رحلــــة مسيرة المخدرات عليهم السلام

اليوم التاسع عشر من محرم الحرام (61هـ) كانت المسيرة الثانية بعد المسيرة الأولى من كربلاء الى الكوفة

...حركة سبايا الإمام الحسين () من الكوفة الى الشام .


إتفق أرباب المقاتل على أن أهل الكوفة ساروا ببنات الرسالة وصبية الحسين من كربلاء يوم الحادي عشر من

المحرم بعد الزوال ... ثم في التاسع عشر تم سيرهم إلى الشام وتسبقهم الرؤوس على الرماح ، ساروا بالعقيلة

زينب الكبرى سلام الله عليها والتحق ركب النساء والأطفال بصحبة الإمام زين العابدين الذي قيّد بالسلاسل

والجامعة الحديدية،وقد حملوا جميعاً على أقتاب الإبل العجاف التي كانت بغير وطاء.. في هذا الطريق قرابة عشرين يوماً حتى بلغوا الشام .

بعث عبيدالله ابن زياد برأس الحسين فدير في سكك الكوفة وقبائلها , ولما فرغ القوم من الطوائف به في الكوفة ,

ردوه الى باب القصر فدفعه ابن زياد الى زجر بن القيس (ذكر بعضهم زحر بن قيس الحاء المهملة . ) ودفع إليه

رؤوس أصحابه وسرحه الى يزيد ابن معاوية وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي , وطارق بن أبي ضبيان في

جماعة من أهل الكوفة حتى وردوا بها على يزيد ابن معاوية بدمشق , ثم إن عبيدالله بن زياد بعد أنفاذه رأس

الحسين أمر بنسائه وصبيانه فجهزوا وأمر بعلي بن الحسين فغل بغل الى عنفه , ثم سرح في أثر الرؤوس مع محقر

ابن ثعلبة العايد , وشمر بن ذي الجوشن , فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس الشريف .

قال الراوي : ولما ساروا بالسبايا وقد أخذوا جانب الفرات حتى إذا وردوا الى المنزل وكان منزلاً خرباً فوجدوا هناك مكتوباً على الجدار :

أترجوا أمة قتلت حسينا * شـفاعـة جده يوم الـحساب

فلا والله ليس لهم شفيع * وهو في يوم القيامة في العذاب


ففزعوا وارتاعوا ورحلوا من ذلك المنزل , وجعلوا يجدون السير الى ان وافوا ديراً في الطريق , وفيه راهب ,

فنزلوا ليقيلوا به فوجدوا أيضاً مكتوباً على جدرانه أترجوا امة قتلت حسينا إلى آخره , فسألوا الراهب عمن كتب هذا الشعر ؟

فقال : هذا ههنا من قبل أن يبعث نبيكم بخمسمائة عام ,ففزعوا من ذلك ورحلوا عن غير الجادة متنكبين طريق العام

خوفاً من قبائل العرب أن يخرجوا عليهم ويأخذوا الرأس منهم .

وكلما مروا على حي من الأحياء طلبوا منهم العلوفة ويقولون معنا رأس خارجي , فلما وصلوا الى تكريت (تكريت

بلدة مشهورة بين بغداد والموصل , وهي الى بغداد أقرب , قيل سميت بتكريت بنت وائل , فتحها المسلمون في أيام عمر ابن الخطاب سنة 16 هـ.)

كتبوا الى عامليها بأن يستقبلهم , فلما وصل الكتاب إليه فأمر بالبوقات فضربت والأعلام فنشرت والمدينة فزينت ,

ودعنى الناس من كل جانب ومكان من جميع القبائل , فخرجوا لاستقبالهم , وكان كل من سألهم يقولون :

هذا رأس خارجي خرج علينا بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء , فقتله الأمير عبيدالله بن زياد (لعنه الله)

وأنفذ برأسه معنا الى الشام . ثم رحلوا من تكريت وسارواعلى طريق البر حتى نزلوا بوادي النخلة , فلما كان الليل

سمعوا بكاء نساء الجن على الحسين وهو يقلن

نسـاء الـجن يبـكين شجيات * يسعدن بـنوح للـنساء الهاشميات

ويلطموا خدوداً كالدنانير نقيات * ويندبن حسيناً عظمت تلك الرزيات



ثم رحلوا من وادي النخلة وساروا حتى وصلوا الى لينا (قال ياقوت : أكبر قرية من كورة بين النهرين التي بين

