على بوّابة بلدة «المزار» في الأردن
مقام جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه
شبيه الرَّسول الأكرم خَلْقاً وخُلُقاً





ما إنَْ تطَأ قدماك أرض المَقام، حتّى تعود بك الذّاكرة إلى غزوة مؤتة (8 للهجرة/629 م) واستشهاد أُمراء الغزوة الثّلاثة؛ جعفر الطيّار، وزَيْد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة، وعددٍ كبير من الصَّحابة.
تحقيق «شعائر» لهذا العدد حول مقام الصّحابي الجليل، القائد الشهيد، شبيهِ رسول الله خَلْقاً وخُلُقاً، جعفر بن أبي طالب الطيّار رضوان الله عليه.

تُعرَف المنطقة التي تضمّ رُفات شهداء مُؤتة بـ «المَزار» نظراً إلى وجود مراقد أولئك الشّهداء ومزاراتهم، وأبرز تلك المراقد هو مرقد جعفر الطّيار عليه السلام.
تقع مراقد الشهداء على بُعد 11 كلم من جنوب مدينة الكرك الأردنيّة، وعلى بُعد كيلومتر واحد إلى الشّرق من الشّارع العامّ المُؤدّي إلى بلدة المزار، وتتوسّط هضبة منفتحة ارتفاعها عن سطح البحر حوالي 1214م، ومن الشّمال يُلامس كتفَيْها ميدانُ معركة مؤتة الشَّهيرة.
وقد أُدرِجت أسماء الشّهداء الذين قَضوا في غزوة مؤتة في نصب جميل أُقيم عند مدخل البلدة، يتصدّرهم اسما الشهيدين زيد بن حارثة وجعفر الطيّار الذي نستهلّ التحقيق بنبذة عن سيرته.

بطاقة تعريف

هو جعفر بنُ أَبي طَالب بنِ عَبْدِ المُطَّلِب بنِ هَاشم، وَأُمّه فاطمةُ بنت أسد بن هاشِم، وُلد سنة 33 قبل الهجرة، وكان ثالث الأخوة من وُلْد أبي طالب، أكبرهم طالب، وبعده عقيل، وبعده جعفر، وبعده عليّ عليه السلام، وكلّ واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين.
وكانَ لِجعفَر مِنَ الْولد عبْد اللَّه (وهو زوج السيّدة زينب عليها السلام) وبه كان يُكَنَّى، وَمُحمَّد وعَوْن، أُمّهم أَسْمَاء بنْتُ عمَيْس. وُلدوا جميعاً لِجعْفر بِأرضِ الْحبشَة.
أَسْلَم جعْفر بن أَبي طَالب قبْل أَنْ يَدخل رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله دار الأَرْقَمِ ويَدعو فيها، ورَوى الشيخ الصَّدوق أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، كان يصلِّي ومعه أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، فَمَرَّ أبو طالب ومعه جعفر، فرآهما، فقال لجعفر: صِلْ جناح ابن عمِّك، فائْتَمَّ جعفر بالنَّبيّ مع أخيه، ونظر إليهما أبو طالب وانصرف مسروراً.
وعندما اشتدّ أذَى قُريش على المؤمنين، هاجر عددٌ منهم إلى الحبشة تحت حُكم مَلكها النّجاشي، وأمر النّبيّ صلّى الله عليه وآله أن يكون جعفر بن أبي طالب أميرَهم ورئيسَهم، لِيُنظّم أحوالهم ويُشرفَ على شؤونهم، عِلماً أنّه كان أصغر الرّجال المهاجرين سنّا،ً ولكنّه اختير لِرَجاحة عقله، وحِفْظه ما نَزَل من القرآن، وَسعَةِ معرفته بأحكام الإسلام.
ولمَّا شيّعه النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله، فقال: «أللَّهُمَّ الطُفْ بهِ في تَيْسيرِ كُلِّ عَسيرٍ، فَإنَّ تَيسيرَ العَسيرِ عَليكَ يَسيرٌ، إِنّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ. أَسْأَلُكَ لَهُ اليُسْرَ وَالـمُعافاةَ الدّائِمَةَ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ».
وفي الحبشة استطاع جعفر إفحام مبعوثَيْ قريش إلى النِّجاشي اللّذين طالبا بإرجاع المُسلمين إلى مكّة، وفي السَّنة السَّابعة للهجرة -بُعيد فتح حصون خيبر- عاد جعفر وعائلته إلى المدينة المنوَّرة فاسْتقْبلهُ النبيّ صلّى الله عليه وآله وقَبَّل ما بيْنَ عينَيْه، وضمَّهُ إليه واعْتنقَهُ، وقال: «مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أَنَا أشدُّ فَرَحاً: بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَو بِفَتْحِ خَيْبَرَ».

