دخلت امرأة لعبت دوراً بطولياً وملحمياً، مادة "التاريخ" المقرر دراسته للصف السادس ابتدائي في المدارس السعودية.
ويسرد المنهج ولأول مرة، قصتها في صد الغزاة والذود عن أرضها قبل نحو 213 عاماً، لتصبح إحدى الحكايات التي تُروى في الجزيرة العربية، طوال العشرين عقدا الماضية.
وتدخل ملحمة "غالية البقمية" التي قادت معركة "تربة" الشهيرة عام 1228، وانتصرت بها مع جيشها ضد قائد الدولة العثمانية وقواته الغازية، إبان الدولة السعودية الأولى، وسيتعرف الطلاب كيف استطاعت طرد الغزاة وتبديد أحلامهم من تربة، في قصة شهيرة سجلتها الرواية التاريخية والشعرية في الجزيرة العربية، ووثقتها كتابات المستشرقين.
وفاة زوجها
ويظهر اسم "غالية" حين قادت أبناء بلدتها وتصدت للغزاة العثمانيين بقيادة مصطفى بك، وسطرت ملحمة تداولتها الأجيال، ووقفت غالية البقمية مع جيشها للدفاع عن البلدة، بقيادة الفرقة المدافعة وتحفيزهم وتنظيم المؤن وتوزيع الأسلحة عليهم، وكان نتيجة ذلك انهزام القوات الغازية بعد أن خسروا المئات وفر البقية.
وقد عمدت غالية البقمية على قيادة الفرقة وترتيبها بعد وفاة زوجها في نفس المعركة، وكان آنذاك أمير تربة حمد بن محيي، وإخفائها ذلك عن الجيش، وقيامها بمهام القائد في واحدة من أعظم الملاحم التي سجلتها الجزيرة العربية بقيادة امرأة.
وتصف الدكتورة دلال الحربي في كتابها "نساء شهيرات" كيف وقفت غالية ببسالة منقطعة النظير، وانقضت بجيشها على فرقة المدفعية في قوات مصطفى بك، وأجبرتها على الفرار، وانسحب مصطفى بفلوله مخلفاً وراءه مدافعه وذخيرته التي غنمها السعوديون وقد وصفها العثمانيون بعد الهزيمة بالمرأة الساحرة.
الأتراك يخشونها
ويصفها الرحالة والمؤرخ السويسري "يوهان لودفيك بركهارت" حينما كتب مذكراته في كتابه "ملاحظات عن البدو والوهابيين" بقوله: "كان بعض البقوم العرب من الرعاة وبعضهم من المزارعين، ترأسهم أرملة تدعى غالية، وكان زوجها أحد كبار رجال تربة، وتمتلك غالية ثروة أكثر من أي عائلة عربية، في الحي أغدقت الأموال والمؤن على جميع فقراء قبيلتها المستعدين لمحاربة الأتراك".
ويكمل بركهارت بوصفه غالية: "كان مجلسها مفتوحاً لجميع المخلصين ورئيسهم الذي يعقد اجتماعاته في منزلها، فلم يكن صوتها مسموعا في المجلس فقط بل كان الطاغي بشكل عام كما كانت تحكم البقوم بالرغم من وجود حاكم أو رئيس منتخب يدعى ابن خرشان".
ويضيف بركهارت: "كان اسم غالية قد انتشر في سائر أنحاء البلاد، بعد أول هزيمة اعترت مصطفى بك بالقرب من تربة، وسرعان ما تعززت مخاوف الجنود الأتراك من نفوذها وهيمنتها".
المناهج وغالية
ويرى سليمان الفايز متخصص تربوي، أن إعادة توجيه التركيز نحو أشياء تشبهنا، بما فيها قصة غالية، خصوصاً أن نسبة 55 بالمئة من الطلاب في السعودية هم من الفتيات، وتدريس ذلك يعني أن التاريخ وملامحه يشبهنا وقصة غالية ليست ببعيدة عن الأمهات.
كما يشير الفايز إلى أن تسليط الضوء على مثل هذه القصص، يزيل الانطباع السائد بأن المرأة ربة منزل فقط، بل ساهمت وشاركت عبر التاريخ في كثير من الأحداث وبالتالي هي مصدر فخر لكل من حولها.
ويختتم الفايز بقوله: "أصبحنا الآن ندرس تاريخنا، ونعيد اكتشافنا من جديد، وهذا لصالح الأجيال القادمة ولصالح الوطن ومقدراته".