الموصل ونصيبين) وكانت عامرة بالناس فخرجت المخدرات والكهول والشباب ينظرون الى رأس الحسين ويصلون عليه وعلى جده وأبيه , ويلعنون من قتله ويقولون :

يا قتلة أولاد الأنبياء اخرجوا من بلدنا , فخرجوا منها واجتازوها يجدون السير حتى وافوا عسقلان (عسقلان مدينة

حسنة على ساحل بحر الشام من أعمال فلسطين يقال لها عروس الشام , ولها سوران , وهي ذات بساتين وثمار ,

بها مشهد رأس الحسين وهو مشهد عظيم وفيه ضريح الرأس والناس يتبركون به , بنيت في أيام عمر بن الخطاب

وخربها السلطان صلاح الدين الأيوبي سنة 583) وأمر أميرها فزينوها فرحاً وسروراً بقتل الحسين , ثم ساروا

منها حتى وصلوا نصيبين (نصيبين قرية من قرى حلب .) وكان الوالي عليها منصور بن الياس فزين البلدة ,

ونصبوا الرؤوس في الرحبة من الظهر الى العصر .

قال الراوي : وبات حاملي الرؤوس فيها تلك الليلة حتى الصباح ثم رحلوا منها الى قنسرين (قنسرين مدينة بينها

وبين حلب مرحلة من جهة حمص بقرب بالعواصم وكانت عامرة بأهلها إلى أن كانت سنة 351 تفرق عنها أهلها

خوفاً من الروم . قال ياقوت : فليس بها اليوم إلا 8 خان ينزله القوافل , وعشار السلطان وفريضة صغيرة . )

وكانت عامرة بأهلها ثم غادروها جادين بالسير حتى وافوا كفر طاب (كفر طاب بلدة بين المعرة ومدينة حلب في

برية معطشة ليس لهم شرب إلا ما يجمعونه من مياه الأمطار . ) وكان حصناً صغيراً فلم يدخلوه لأن أهل الحصن

منعوهم وسألوهم الماء فلم يسقوهم فرحلوا عنها وأتوا سيبور (سيبور موضع معروف . ) ففعلوا كما فعل أهل كفر

طاب وعمدوا الى قنطرة كانت قرب بلدهم فهدموها لأن لا يدخلها قتلة الحسين .

قال الراوي : وشهروا السلاح عليهم فقال لهم خولي : إليكم عنا , فحملوا عليه وعلى أصحابه وقاتلوهم قتالاً شديداً

, فلما نظرت ام كلثوم ذلك قالت : ما اسم هذه المدينة ؟ فقيل لها : سيبور , فقالت :
أعذب الله شرابهم وأرخص أسعارهم ورفع أيدي الظلمة عنهم .

قال الراوي : فلو إن الدنيا كلها ظلماً وجوراً لما نالهم إلا قسط عدل , ثم ساروا الى أن وصلوا حماة (حماة بالفتح

مدينة كبيرة عظيمة كثيرة الخيرات رخيصة الأسعار وهي قديمة جاهلية ذكرها امرؤ القيس في شعره , كانت عمل

حمص) فغلق أهلها الأبواب في وجوههم وصعدوا على سورها , وقالوا :

والله لا تدخلون بلدتنا ولو قتلنا عن آخرنا , فلما سمعوا ذلك ارتحلوا منها فوصلوا الى حمص (حمص بلد مشهور

قديم مسور وفي طرفه القبلى قلعة حصينة على تل عال كبيرة , وهي بين دمشق وحلب في نصف الطريق , يذكر

ويؤنث , وبحمص من المزارات والمشاهد : مشهد علي بن أبي طالب فيه موضع إصبعه , وقبر سفينة مولى رسول

الله صلى الله عليه واله وسلم واسم سفينة مهران ـ ويقال بها قبر قنبر مولى علي بن أبي طالب , ويقال أن قنبر

قتله الحجاج وقتل إبنه ميثماً التمار بالكوفة ,
(أما قبر ميثم فهو الآن مشيد يزار بالكوفة ) وبحمص قبور لأولاد جعفر

بن أبي طالب إلى غير ذلك من المشاهد ) وكان الأمير خالد بن نشيط , فزين البلدة فرحاً وسروراً . .

