جبال الهقار والطاسيلي بالجزائر… متحف طبيعي على قائمة التراث العالمي



الهقار أو الأهقار هي عبارة عن تشكيلات جبلية بركانية شهيرة ذات تاريخ عريق ضارب في أعماق الزمن، تقع في أقصى الجنوب الشرقي للجزائر بولاية تمنراست، وهي تغطي مساحة 450.000 كلم2، أي ربع المساحة الإجمالية للجزائر.
وأصبحت الأهقار بتمنراست حظيرة وطنية لأهميتها البالغة ذات الأبعاد المتعددة في الجزائر والعالم، لما تزخر به من الكثير من الشواهد الطبيعية الحية التي لا زالت تعبر على مدى آلاف السنين عن أسرار الوجود الإنساني والحيواني والنباتي بهذه المنطقة، وخصوصا في الجنوب الكبير حيث يعود البعض منها إلى ما قبل 12 ألف سنة، وهي منطقة معروفة عالميا بمناظرها الخلابة وسحرها الجذاب.
توجد بجبال الهقار أحد أعلى القمم بالجزائر، وهي: قمة تاهات اتاكور 3013 م. وكذلك يوجد فيها أحد أجمل الممرات في العالم، وهو ممر الأسكرام الذي يمكن منه مشاهدة أجمل شروق وغروب للشمس في الجزائر والعالم كله، والمعترف به من اليونسكو.


الطاسيلي
طاسيلي ناجّر أو تاسيلي نعاجر (هضبة من الأنهار) هي سلسلة جبلية تقع بولاية إليزي في الجنوب الشرقي للجزائر، وهي هضبة قاحلة حصوية جد مرتفعة، تبلغ مساحة هذا الموقع الإجمالية 80000 كلم مربع، وقد أدرجت في قائمة التراث العالمي عام 1992، وقد تركت الشعوب التي تعاقبت على المنطقة الكثير من الآثار الأركيولوجية، منها مادة غزيرة من الفخار، غير أن الرسوم الملونة والنقوش الصخرية المتكاثرة على جدران الكهوف، هي التي صنعت الشهرة العالمية للطاسيلي ابتداء من عام 1933 تاريخ اكتشافها من طرف الملازم الأول “برينانس“. حيث يوجد أكثر من 15000 رسما وصورة تم إحصاؤها إلى يومنا هذا.
طبيعة عذراء عمرها مليون سنة
تعتبر محافظة تمنراست الجزائرية حاضنة لأقدم الحضارات الإنسانية في الجزائر والمناطق المأهولة بالسكان في شمال إفريقيا، حيث كانت معبر قوافل الملح والذهب والفضة في زمن ولى. وبالرغم من مساحتها الشاسعة التي تزيد عن نصف مليون كيلومتر مربع، أي أكبر من دولة فرنسا بكثير، إلا أن عدد سكانها لم يصل بعد مع نزوح المهاجرين الى 200 ألف شخص.
رحلة الذهاب إلى منطقة الأهقار تمر عبر مسالك ملتوية في علو متزايد، ووسط طقس رائع لا يختلف كثيرا طيلة شهور السنة، مع تدني درجات الحرارة ليلا، وخصوصا في فصل الشتاء بينما متوسطها يتراوح سائر الأيام بين 13 إلى 29 درجة، مع أمطار مدارية صيفية تغرق في بعض الأحيان المناطق الصحراوية في مفارقة عجيبة.
تراث إنساني ومعلم سياحي مصنف عالميا


منذ صنفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الأهقار ضمن التراث العالمي، حتى بدأ كثير من المغامرين الأجانب من كل دول العالم، مع غالبية محسومة للفرنسيين والألمان والإيطاليين، يتوافدون إلى أقصى جنوب العاصمة الجزائر، لاكتشاف أسرار المنطقة التي تكتنز في جنباتها تراثا إنسانيا موغلا في القدم، يضم إليه أحد أقدم الرسومات البشرية والنقوش التي يتجاوز عمرها الخمسة آلاف سنة، وهي تنبئ عن نمط حياة إنسان ما قبل التاريخ في تلك المنطقة والرقي الذي بلغه.
