لقد تَخَلَّيْتُ عن قلبي وعن رَشَدي |
وظَلْتُ أحمِلُ أوقاراً مدى الأبدِ |
حتى العصافيرُ ألقاها فأحْسَبُها |
مثل الجِمَالِ مُناخاتٍ بلا قَتَدِ |
والكأسُ تحْلُمُ في كفّي فأحْطِمُها |
حطمًا أشُدُّ إليه مُنْتَهى عَضُدِي |
حتى بكيتُ عليها في نهايتِها |
وهْيَ التي ما بكتْ يوماً على أحدِ |
واليومُ كالليلِ لا عنوانَ في غدِهِ |
أفي ضَلاَلِ الدُّجَى أرجو صباحَ غدِ؟ |
* * * |
شوركتُ في الفرحِ الأعلى وقد تَرَكتْ |
فِيَّ المُنى سُبُحاتٍ من هِنٍ وَدَدِ |
وَعُدْتُ أتْئَرُ عيْناً في مدى عُمُرٍ |
وأشْرَئِبُّ بِطَرْفٍ غيرِ ذي رَمَدٍ |
حتى وجدتُ الهوى يَفْتَرُّ كَالِحَهُ |
عن مثلِ سابغةٍ مسنونةِ الزَّرَدِ |
واليومَ أنتَ على الستّينَ تجعلُها |
ربطًا لِنَعْلِكَ في قِدٍّ، وفي قِدَدِ |
* * * |
هذي الأزاهيرُ وَسْنى في خَمِيلَتِها |
كأنّها أطْلِقَتْ وشياً بلا عَدَدِ |
هذي النّجائبُ في أطْفالِ جَنَّتِها |
مثلُ القرائحِ قد أُلْقِينَ بالصَّفَدِ |
مثلُ المداكي غِلاباً في أعِنَّتها |
يَقْدِفْنَ في حلَبَاتِ السَّبْقِ بالزَّبدِ |
بلى.. هناك غرابٌ لا نسامِرُهُ |
ولا نُناورُهُ في كلِّ مُلْتَحَدِ |
نضيقُ ذرعاً بدنيانا وأحْرَ بنا |
ألّا تضيقَ عُرَى الأنهارِ بالثَّمَدِ |
* * * |
كأنَّني لم أكن يوماً أخا مِقَةٍ |
ولم أذُرَّ فُتَاتَ المِلْحِ من حسَدِ |
هذي التَّفاهاتُ قد كنّا نَطيفُ بها |
كما يُطافُ بِبَيْتِ اللهِ ذي العمَدِ |
أدَرْتُ في خَلَدِي من وَهْمِ ذاكرةٍ |
شَوْهاءَ ما لم تَدرْ يوماً على خَلَدِ |
وَعُدْتُ أبْلَعُ دمعي أسْتَسيغُ به |
ما قد يُلَطفُ نارَ الشَّوْقِ في كَبِدي |
فمن أنا؟ ما دمي؟ ما وزنُ عاطفتي |
فيما يُؤَلَّفُ بين النارِ والبَرَدِ |
ألا ترى شَبَحاً يَجْتابُ مُتَّشِحًا |
غَيَابِةً ما خلتْ يوماً من الرَّصَدِ |
تُهَوِّمُ العينُ، والآمالُ صاحيةٌ |
لكنّني ببقايا السِّن في دَرَدِ |
فلا تَقُلْ مَنْ أنا.. إنّي فتىً شَحَبَتْ |
به المنى كشُحُوبِ السَّحْقَةِ الجَرَدِ |