الوقــأئـــــع يانعاًو يبدو معجباً بالمعانى البدوية فيحمه خياله إلى رمال البادية و مضارب الأعراب، فيكثر من ذكر أسماء القبائل و الأحياء و الأماكن المعروفة. وهو يميل إلى نظم القصائد الطويلة التى يكثر فيها الغريب و يكتنفها الغموض، كما يعتمد الكوافى الغليظة التى يشتد وقعها فى السمع، مع جنوح إلى المبالغة فى المعانى كما فى قوله:
بالنصر من ورق الحديد الأخضر
أوما ترى الدنيا و جامع حسنهاولم يكن للطبيعة حظ كبير فى شعر ابن هانى، بخلاف سائر الأندلسيين،لأنه شغل بالموضوعات السياسية و بوصف قصور الأمراء. و بفضل ميله إلى حياة اللهو وصف الخمرة و مجالسها و لم يأتى فيها بمعانى جديدة. و فى مدائحه برع الشاعر فى وصف الحروب و السلاح يساعده فى ذلك خيال جامح مبتكر، كما أمتاز بوصف السفن البحرية و أنواعها.
صغرى لديه، وهى تعظم شأنها
ومحمل القول ان ابن هانى الأندلسى كان من كبار شعراء المغرب و الأندلس و كان ذا نمط شعرى يختلف كلياً عن الخط المعروف عند الأندلسيين، وهو فى لغته و شعره أقرب إلى الشعراء المشارقة منه إلى الشعراء الأندلسيين.و نختتم الحديث هن ابن هانى بقصيدة يصف فيها أسطول المعز لدين الله:
لك البر و البحر العظيم عبابة
فسيان أغمار تخاض و بيد
قباب كما تزجى القباب على المها
ولكن من ضمت عليه أسود
وما راع ملك الروم إلا اطلاعها
تنشر أعلام لها و بنود
مواخر فى طامى العباب كأنه
لعزمك بأس أو لكفك جود