[ هل يستطيع الأب اختيار أصدقاء ابنه ؟ ]
.
ربما لا نستطيع اختيار الأصدقاء لأبنائنا بشكل مباشر؛ إذ الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، والصداقة مبنية على المحبة والألفة، والتقارب في الشخصيات والطباع، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تُفرض عليهم فرضاً.
إننا بحاجة لأن ندرك أنه بوسعنا اختيار أصدقاء أبنائنا بشكل غير مباشر؛ وذلك بصنع البيئات الملائمة لتكوين صداقات آمنة. فاختيار مكان السكن، والمدرسة، وإشراك الأبناء بالمناشط الخيِّرة مع من عُرف عنهم الصلاح والأدب، كل ذلك يسهم في اختيار صداقات الأبناء إلى حدٍ كبير.
أيها الآباء، أيتها الأمهات، مهما بلغتم من الحرص على اصطحاب أبنائكم معكم في مجالسكم، وغدواتكم وروحاتكم، فلا غنى لهم عن قُرناء في نفس سنهم يبادلونهم الود والمشاعر، ويلعبون معهم، وينمون معهم نفسياً وانفعالياً.
إن عزل الطفل عن أقرانه يولد شخصية مشوهة لا تستطيع التعايش مع أبناء جيلها؛ مما يجعلها مثاراً للسخرية والتندر.
“لا تُكرهوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم” (علي بن أبي طالب رضي الله عنه).
إن زرع القيم الإيجابية في الأبناء مثل: الصدق، الأمانة، العفة، الاحترام، حب العلم…، وتربيتهم عليها يساعد كثيراً في تحديد هوية أصدقائهم في المستقبل؛ مما يجعل دائرة اختيار الأصدقاء لديهم ضمن منظومة المشتركات في الدين والخلق. وتحبيبهم في القراءة، وتعويدهم على استثمار أوقات الفراغ، وإشراكهم في بعض الأنشطة والدورات العلمية والمهارية منذ نعومة أظفارهم يرفع من قدراتهم ويطور مهاراتهم؛ وبالتالي سينعكس على اختيارهم للأصدقاء.
وما دام أن صديق ابني ورفيق عمره هو من المؤثرين الأساسيين في تكوين شخصيته، وعضواً فاعلاً في رسم مستقبله؛ فيجب علي القيام بحملات تثقيف وجلسات حوار مقنعة لطفلي عن أهمية الصديق في حياته وكيفية اختياره ومن ذلك:
أي بني: إن الإنسان بطبعه وبحكم بشريته يتأثر بجليسه، ويكتسب من أخلاق قرينه وخليله. يقول حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم: “الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” (سنن أبي داود/ رقم: 4833).
والصاحب أثره ظاهر على صاحبه، ونتائج ذلك سريعة الظهور. قال صلى الله عليه وسلم: “إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك، إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة”. (صحيح مسلم/ رقم: 2628).
بنيَّ، حبيبي، إنَّ صديق السوء لو لم تجنِ منه إلا السمعة السيئة لكفاك سوءاً، وصديق الصلاح لو لم يصلك منه إلا السمعة الحسنة لكفاك شرفاً.
كم من طفل أصبح شريراً وفاسداً بسبب صديق فاسد، أو مجموعة من الأصدقاء الأشرار!
وكاذب من ادَّعى قدرته على مصادقة الأشرار دون التأثر بهم، وإلا لماذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي بصيانة سمعه وبصره، ومفارقة مجالس السوء. قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاً تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين} [الأنعام: 68]، وأمره بمجالسة الصالحين ولزومهم، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاً تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاً تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: 28].
أي بني: لستم وحدكم معاشر الأطفال من يتأثر بصديقه سلباً أو إيجاباً. حتى الكبار والعقلاء يتأثرون بجلسائهم وقرنائهم. هذا أبو طالب لمَّا حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل، وعبدالله بن أبي أمية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “أي عم، قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل)، فقال جليسا السوء، ورفيقا الفساد – أبو جهل، وعبدالله بن أبي أمية: “يا أبا طالب أترغب، عن ملة عبدالمطلب”، فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر ما قال: “على ملة عبدالمطلب”. (صحيح مسلم/ رقم: 24).
ولدي، ثمرة فؤادي، إني أحذرك من قرناء السوء، فإنك إن هممت بخير ثبطوك، وإن عزمت على شر شجعوك، وإن استحييت من فعل منكر هونوه عليك، فهم دعاة لك على طريق جهنم إن أجبتهم كانت عاقبتك العض على يديك ندماً على صحبتهم يقول الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً} [الفرقان: 27، 29].
.