بين المضحك والمبكي، والسار والمحزن.. تزدحم الساحة العراقية بعد عام 2003 بكم هائل من الأخبار والأحداث اليومية على الأصعدة كافة،
أما المضحك منها فهو الشغل الشاغل لفئة معينة تقوم أعراسها على مآتم العراقيين،
وأما المبكي فهو حصة النسبة العظمى من المواطنين الذين ينطبق عليهم مثلنا الشعبي القائل: "جزنا من العنب انريد سلتنا".
وهم الذين لايبتغون غير العيش بسلام ووئام في عراقهم، رافعين شعار (نعم للعلاگة.. لا لباقي الحقوق)
بعد أن حتم عليهم واقعهم العيش دون الكفاف، إلا من كان محظوظا ومحسودا فيصل حد الكفاف.
ولعل من المضحك المبكي أيضا ماقرأته يوما عن تحقيق أجراه أحد الصحفيين الأوربيين مع شاب عراقي،
إذ سأله في نهاية لقائه معه قائلا: هل لديك أحلام تتمنى تحقيقها؟
أجاب الشاب بعد تنهد طويل: أتمنى شيئين فقط؛ "أن أتزوج.. وأن يكون لي بيت"..!
فقال له الصحفي: سألتك عن أحلامك.. وليس عن حقوقك..!.
فيالبؤس المواطن حين يغدو نيل حقوقه أبعد من تحقيق أحلامه..
ومن المؤسف والمؤلم ان من بين ساسة العراق نفرا يُعدّون من (حبال المضيف)
إلا أنهم يريدون للعراق التأخر والتقهقر، والبقاء في خانة الدول التي تفوز دائما بالمرتبة الأولى في الفساد والجريمة،
وتريحهم حالات انعدام حقوق الانسان وضياع كثير من المواطنين تحت خطوط الفقر المدقع،
ويتلذذون بسماع الأرقام والنسب التي تعكس تفشي الفقر والجهل والأمية والمرض،
وتسعدهم كثيرا أخبار هجرة العقول والصراع بين القوميات والأطياف،
ناهيك عن الدم والقتل والدمار الذي يطال الأزقة والمحلات والأسواق وبيوت الله والمدراس،
وكل مرفأ يؤوي المواطنين الأبرياء. والغريب أنهم يتربعون على أعلى مناصب في البلد،
وبيدهم دفة القيادة بشكل أو بآخر.
ويأتي في صدارة الكم الهائل من الأخبار موضوع الفساد، الذي مد أذرعه الأخطبوطية في مفاصل البلد جميعا دون استثناء،
وتنوع بين مالي وإداري وسياسي وشخصي، ولعل المقبل من الأيام يأتي لنا بأصناف جديدة من أنواعه. كذلك من الأخبار التي تشغل المواطن،
الوضع الأمني، الذي عادة ماتتصدر أخباره وتقاريره الصفحات الأول من الصحف اليومية بالمانشيت العريض والطويل،
ولاتخلو فضائية من سبتايتلات متصلة تسرد العواجل من الكوارث التي تحدث في الشارع العراقي، بانفجار او اغتيال او خطف او اقتحام،
ومن المؤكد ان حوادث مثل هذه لها تداعيات تنعكس على باقي أركان البلد.
ورغم هذا كله، مازال العراقيون يتأملون خيرا ومازالوا متشبثين ببيت شعر قاله الطغرائي يوما:
أعلـل النفـس بالآمال أرقبهـا
ماأضيق العيش لولا فسحة الأمل
فالأمل كل الأمل يبنيه المواطن على السياسيين الذين يعتلون صهوة المسؤولية العليا في البلد،
مطالبا إياهم بالقضاء على أس المشاكل وأساسها، ذاك هو الفساد، ويطالبهم أيضا بإيلاء جانب الأمن والأمان الأهمية القصوى،
وهذا لن يتم إلا بالالتفات الى الجهات العليا في القوى الأمنية لبيان نقاط الخلل ومكامن الضعف، وكشف الخروقات والاختراقات،
والعمل بجد على وضع اليد على كل ما له علاقة بالوضع الأمني. وقطعا هذا لن يأتي إلا من خلال المعلومة الاستخبارية الدقيقة،
والتعاون التام بين أجهزة الدولة المعنية، والعمل على درء الاعتداء قبل حدوثه، لابعد خراب البصرة و (الموصل وصلاح الدين وكركوك وبغداد).