النهضة الحسينية
لقد كان الإيمان الذي يتعرض للانهيار ومصير الناس الذين وقعوا أسرى ظلم واضطهاد أشد مما كانا في الجاهلية والذين يطمحون إلى الحرية والعدل، هؤلاء كلهم كانوا ينظرون ماذا سيصنعه البطل!! أما هذا البطل الذي كان وحيداً أعزل بلا سلاح، فقد أظهر ببطولة نادرة حين جاء بكيانه ووجوده وحياته، وجاء بأهل بيته وأعز الناس على قلبه، ليشهد ويشهدهم أنّه أدى ما عليه في عصر كان الحق فيه مثله، بلا سلاح ولا دفاع: "اشهدوا فإني لا أقدر على أكثر مما فعلت"! وعلى هذا فهو في اليوم العاشر من محرم يتلقى دم طفله الذبيح بيده فيصعده إلى السماء قائلاً: "انظر واشهد وتقبل هذا القربان"، وفي عصر كهذا فإن "موت رجل" يكون ضماناً لحياة أمة وأساساً لبقاء عقيدة، وتكون "شهادته" إثباتاً لجريمة كبرى وهتكاً لأقنعة الخداع والزيف ولأقنعة الظلم والقسوة الحاكمة وإدانة لسحق القيم ومحوها من الأذهان، بل إنه احتجاج أحمر على التحكم الأس
ود وصرخة غضب في صمت قطع الحناجر!

إن الشهادة هي الشيء الذي يتغلغل في أعماق التاريخ لتكون قدوة لمن يأتي ويريد أن يكون، وهي إدانة لهذا العصر الذي يمضي بصمت، ثم أنها الطريق الوحيد وشكل المقاومة الوحيد وعلامة الحضور والدفاع عن العدل والصدق والحق الذي جرّده، بالخيانة والباطل والظلم، نظام هذا العصر من سلاحه ثم دكّ قلاعه وقواعده وأباد أنصاره وطلاّبه وهدد الإنسانية كلها بخطر الموت النهائي. كل هذه المعاجز تنبثق من "الشهادة" وفي كل هذا العصر لا بد من مصلح منتظر، والسنة الستون تطلب هذا المصلح المنتظر، بل لا بد من "قائم" في أطلال هذه المقبرة السوداء الصامتة!!

ولقد كان الحسين يعي أهمية هذه الرسالة التي وضعها مصير الإنسان على عاتقه، لذلك بادر بالخروج من مكة إلى مصرعه وهو يعلم أنّ التاريخ ينتظر وينظر إليه، وأن الزمن الذي يعود إلى الوراء على يد الرجعية يتطلع إليه ليتقدم، والناس المستسلمون للأسر بدون مقاومة في حاجة إلى نهوضه وإلى صرخته، وأخيراً فإن "رسالة الله" التي وقعت في أيدي الشياطين تريد منه أن يشهد "على هذه الجريمة" بموته، وذلك معنى قوله: "شاء الله أن يراني قتيلاً".ـ
علي شريعتي