مكانة جعفر

تظهر مكانة جعفر بن أبي طالب جليّاً في الأحاديث المتواترة عن رسولِ اللهِ صلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فعن أبي أيوّب الأنصاريّ، أنّ رسول الله صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ قال لفاطمة عليها السلام: «إنّا أهلُ بيت أُعطينا سَبْع خصال لم يعطَها أحدٌ من الأوّلين قبلنا، ولا يدركُها أحدٌ من الآخرين غيرنا؛ نَبِيُّنا خير الأنبياء وهو أبوكِ، ووصيُّنا خير الأوصياء وهو بَعْلكِ، وشهيدنا خير الشّهداء وهو حمزة عمّكِ، ومَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث يشاء هو جعفر بن أبي طالب ابن عمّكِ، ومنّا سبطا هذه الأُمة، ومَهْديُّهم من ولدكِ».

وقال في حقّه كما ورد في كتاب (ذخائر العُقبى): «أمّا أنتَ يا جعفر، فيُشبه خَلْقُك خَلْقي وخُلُقك خُلُقي، وأنتَ آلي ومن شجرتي. وأمّا أنت يا عليّ، فَخَتني وأبو وُلدي، وأنا منك وأنت منّي..».

وفي المصدر نفسه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أيُّها الناس، إنَّ جعفر بن أبي طالب مرَّ مع جبريل وميكائيل وله جناحان عوَّضه الله عزَّ وجلَّ من يديه فسلَّم عليَّ»، ثمّ أَخبرهم كيف أَخبرهُ حين لَقِيَ المشركين، فاستبان النَّاس من بعد ذلك اليوم الذي أَخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله أنَّ جعفرا لَقيهم، فلذلك سُمِّي جعفر الطيار في الجنّة.
وفي حديث الباقر عليه السلام: «أوحى الله إلى رسوله صلّى الله عليه وآله: إنّي شكرتُ لجعفر بن أبي طالب أربع خصال؛ وهي أنّه لم يشرب خمراً، ولم يَكذب، ولم يَزْنِ، ولم يَعبُد صنماً قطّ».
وفي رواية (الكافي) عن الإمام الصّادق عليه السلام في حديث يوم القيامة: «إنّ جعفراً وحمزة هما الشَّاهدان للأنبياء بتبليغ الرسالة».

استشهاد جعفر بن أبي طالب

في العام الثّامن للهجرة، توجَّهَت سَرِيّة قوامها ثلاثة آلاف مقاتل من المدينة المنوّرة لقتال الرّوم في بلاد الشّام، بعدما قَتَل أحدُ وُلاتهم مبعوثَ النّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إلى هِرَقل. وكان أُمَراء هذه السّريَّة ثلاثة من الصّحابة، وهم: جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة. وعندما وصلوا إلى منطقة مُؤتة، اشتَبكوا مع جيش الرُّوم الذي فاق الجيش الإسلاميّ عدداً وعدَّة، وقاتلوا بكلّ بَسالةٍ فاستُشهد جعفر بعدما قاتل قتال الأبطال، وقُطِعت يداه لإسقاط اللّواء.
بعد استشهاده حمل اللّواء زَيْد بن حارثة الذي قاتل حتّى استُشهد، ثمّ حمله عبدالله بن رواحة إلى أن سَقَط شهيداً. ثمّ ارتأى المسلمون أن ينسحبوا تجنُّباً للخسائر البشريّة، ولا سيّما أنهّم يقاتلون بأرض العدوّ.