قال الراوي :
ووقعت حادثة بين أهل حمص وبين حاملي الرؤوس , فجعل أهل حمص يرمونهم بالحجارة حتى قتل في ذلك اليوم ستة وعشرون فارساً , ثم أغلقوا الباب في وجوههم , فقال بعضهم :

يا قوم أكفر بعد إيمان , فخرجوا وتحالفوا أن يقتلوا خولي بن يزيد ويأخذوا منه الرأس ليكون فخر لهم الى يوم

القيامة , فبلغهم ذلك فرحلوا عنهم خائفين وأتوا بعلبك (بعلبك مدينة قديمة فيها أبنية عجيبة وآثار عظيمة , وهو اسم

مركب من بعل ا سم صنم وبك أصله عنقه أي دقها , وتباك القوم أي ازدحموا , قيل بعلبك كانت مهر بلقيس وبها

قصر سليمان بن داود وهو مبني على أساطين الرخام , وبها قبر إلياس النبي وبقلعتها مقام إبراهيم الخليل وبها قبر

أسباط ) فأظهر أهلها الفرح والسرور واستقبلوا حاملي الرؤوس بالماء والفقاع والسويق والسكر , وهم يغنون

ويصفقون له فرحين بقتل الحسين , فلما نظر السجاد إلى ذلك أنشأ يقول :

هو الزمان فلا تفـنى عجائبه * عن الكرام ولا تـفنى مصائبه

فليت شعري إلى كم ذا تجاذبنا * صروفه وإلـى كـم ذا نجاذبه

يسيرونا على الأقـتاب عارية * وسائق العيس يحمي عنه غاربه

كأننا من اسارى الـروم بينهم * أو كلمـا قـاله الـمختار كاذبه


وقال الآخر :

فمن بلدة تسبى إلى شر بلدة * ومن ظالم تهدي إلى شر ظالمفي وصول السبايا والرؤوس إلى دمشق الشام

قال أرباب المقاتل في الحوادث التي جرت في طريق الشام على السبايا منها أنهم لما وصلوا الى جبل جوشن

(جوشن جبل مطل على حلب في غربها , وفي سفحه مقابر ومشاهد للشيعة .
هكذا ذكر ياقوت في المعجم , قال :

ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه , ويقال إنه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي رضي الله عنه

ونساءه وكانت زوجة الحسين حاملاً , فأسقطت هناك , فطلبت من الصناع خبزاً أو ماء فشتموها ومنعوها , فدعت

عليهم فمن ذلك اليوم من عمل فيه لا يربح , وذكرت هناك الخبر في كتابي ـ الدعوات المستجابة ـ وفي قبلى الجبل

مشهد يعرف بمشهد السقط ويسمى مشهد الدكة والسقط يسمى محسن بن الحسين رضي الله عنه ) بالسبي أسقطت زوجة الحسين

وأوقفوا أهل الشام الدفوف والطبول , فلما بلغ السبي جيرون (جيرون بناء عند باب دمشق من بناء سليمان بن

داود , وقيل : إن من بنى دمشق جيرون بن عاد بن أروم بن سام بن نوح , وبه سمي باب جيرون , وقال أبو

عبيدة : جيرون عمود عليه صومعة , «معجم البلدان») كان يزيد على سطح قصره فلاحت له الرؤوس والسبايا أنشأ قائلاً :

ولداً كانت قد سمته محسنا , فدفنوه هناك , ولما وصلوا الى دمشق الشام وكان اليوم الأول من شهر صفر , ذكر البهائي في كتابه الكامل , قال :

لما بدت تلك الـرؤوس وأشرقت * تلك الشموس على ربى جيرون
نعب الغراب فقلت نح أو لا تنح * فلقد قـضيت من النـبي ديون


و في البحار (انظر ج 45 ص 172 .) قال السيد رحمه الله , فلما قربوا من دمشق الشام دنت ام كلثوم من الشمر , فقالت له : لي إليك حاجة , فقال لها : ما حاجتك ؟ فقالت :

إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل نظاره , وتقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل فقد خزينا من

كثرة النظر إلينا , ونحن في هذه الحالة , فأمر اللعين في جواب سؤالها بالعكس أن تجعل الرؤوس على الرماح ما

بين المحامل بغياً منه وكفراً , وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفقة , حتى أتى بهم باب دمشق فوقفوا على درج المسجد ـ الجامع ـ حيث يقام السبي.