وهذا ما تجسده الرسوم المنحوتة على صخور عالية تحميها الطبيعة وتذود عنها من عوامل التعرية، وتزيدها أشعة الشمس التي يعد شروقها من أجمل المناظر في العالم رونقا، وتستكين مساء مع غروب قُرصها وسط صخور قرميدية، فاسحة المجال أمام زوار المتحف الطبيعي النادر والمفتوح الذي لا تحد دونه الحواجز والعوازل والجدران، ويستقبل كل ضيف بصدر رحب من الوافدين الذين يسبقهم الفضول ليروُوا غليلهم، وهم ينصتون باهتمام لروايات الرجال الزرق من قصص مجتمع الطوارق (سكان الهقار)، وخصوصا قصة ملكتهم (تين هينان) التي سادت وحكمت قبل قرون خلت.
آراء الباحـــــثين


بلغة فرنسية أكاديمية يتحدث أساتذه جامعيين عن السلاسل الجبلية الشاهقة، والتي صقلتها الرياح المحملة بالرمال الممتدة في أشكال غريبة تشد أنظار الزائرين، مشيرين إلى أن الرومان كانوا من أوائل الذين قدموا إلى المنطقة حينما استقروا في شمال أفريقيا، وجعلوا منها ملتقى قوافل تجارية بين الجنوب وروما، وتصاهروا مع أهلها واحتكوا بهم كثيرا، ويضيفون أن العديد من الدراسات التي اطلع عليها علماء جيولوجيون مكثوا سنوات طويلة يدرسون العينات التي أخذوها إلى مختبراتهم، تؤكد أن المنطقة كانت بحرية ومختلفة تماما عن تكوينها الحالي.
كما تتواجد بهذا الفضاء الطبيعي بقايا غابات تدل عليها تلك الأشجار الضخمة المتحجرة بفعل العوامل المناخية، والتي توحي اليوم بمفارقة غريبة إلى تواجد غابة استوائية وسط صحراء قاحلة، فضلا عن انتشار أكثر من 350 نوعا من النباتات، ويمثل هذا الغطاء النباتي مساحة رعوية كانت تقتات منها الحيوانات البرية والأليفة، وما زال العديد من أنواع هذه النباتات يستعمل اليوم لدواعي العلاج والصناعات التقليدية وبناء المساكن بالأهقار. وتكشف الكثير من الدلائل أن هذا الغطاء النباتي كان كثيفا، وكانت تنتشر فيه منذ أكثر من 10 آلاف سنة. كما أن المنطقة تزخر بالعشرات من الغزلان، إلا أن عددها يتناقص بسبب الصيد الجائر لهذه الثروة الحيوانية التي تكثر هناك، كالزرافة ووحيد القرن والفيلة، وتشهد على ذلك أيضا الرسوم والنقوش الصخرية المنتشرة في معظم مناطق الحظيرة.
إن حظيرة الهقار تشهد الكثير من المواقع الجيولوجية والمناجم والأثريات وبقايا المقابر التي تعود إلى ما قبل ظهور الإسلام، والكثير من النقوش المختلفة والرسومات الصخرية التي لا زالت تروي إلى اليوم ماضي وأسرار المنطقة.