مشهد جعفر الطيّار

يقع مرقد ومقام الشهيد جعفر الطيّار في بلدة المزار الأردنيّة كما مرّ، ويعود تاريخ بنائه إلى عهد الفاطميِّين، وقد عُثر في متحف المزار -وهو بناء قديم من عهد المماليك- على ثلاث لوحات رخاميّة بيضاء مكتوبة بالخطّ الكوفيّ، كانت مُثبّتة على الضّريح تعود إلى العهد الفاطميّ.
اللّوحة الأولى، كُتِب عليها: «هذا قبر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه»، وعلى اللّوحة الثّانية: ﴿فرحين بما أتاهم من فضله ويستبشرون..﴾ آل عمران:170، وعلى اللّوحة الثالثة: ﴿ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾ آل عمران:169.
ومن المؤرّخين من يقول إنّ تاريخ بناء المقام يعود إلى عصر المماليك الذين قاموا ببناء الضّريح والقبّة، وأقدم اللّوحات الأثريّة التي تشير إلى هذا الإعمار هي لوحة رخاميّة عليها كتابات بالخطّ الكوفّي مُثبّتة فوق بوابّة متحف المزار، وكُتِب عليها:
«بسم الله الرحمن الرحيم أَنشأَ هذه التُّربة المباركة العبد الفقير إلى رحمة القدير رجاءً لرحمة الله ورضوانه، مستشفعا ًعنده بجيرانه بهادر البدريّ ".." وكان الفراغ منه الثّاني من ذي الحجّة عام سبع وعشرين وسبعمائة».
ويوجد نَقْش آخر في المتحف كُتِب عليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما جُدِّد في أيّام مولانا السّلطان الملك الصالح ".." سنة 752 للهجرة».
وفي سنة 1331 للهجرة/1913م عُثِرَ على نقش في المشهد يدلُّ على أنَّه خضع للصيانة والتّرميم، وتجديد بناء الأضرحة وتغطيتها بالرّخام، طوال العهد العثماني، كما أنّه تعرّض للهدم مرّةً عند احتلال الصّليبيّين لمدينة الكرك، ومرّة أخرى بفعل الزّلازل.
وفي العصر الحديث أُقيمت حفريّات أثريّة أسفرت عن اكتشافات مهمّة منها: العثور على بوابّة تؤدِّي إلى ممرٍّ مُبلّط يصل إلى ساحة المسجد في منتصف الواجهة الشّماليّة، وكذلك العثور على قبّة تعلو أقواساً أربعة، أحدها ظاهر والثّلاثة الباقية مُنهدِمة، وأرضيّتها مبلّطة بالرّخام، كما عُثِر على محراب المسجد الذي يبلغ ارتفاعه مترين تقريباً، وعلى عدد من قطع العمْلة، والأسْرِجة الفخّاريّة، والنّقوش الأثريّة.

التّوسعة

في الفترة الواقعة ما بين عامَي 1930م و 1934م، جُدِّدَ مقام الشهيد جعفر الطيّار في بلدة المزار، وتمّ بناء مسجد كبير تعلوه قبّة كبيرة ويتقدّمه بناءان، تعلوهما قبّتان خضراوان صغيرتان، وبجوارهما مِئذنتان.
وفي سنة 1965م جُدِّد ضريحا زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة الواقعين على بُعد عشرات الأمتار عن مقام جعفر، ونُفّذت خطّة استملاك وإضافة مساحات جديدة لأضرحة الصّحابة الثلاثة.
وفي سنة 1971م، وُضِعت خطّة لتطوير المقام، فتمّ بناء المئذنة، ورُمِّم سقف القبّة والأبواب والشّبابيك، وأُزيل المدخل القديـم، وأُصلِحَت الغرف الأمامية وجُهّزت لتكون متحفاً إسلاميّاً.
وفي سنة 1996م، تمّ توسيع مقام جعفر رضوان الله عليه، وهو الآن المُصلّى الرئيس في اللّواء لِما يَتمتّع به من مساحاتٍ وافِرة.


