وضِيئةُ الوجهِ لا بدرٌ يُشابِهُها
مُحمرَّة الثَّغرِ لا وردٌ يُدانِيها
بيضَاءُ حمراءُ لا وصفٌ يُطابِقُها
كأنَّها الشَّمسُ قَد مالت خطاوِيها
واللهِ لو سكبُوا قَصائِدَهُم لها
ما جاوزُوا فِي وصفِها الإبهاما
بِمُحَمّدٍ حَرْف البَيَانِ يُعَظّمُ
خَيْر الأنَامِ لَهُ المَقَامُ الأعْظَمُ
وَاللهِ مَا خَلَقَ الإلهُ كَمِثْلهِ
فَبِرَبّكِمْ صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا.
مَا لِي وقفتُ على القبورِ مُسلّماً
قبرَ الحبيبِ فلم يرد جوابي
أحبيبُ مالك لا ترد جوابَنا ؟
أنَسيتَ بعدي خلة الأحبابِ؟
قال الحبيبُ: وكيف لي بجوابكم!
وأنا رهينُ جنادلٍ وترابِ
أكلَ التراب محاسني فنسيتكم
وحُجِبْتُ عن أهلي وعن أترابي
فعليكمُ مني السلام تقطعتْ
مني ومنكم خلة الأحبابِ.
الكَوْنُ عَيْنَاكِ لا شَمْسُ وَلا قَمَرُ
والرّوْضُ خَدّاكِ لا غُصْنٌ ولا ثَمَرُ
وأنْتِ في دَوْحَةِ الأحْلامِ أُغْنيَة
يشدو بِها الحُبّ، لا نَايٌ ولا وَتَرُ.
هل تذكرين علياً في تهجُّدهِ ؟
كأنَّ محرابهُ التنور مستعراً
أهواكِ مقدار ما صلَّى أبو حسنٍ
وِردًا وأكثرُ مما أطعم الفُقرا.
علموه كيفَ يجفو فجفا
ظالمٌ لاقيت منه ما كفى
مسرفٌ في هجرِه ما ينتهي
أَتُراهم علَّموه السَّرَفا؟
"لها وجهٌ تُحاسِدهُ المِلاحُ
تذوبُ به القلوبُ و تُستباحُ
إذا جنَّ المساءُ يصيرُ بدرًا
وشمسًا كلما حلَّ الصباحُ..
هَوَينَا و الهَوَى وَهْمٌ سَرَابُ
يُظَنُّ لِنَاظِرٍ فِيهِ الشَّرَابُ
فَيَالَيتَ الهَوَى سَهْلٌ وإلّا
لِمَن يَرجُ الخُرُوجَ يَكُونُ بَابُ
فَفِي زَمَنٍ أحَبَّ فَتَىً فَتَاةً
بِصَمتٍ و العُيونُ لَهَا خِطَابُ
و قَد كَانَ العَفَافُ بِهَا رَقِيبٌ
و إن نَادَى الهَوَى العُذرِي أجَابُوا
و قَد رَامَ الوصَالَ بِشَرعِ رَبّي
فَقَد تُشفَى الجِرَاحُ و تُستَطَابُ
و لِكِنّ الإلَـٰهَ أرادَ شيئًا
و إن لَم يُستَخَار لَقُلتُ خَابُوا
فَهَأنَا قَد قَصَصتُ لَكُم حَيَاتِي
فَوَاهًا لِلْهَوَى، تَعَبٌ و صَابُ
قُتِلتُ لِمَرَّتَينِ عَلَى التَّوَالِي
و قَلبي قَد تَقَاسَمَهُ الترابُ
لِفَاتِنَةٍ أهيم بها ولكنْ
دروبُ الحُبُّ تملؤُهَا الصِّعَابُ
أطَالَتْ بِالصّدُودِ عَلَى فُؤَادِي
ولَا يُجْدِ الكَلَامُ ولَا العِتَابُ
فَلِي أمَلٌ و كَانَ لَهُ جَنَاحًا
و قَد كَسَرَتْ جَنَاحَيْهِ العُقَابُ
فَإنْ يَكُ مَا رَجَوْتُ فَمِنكَ رَبّي
و إلّا فَالرِّضَى فِيهِ الثَّوَابُ.
ما بال ُرَحْبِ الكونِ أضحى ضيِّقًا؟
قد كنتُ ألقى في المضيقِ رحابَا
حتى الطّريق معبّدٌ لكن إذا
سرنا بهِ صار الطريقُ ضبابا
و شعوري اليأس اصطفاه فلو هَمَا
غيثٌ علينا، قلت : كان سرابا.
هَذِي مَنَازِلُ أَقْوَامٍ عَهِدْتُهُم
فِي خَفْضِ عَيْشٍ عَجِيبٍ مَالهُ خَطَرُ
صَاحَتْ بِهِمْ نَائِبَاتُ الدّهْرِ فَانْقَلَبُوا
إلى القُبُورِ فَلَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرُ.
ما زلتُ أوقنُ أننا لن نفترق
وأنّ أيام السعادة آتية
فربيعُنا مازال يعبق بالورودْ
والأمنياتُ تجاوزت كل الحواجزِ والحدودْ
وقلوبنا رغم المصاعب تأتلقْ
ما زلت أوقنُ أننا لن نفترق
ْفالله حين أظلنا بظلالهِ
وأذاب بالحب البديع قلوبنا
لم يُعطنا تلك المشاعرَ
كي تموتّ و تحترقْ.
كم قلتُ سوفَ أُذيقُها
غزلَ المُحبِّ المُستهَام
ولكَم حفظتُ لأجلِها
أجمل أحاديثَ الغرام
فإذا التفتُ لحُسنِهَا
سكتَ الكلامُ عن الكلام
وأضعتُ ما أعددتهُ
حتى ابتدائي بالسَّلام
وَقَفتُ بها في وَحشةِ الليل وَقفةً
أثارَ شجاها كامِنُ الوجد في صَدري
ذكرتُ بها العَهدَ القدِيمَ الذي مضى
ولم يَبقَ منهُ غيرُ بالٍ من الذكرِ
ومن خَدّها يَحْمَرُّ ياقوتُ عِقْدِها
ويصفَرُّ إِمّا خَجْلةً أَو تَهيُّبا
وأَبْصَرَ طَرْفي في الدُّجى أَلْفَ كَوْكبٍ
فلم أَرَ فيهم غَيْرَ وجهِكِ كَوْكَبَا.