- جريمة عدم اداء ضريبة الدخل في العراق
- لمى عامر محمود ناجي
- رسالة دكتوراة مقدمة الى قسم القانون كلية القانون جامعة بابل سنة 2003
- القانون العام
نشأت الضريبة منذ القدم بوصفها مصدراً لإيرادات الدولة ، والغرض من فرضها وجبايتها هو الحصول على الأموال لتغطية النفقات العامة . وبعد أن أصبحت الدولة متدخلة ، وهجرت نظرية الدولة الحارسة ، أصبح للضريبة شأن في إقتصاد الدولة وتسيير مرافقها على أتم وجه ، فشرَّعت القوانين لتحصيل دين الضريبة ، وتحديد المكلفين الملزمين بأدائها . وعليه أصبحت الضريبة أداةً تخدم السياسة الإجتماعية والإقتصادية للدولة ، وغدا النظام القانوني الضرائبي بما ينطوي عليه من قواعد من المسائل التي يحرص المواطن على متابعتها والإهتمام بها . إلاَّ أنَّ التشريعات الضريبية تختلف من بلد إلى آخر ، فتكون قوانين الضرائب في الدول المتقدمة واضحة في تبيان الدخول الخاضعة للضريبة من ناحية ، والنسب المقررة عليها ، ومن ناحية أُخرى ، أنَّ هناك إرتفاعاً في مستوى الوعي الضريبي للمكلفين ، إذ تعمل الإدارة الضريبية على تعريف المكلفين بحقوقهم وواجباتهم الضريبية ، كما تعمل على مساعدتهم عند أدائهم الضريبي وإستيفاء إجراءاتها الأصولية كافة ،مما يجعل من المكلف راضياً بها وطائعاً في تسديدها ، وبالأوقات التي تحددها القوانين . أمَّا في البلدان النامية فإنَّ الإرتباك في العمل الضريبي هو الميزة البارزة ، سواء أكان ذلك الإرتباك على مستوى التشريع نتيجة لتعدد الثغرات التي تتخلل النصوص القانونية ، أم على مستوى التطبيق العملي نتيجة لضعف كفاءة الإدارة الضريبية ، هذا فضلاً عن تدني الثقة بين المكلفين والسلطة المالية ، ورغبة المكلف في الإحتفاظ بأمواله لنفسه بدلاً من التنازل عنها للدولة، إعتقاداً منه أنَّ المنفعة التي تعود عليه من دفع الضريبة لاتعادل المنفعة التي يحصل عليها نتيجة الإحتفاظ بأمواله ، لاسيما أنَّ المواطنين جميعاً يستفيدون من خدمات الدولة بصرف النظر عن القيام بأداء الضريبة . مما يجعل عدم الأَداء ظاهرة يتلمسها العاملون في هذا المجال. وتأسيساً على ما تقدم ، ولأجل تحصيل دين الضريبة فقد أوضحت التشريعات أنََّ عدم أَداء دين الضريبة أو التلاعب في مقداره أو إستعمال أساليب التحايل أو الغِش التي تحصل من المكلف من أجل عدم أدائه أو إنقاصه بما لايتناسب ودخله ، جريمة نصَّ عليها وعلى عقوبتها . ولأجل تسليط الضوء على هذه الجريمة وتبيان أركانها العامة والخاصة ،وهل تسري عليها الأحكام العامة في قانون العقوبات أم أنَّ لها أحكامها الخاصة ، ومعرفة العقوبة المقررة لها ، لذا تمَّ اختيارها لتكون موضوعاً للبحث . لأنَّه من الضروري إيضاح هذه الجريمة لكل من رجال القضاء ، وموظفي السلطة المالية ، والمكلفين ليتعرفوا على حدودها والأفعال التي تندرج تحت مفهومها ، لكي يتجنب المكلف الفعل المجرَّم ، ولايقضي القاضي بما لايعد جريمة ، ويقف رجال السلطة المالية على معالمها ، كي لايشغل القضاء بما لايعد فعلاً مجرماً ، وذلك نظراً لأهميتها الإقتصادية ،ومايستلزمه الأمر من ضمان موارد مستمرة لخِزانة الدولة . إذ إنَّ حدوث خلل في الحصول على هذه الموارد يؤدي إلى تصدع كبير في النسيج المالي للدولة ، ومن ثمَّ إلحاق الضرر بالمجتمع ككل ، وخاصة بعد أن برز دور الضرائب في تمويل الخِزانة بعد توقف أهم مصدر لتمويلها وهو النفط بسبب الحصار الذي إستمر منذ آب 1990. ولغرض إيجاد الحلول المناسبة التي لم يرد بشأنها نص في قانون ضريبة الدخل الحالي، كان لابدَّ من الإستعانة بالقوانين الأخرى مثل القانون المدني وقانون التنفيذ وقانون تحصيل الديون الحكومية وقانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية . أمَّا أهم الصعوبات التي واجهتني عند إعداد البحث ، فعلى الرغم من أنَّ موضوع ( الضرائب ) يحتل أهمية كبيرة ، كونه يشكل العمود الفقري لميزانية الدولة ، إلاَّ أنَّ فقهاء القانون المالي في العراق لم يولوا جريمة عدم أَداء الضريبة الإهتمام الذي تستحقه ، كما أنَّها لم تكن محل إهتمام فقهاء القانون الجنائي ، وذلك لأنَّ الجريمة تخضع للأحكام العامة في قانون العقوبات في حالة عدم وجود نص خاص في قانون ضريبة الدخل . من جهة أُخرى ، فإنَّ الصعوبة أيضاً كانت في عدم إمكانية الحصول على قرارات قضائية بشأن الجريمة ، وذلك لأن الإتجاه المعمول به في قانون ضريبة الدخل هو منح السلطة المالية صلاحية إجراء التسوية الصلحية وقبل إصدار الحكم لإسقاط العقوبات السالبة للحرية التي تختص المحاكم بفرضها ، فضلاً عن قلة المصادر الحديثة التي تتناول الموضوع بسبب ظروف الحصار . ولغرض دراسة الجريمة فإنَّنا سنقسم البحث على ثلاثة فصول ، يتناول الفصل الأول ماهية ضريبة الدخل ، من خلال التعريف بضريبة الدخل وبيان خصائص دين الضريبة محل الجريمة، ثم تحديد طرق أَداء الضريبة والإجراءات التي تتخذها السلطة المالية لمنع إرتكاب الجريمة ، أمّا الفصل الثاني ، فيتناول أركان جريمة عدم الأَداء وأحكامها العامة ، إذ يتم تحديد الأركان التي يستلزمها قيام الجريمة ، وبيان مدى خضوع جريمة عدم الأَداء للأحكام العامة في قانون العقوبات ، ويتم التطرق إلى عقوبة الجريمة وأسباب انتفائها في الفصل الثالث ، وذلك من خلال بيان العقوبة المقررة للجريمة ، وتحديد الأسباب التي تحول من دون تنفيذها.
منقول للفائدة