داخل المقام

أقيم المشهد على مساحة من الأرض قدرها نحو 35 ألف م2، وفي داخله بناءٌ من المَرْمَر عند الموضع الذي استُشهد فيه جعفر الطيّار.
وقبل أن تدخل الرّوضة (حجرة الضريح) حيث دُفن، يَقع نظرك على لوحةٍ من الرّخام وُضِعت على الحائط قرب الباب، كُتِب عليها بِخَطٍّ أسود في ستّة سطور: «هذا مقام الصّحابيّ الجليل الشّهيد سيّدنا جعفر بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، هاجر الهجرتَين وكان القائد في معركة مؤتة وفيها فَقَد ذراعَيه ثمّ استُشهِد، فأَخبر الرّسول أنّ الله قد أبدله بدلاً منها بجناحين يطير بهما في الجنّة، فسُمِّي رضي الله عنه بجعفر الطيّار».
يرتفع الضّريح عن الأرض حوالي متر واحد ونصف المتر تقريباً، يُحيط به سياج حديديّ طُلِي باللّون الأخضر، طوله ثلاثة أمتار وعرضه متران.
وعلى أحد جدران المقام عُلِّقت لوحة كُتب عليها سيرة الطيّار في ثلاثة عشرة فقرة تتحدّث عن نَسَبه، وصلاته مع الرسول صلّى الله عليه وآله، وزواجه من أسماء بنت عميس، وهجرته إلى الحبشة والمدينة وتسميته من قِبَل رسول الله صلّى الله عليه وآله بأبي المساكين، واستشهاده. وقد ذُيِّلت اللّوحة باسم مُهديها لمرقد جعفر الطيّار المحامي الحاج أمير كاظم الصالحيّ (بغداد) وبتاريخ الإهداء 7/4/1995.
وعلى جدارٍ آخَر، لوحة كُتبَ عليها أحد عشر بيتاً من القصيدة المشهورة التي يقول الشّاعر في مطلعها:
دَعِ الأَيّامَ تَفْعَلُ ما تَشاءُ وَطبْ نَفْساً إِذا حَكَمَ القَضاءُ
وتُزيِّن وَسط سقف المقام ثُريَّا مصنوعة من الزُّجاج الأبيض، فيما تتوزَّع المصابيح البيضاء على الجوانب من سقف المقام.
ويزور هذا المرقد عدد غير قليل من النّاس، لا سيّما في أوقات الصّلاة اليوميّة، أغلبهم سكَّان مدينة المزار الذين يُفضِّلون الصّلاة في هذا المكان قُرْب وَلِيٍّ من أوليائه.
وإلى الجنوب من المشهد بعشرات الأمتار، يقع مسجد عبد اللّه بن رواحة في الموقع الذي استُشهد فيه، وكذلك قبر زَيْد بن حارثة.

مرقد زَيْد بن حارثة


على بُعْد مئة وخمسين متراً من مرقد جعفر الطيّار، يَقع مرقد الشّهيد زَيْد بن حارثة. ومقامه صغير لا تزيد مساحته عن اثني عشر متراً مربّعاً. تُحيط بغرفة القبر حديقة متواضعة، ولا يُفتح المرقد أمام الزّائرين إلاّ نهار الجمعة من كلّ أسبوع.
وزَيْد بْنُ حارِثَة بْنِ شَرَاحِيل، أمّه سُعْدَى بِنْت ثعْلَبَة منْ طَيئ، وعندما كان غلاماً زارت أمُّه قَوْمَها، وزَيْد معها، فَأَغارتْ خَيْل لِبَني القَيْن بنِ جَسْر فِي الجاهليَّة، فَمَرُّوا عَلَى بيوت بَنِي مَعْن رَهْط أُمّ زَيْد، فَاحتَمَلوا زَيْدًا، فَوافَوْا به سوق عكاظ، فعرضوه للبَيع فاشترته خديجة بنت خويلد، ثمّ أَعتَقَه النبيّ صلّى الله عليه وآله وتبنّاه.
قال عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ: ما كنّا نَدعُوه إِلَّا زَيْد بن مُحمَّدٍ حَتَّى نزل الْقرْآن: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ..﴾ الأحزاب:5. ثمّ زَوَّجه ابنة عمَّتِه زينبَ بِنْت جَحْش، فطلّقها زيد بعد ذلك فتزوّجها رسول الله، فتكلّم المنافقون في ذلك وطعنوا فيه، وقالوا محمّد يُحرِّم نساء الولد وقد تزوَّج امرأة ابنه زَيْد، فأنزل الله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ..﴾ الأحزاب:40. كما نزلت الآية ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ الأحزاب:37.
كان زيد بن حارثة مِن أقدم الصَّحابة إسلاماً، وله قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «يَا زَيْدُ، أَنْتَ مَوْلاَيَ، وَمِنِّي وَإِلَيَّ، وَأَحَبُّ الْقَوْمِ إِلَيَّ». وبعض المؤرِّخين يَرَون أنَّ النّبيّ جعل له الإمارة في غزوة مؤتة.

