توني موريسون: وداعاً لأعظم كاتبة.. نحن جميعاً مدينون لها كثيراً
جيكوزي أوبوما *
ترجمة / أحمد فاضل
لقد استيقظت مثل الكثيرين على نبأ وفاة الكاتبة الأميركية الإفريقية الكبيرة توني موريسون ، وبما أنني أصبت نتيجةهذا الخبر بدايةً بالاحباط ،
فإن ردة فعلي انتقلت ببطء من صدمة إلى خوف ، ثم إلى شعور بالهدوء ، فإذا حكمنا على أنفسنا أن للعمر أحكامه القطعية حيث يتركنا في أخريات أيامنا أكثر هشاشة عن ذي قبل ، أو اتسمنا بالانسحاب التدريجي من أعمالنا بسببه ، فإن موريسون مثل معظم الكُتاب الكبار ، لم تصبها سنواتها الثامنة والثمانون بالكبر ، بل واصلت تقديم قصصها وأفكارها بروحية قوية ، فقد تم إصدارها The Source of Self-Regard " مصدر احترام الذات " ، وهو استكشاف إضافي لبعض الموضوعات الواسعة المتعلقة بالعرق والكرامة التي اكتشفتها طوال حياتها في روايات مثل : Beloved " محبوبة " و The Bluest Eye " أزرق عين " ، ومنذ بضعة أشهر فقط ، نُشر لها في خارج الولايات المتحدة كتابها " فم مليء بالدم " وهو مجموعة من مقالاتها وخطبها التي نشرتها سابقاً ، وهو حصيلة 40 عاماً احتوى على تأملاتها بما في ذلك أفكارها وحججها حول السياسة والفن والكتابة ، كما يحتوي الكتاب على الإرشادات وجلسات الأسئلة والأجوبة المكتوبة والأفكار والتحليلات ، والتفسيرات ومحادثات أخرى تعود لسنوات طويلة ، بمعنى آخر إنه كتاب كبير ، غني ، غير نمطي .
وحتى وقت قريب ، شهدنا دفقاً ثابتاً من الروايات منها : " الله ساعد الطفل " ، التي تم نشرها في نفس اليوم الذي نشرتُ فيه روايتي الأولى The Fishermen " الصيادون " ، في عام 2015 ، ولم يكن هناك ما يشير إلى انتهاء كتابتها المستمرة من القصص والأفكار الرائعة ، ومع وفاة موريسون ، يشعر العديد من الكُتاب اليوم أننا فقدنا أمنا الأدبية ، وعلى الرغم من أنني نشأت في مدينة في نيجيريا ، إلا أن أول كاتبين أميركيين قرأتهما كانا من السود ريتشارد رايت وموريسون ، فقد قرأت Black Boy " صبي أسود " في سن 11 أو 12 عاماً ، ثم موريسون The Bluest Eye " أزرق عين " ، إنها قصة مدمرة لفتاة سوداء تدمرها تدني احترام الذات الذي فرضه عليها مجتمع يتضاءل فيه جنسها وثقافتها على أنهما قبيحان ولا يستحقان الاحترام ، وعندما كنت صغيراً في نيجيريا ، وبعد أن توصلت ببطء إلى فهم أن الأفارقة كانوا ينظرون إليهم من قبل بقية العالم على أنهم مجرد لون أسود ، فقد رأيت الضوء في هذه القصة القاتمة وأدركت أننا إذا بدأنا في التعمق في أنفسنا سنفخر بتراثنا ، وسوف نرى الجمال الحقيقي فينا وما يقوله بقية العالم عنا ، أو كيف يروننا ، لن يتمكنوا أبداً من قتل روحنا .
وعندما يثني على موريسون كاتب كبير هو النيجيري شينوا أتشيبي ، فهي شهادة كبيرة بحقها ، فقد اعترف أنها ساعدته على اكتشاف ما أسماه " حرية الكتابة " في أننا نستطيع أن نروي قصصنا الخاصة ، وبذلك نرفع من شأن شعوبنا في نظر العالم ، وبالتفكير في حياتها ، أشعر بشعور بالسلام لأنني أعلم أنني تعلمت الكثير من موريسون على المستوى الحرفي ، اعتقد أنها كانت أعظم كاتبة أمريكية حية وواحدة من أفضل مصممي النثر في العالم ، في إحدى المرات ومن على متن إحدى الطائرات التي جمعتني بمارتن آميس ، وولي سوينكا ، سلمان رشدي وآخرون ، قلت لهم وبجرأة شعرت لحظتها بدهشتهم :
" اللغة الإنكليزية هي لغة اعتبرها لغة غنية وعنصرية للغاية بنفس الوقت ، حينما أجد فيها ما يشعرني أني مختلف عن الناطقين بها بسبب ما يقولونه عنا ، لكنني أعدُ نفسي كأحد الكتاب العديدين من الدول الاستعمارية السابقة الذين يكتبون الآن باللغة الإنكليزية ، والتي أصبحت لدينا اللغة الوطنية ، فقد كان علينا إيجاد طرق لإخضاعها وقهرها ، وجعلها خاضعة لحساسيتنا الثقافية ، جزء من هذا القول قد يشمل ليس فقط الكتابة باللغة الإنكليزية بل بالطريقة التي نريدها ، كان هذا بالضبط ما فعلته موريسون طوال حياتها فقد شجعتني على الكتابة عن الدين التقليدي والثقافي والفلسفي الأفريقي دون تحفظ ، حتى لو كان بقية العالم - و حتى الأفارقة أنفسهم - يرون أنها متخلفة وغير سارة فقد وجدت فيها إضاءات رائعة ، لأن جيلاً جديداً من الكتاب السود والإفريقيين سوف يستمرون في فعل ذلك ، بتشجيع من العمل العظيم الذي تركته لنا - ولهذا ، أشكرها .
جيكوزي أوبوما (من مواليد 1986) هو كاتب نيجيري وأستاذ مساعد في الأدب والكتابة الإبداعية في جامعة نبراسكا لينكولن ، وقد تم استدعاؤه للكتابة في صحيفة نيويورك تايمز ، كما تم اختياره كواحد من 100 مفكر عالمي من قبل مجلة السياسة الخارجية