قال سهل الساعدي (سهل بن سعد الساعدي : كان من جملة الصحابة , من الحفاظ وكان آخر من مات بالمدينة من

الصحابة رحمه الله . ) : دخلت الشام فرأيت الأسواق معطلة والدكاكين مقفلة والناس في فرح وسرور , فقلت في نفسي :
الأهل الشام عيد لا أعرفه ؟

قال : فرأيت جماعة يتحدثون , فقلت : مالي أرى الناس في فرح وسرور ؟

فقالوا : كأنك غريب ؟ قلت : نعم , فقالوا : ما أعجبك أن السماء لا تمطر دماً والأرض لا تنخسف بأهلها ؟!

قلت : ولم ذاك ؟ قالوا : هذا رأس الحسين يهدى من العراق . فقلت : وا عجباه يهدى رأس الحسين والناس

يفرحون , ثم قلت لهم : من أي باب يدخل ؟ فأشاروا الى باب يقال له باب الساعات .

قال : فبينا أنا كذلك وإذا بالرايات يتلوا بعضها بعضها وإذا نحن بفارس يحمل سناناً عليه رأس من أشبه الناس

وجها برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن خلفه النساء على الجمال بغير غطاء ووطاء , فدنوت من إحدى النساء , وقلت لها : يا جارية من أنت ؟


فقالت : أنا سكينة ابنة الحسين . فقلت لها : ألك حاجة فأقضيها سيدتي ؟ أنا سهل الساعدي ممن رأى جدك رسول الله وسمع حديثه .

قالت : يا سهل ,
قل لحامل هذا الرأس أن يقدم الرؤوس أمامنا حتى يشغل الناس بالنظر إليها قال : فدنوت من حامل الرأس فقلت له : هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار ؟

قال : وما هي ؟ قلت : تقدم الرأس أمام المحامل ففعل ذلك , ودفعت إليه ما وعدته .

قال الراوي : وجاء شيخ الى السجاد وقال : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح البلاد منكم وأمكن أمير المؤمنين يزيد منكم , فقال علي بن الحسين

قال : نعم , فقال : هل قرأت هذه الآية : يا شيخ هل قرأت القرآن ؟ «
«قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى »» ؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك , قال : فنحن ذوالقربى , فهل قرأت هذه الآية «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» ؟

قال الشيخ : قد قرأت ذلك , فقال السجاد , نحن أهل البيت الذي خصصنا بآية التطهير , فبقى الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلم به , ثم قال : بالله إنكم هم ؟

فقال علي بن الحسين : تالله أنا هم , فبكى الشيخ ورمى عمامته ورفع رأسه الى السماء وقال : اللهم إني أبرء إليك من عدو آل محمد من الجن والإنس .

ثم قال : سيدي هل لي من توبة ؟ فقال علي السجاد : نعم إن تبت تاب الله عليك , وأنت معنا , قال : أنا تائب , ويروى أنه بلغ ذلك يزيد فأمر بقتله .

قال الراوي : وأنشأ السجاد يقول :

اقاد ذلـيلا في دمـشق كـأنني * من الزنج عبد غاب عنه نصير

وجدي رسول الله في كل مشهد * وشيخي أمير المؤمـنين أمـير

فياليتني أمي لم تلدني ولم أكن * يراني يزيد فـي الـبلاد أسير


وقال الشاعر :

مالي أراك ودمع عيـني جامد * أوما سـمعت بمحنة السجاد

ويصيح وا ذلاه أين عشيرتي * وسراة قومي أين أهل ودادي

منهم خلت تلك الديار وبعدهم * نعب الغـراب بفرقتي وبعاد




فسلام الله على من حملت الرسالة المحمدية
وعلى من حمت عيال اخيها عليهم السلام
ولعن الله ظالمي ال محمد من الاولين والاخرين

نسألكم الدعاء