مرقد عبد الله بن رواحة


دُفِن الصَّحابي الجليل عبد الله بن رواحة في المزار على مسافة مائة متر من قبر زيد بن الحارثة، وحوالي مائتي متر من قبر جعفر بن أبي طالب.
وعبدالله بن رواحة من الخَزْرَج. كان يَكْتب فِي الْجاهلِيَة وكانت الكِتابَة فِي الْعربِ قلِيلة، وَشهدَ العَقَبة مَعَ السَّبعِين من الأَنصَار، وَهو أحد النُّقباء الاثنيْ عشرَ منهم، وشهِد بَدْراً، وأُحُداً، وَالخنْدق، والحُدَيْبِيَة، وخَيْبَراً وغيرها. ويُعَدُّ من الأُمراء والشُّعراء الرَّاجزين، ولَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ﴾ الشعراء:224، جاء عبدالله بن رواحة وكعب بن مالك وحسَّان بن ثابت وهم يبكون، فقالوا: «يا رسول الله، لقد أَنزل الله هذه الآية وهو يعلم أنَّا شعراء، أَهَلكنا؟»، فأنزل الله ﴿إِلّا الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ..﴾ الشعراء:227، فدعاهم رسول الله فتلاها عليهم. وكان أحد الأمراء في وقعة مؤتة.
يقع مرقده وَسط مُنتزه كبير، ويقوم على رعايته شيخ مُسِنّ، لا يفتح غرفة الضَّريح إلَّا نهار الجمعة أمام الزائرين.

صلاة جَعفر الطّيّارِ

قال المحدث القمي في (مفاتيح الجنان): وهي الإكسير الأعظم والكبريت الأحمر، وهي مرويّة بما لها من الفضل العظيم، وهي تسمّى صلاة التسبيح وصلاة الحبْوَة، وهي من المُستحبّات الأكيدة، ومشهورة بين العامّة والخاصّة، والأخبار متواترة فيها، كما أشار السيّد اليزدي قدّس سرّه في (العروة الوثقى).
وأفضل أوقاتها صَدْر النّهار يوم الجمعة، وهي أربع ركعات بتشهُّدَين وتسليمتَين، يقرأ في الرّكعة الاُولى سورة الحمد و(إذا زلزلت)، وفي الرّكعة الثانية سورة الحمد والعاديات، وفي الثّالثة الحمد و(إذا جاءَ نصرُ اللهِ)، وفي الرابعة الحمد و(قُلْ هوَ اللهُ أحد). فاذا فرغ من القراءة في كلّ ركعة فليقُل قبل الرّكوع خمس عشرة مرّة «سُبْحانَ اللهِ وَالْحَمْدُ للهِ وَلا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَاللهُ أكْبَرُ»، ويقولها في ركوعه عشراً، وإذا اسْتوى من الرّكوع قائماً قالها عشراً، فإذا سَجَد قالها عشراً، فإذا جلس بين السّجدتين قالها عشراً، فإذا سَجَد الثّانية قالها عشراً، فإذا جلس ليقوم قالها قبل أن يقومُ عشراً، يفعل ذلك في الأربع ركعات فتكون ثلاثمائة تسبيحة.
وإذا فرغ من التّسبيحات في السّجدة الثانية من الرّكعة الرابعة، يقول: «سُبْحانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّ وَالْوَقارَ، سُبْحانَ مَنْ تَعَطَّفَ بِالْمَجْدِ وَتَكَرَّمَ بِهِ، سُبْحانَ مَنْ لا يَنْبَغِي التَّسْبيحُ إلَّا لَهُ، سُبْحانَ مَنْ أحْصى كُلَّ شَيْءٍ عِلْمُهُ، سُبْحانَ ذِي الْمَنِّ وَالنِّعَمِ، سُبْحانَ ذِي الْقُدْرَةِ وَالْكَرَمِ، أللَّهُمَّ إنّي أَسْأَلُكَ بِمَعاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ، وَاسْمِكَ الأَعْظَمِ وَكَلِماتِكَ التّامَّةِ الَّتي تَمَّتْ صِدْقاً وَعَدْلاً، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَأهْلِ بَيْتِهِ وَافْعَلْ بي (كَذا وَكَذا)» وتطلب حاجتك.

جواز تأخير التسبيحات، واحتسابُها من نوافل اللّيل والنهار.

جاء في (العروة الوثقى) ووافق عليه المراجع:
• يجوز تأخير التسبيحات إلى ما بعد الصلاة إذا كان مستعجلاً ، كما يجوز التفريق بين الصلاتين إذا كان له حاجة ضرورية، بأنْ يأتي بركعتين ثمّ بعد قضاء تلك الحاجة يأتي بركعتين أُخريَين.
• يجوز احتساب هذه الصلاة من نوافل اللّيل أو النهار أداءً وقضاءً، فعن الصادق عليه السلام: «صَلِّ صلاةَ جعفر أيَّ وقتٍ شئتَ من ليلٍ أو نهار، وإن شئتَ حسبتَها من نوافل اللّيل، وإنْ شئتَ حسبتَها من نوافل النهار، تُحسَب لك من نوافلك، وتُحسَب لك صلاة جعفر».