أجمل غروب شمس في العالم
أبناء المنطقة يؤكدون أن لديهم أجمل شروق وغروب للشمس في العالم، ربما يعتقد البعض بأنه مضرب الاعتزاز المبالغ فيه، لكن عند الوصول إلى قمة الجبل، وعلى امتداد لا متناهٍ من سلاسل جبلية منحوتة بدقة، وكأن شعوب المعمورة قامت بتشكيلها بذلك التنسيق، ورمال رائعة، حينها سيلتمس هؤلاء حقيقة الوصف، فقرص الشمس يبدأ بالظهور بين فتحات الجبال، وأشعتها تتسلل بينها في كل اتجاه، ويقترب منك ويبدو وكأنه يعانق الأرض، ويمكن لأي شخص أن “يمسكه” بين يديه أو يحضنه. لوحة فنية مرسومة بعناية فائقة، تجعل الجميع يتأوه مستبشرا متعجبا من روعة المشهد، والذي لشدة ما هو حقيقي يحتار المرء ما إن كان مجرد خدعة آلات تصوير احترافية، حيث الكل يتهافت ويركض بسرعة لتغيير موقعه والظفر بأروع اللقطات، واللحاق بقرص الشمس قبل أن يرجع إلى مثواه في هذه البادية.
ملـكة ينتسب إليها الرجال الزرق
يتناقش الطوارق (سكان المنطقة) حول الروايات العديدة التي نسجت عن هذا المجتمع الفريد، الذي لا يزال إلى حد الآن يقر بالنسب إلى المرأة، ويمنحها حقوقا وافرة لم تحظ بها في أفضل التشريعات الغربية تقدما، إنها الملكة (تين هينان) التي يعتبرها مجتمع الطوارق أمهم الروحية، ولها ضريح مبني من حجارة ذات شكل بيضوي يعود إلى حوالي القرن الرابع الميلادي، وذلك حسب الأدوات التي عثر عليها بجانب الهيكل كالمجوهرات والأواني الخاصة بالطقوس الجنائزية.
وحسب روايات عدة، فإن هذه الملكة تعرضت لمضايقات الأسرة الحاكمة آنذاك، لتفر رفقة حاشيتها وتقطع الصحراء الكبرى لينتهي بها المطاف في (أبلسة)بتمنراست، بين تقاطع واديين مهمين للتزود بالمياه، واختارت الإقامة فيها بسبب توفر شروط الحياة، لكون المنطقة عبارة عن مراكز عبور باتجاه إفريقيا.
وتشير بعض الروايات أن الملكة كانت فاتنة جدا، وصف جمالها بالساحر، وهو ما جعل الرجال يذعنون إلى جانب بهائها ونبل أخلاقها وقوتها وشجاعتها وبسالتها، في حماية مملكتها الممتدة، وما يزال أبناء المنطقة يتحدثون عن سرقة موصوفة قام بها سنة 1925 الفرنسيون بأخذ الهيكل العظمي ربفقة الأميركيين الذين نهبوا مجوهرات ضريح الملكة.
غياب التنمية وعدم الاهتمام
الكثيرون من سكان المنطقة يلقون اللوم على المسؤولين المتنفذين في المنطـقة الذين لم يعطوا المدينة حقها، ولم يكلفوا أنفـسـهم عناء تقدير الإرث الإنساني الجليل الذي تتمـيز به هذه الرقعة المنسية الغائبة، والمتدثرة بكثبانها وبجبالها، وكأنها لؤلؤ مكنون محجوز إلى الأبد ومخفي عن الأعين، والتي يعتبرونها جنة الله على الأرض، حيث أن الرحالة ( بيار دي فوكو) الناسك استوطن المكان، وقضى ما تبقى من حياته متعبدا متأملا في جمالية المحيط والمآثر التي يستكشفها يوميا،
فيما الإنسان الحديث لم يطأ هذه الفيافي، ولم يحـسـن الاعتناء بها ولم يضفِ أية لمسة تزيد من رونــق هــذا التراث.
إن تمنراست تعاني غياب البرامج التنموية، بالرغم من مناجم الذهب المنتشرة حولها، إضافة إلى اتساع مساحتها وامتدادها وتنوع سطحها الطبيعي والبشري والثقافي، هي تملك عوامل استقطاب السياحة العالمية، فبإمكان الجزائر أن تصبح قطباً سياحياً دولياً يغنيها عن التبعية للعائدات النفطية في إقتصادها، إذا أحسنت استغلال هذا المعالم الطبيعية.