كبيرٌ على بغداد أنّي أعافُها |
وأني على أمني لديها أخافُها |
كبيرٌ عليها، بعدما شابَ مفرقي |
وجفَّتْ عروقُ القلبِ حتى شغافُها |
تَتبَّعثُ للسَّبعين شطآنَ نهرِها |
وأمواجَهُ في الليلِ كيف ارتجافُها |
وآخَيتُ فيها النَّخلَ طَلعاً، فَمُبسِراً |
إلى التمر، والأعذاقُ زاهٍ قطافُها |
تَتبَّعتُ أولادي وهم يملأونها |
صغاراً إلى أن شَيَّبتهُم ضفافُها! |
تتبَّعتُ أوجاعي، ومسرى قصائدي |
وأيامَ يُغني كلَّ نفسٍ كفافُها |
وأيامَ أهلي يملأُ الغيثُ دارهَم |
حياءً، ويسقيهم حياءً جفافُها! |
فلم أرَ في بغداد، مهما تلبَّدتْ |
مَواجعُها، عيناً يهونُ انذرافُها |
ولم أرَ فيها فضلَ نفسٍ، وإن ذوَتْ |
ينازعُها في الضائقات انحرافُها |
وكنّا إذا أخَنَتْ على الناس غُمّةٌُ |
نقولُ بعون الله يأتي انكشافُها |
ونغفو، وتغفو دورُنا مطمئنّةً |
وسائُدها طُهرٌ، وطهرٌ لحافُها |
فماذا جرى للأرض حتى تبدَّلتْ |
بحيث استوَتْ وديانُها وشِعافُها |
وماذا جرى للأرض حتى تلوَّثت |
إلى حدّ في الأرحام ضجَّتْ نِطافُها |
وماذا جرى للأرض.. كانت عزيزةً |
فهانتْ غَواليها، ودانت طِرافُها |
* |
سلامٌ على بغداد.. شاخَتْ من الأسى |
شناشيلُها.. أبلامُها.. وقِفافُها |
وشاخت شواطيها، وشاخت قبابُها |
وشاخت لفرط الهمِّ حتى سُلافُها |
فلا اكتُنِفَتْ بالخمر شطآنُ نهرِها |
ولا عاد في وسعِ النَّدامى اكتنافُها! |
* |
سلامٌ على بغداد.. لستُ بعاتبٍ |
عليها، وأنَّى لي وروحي غلافُها |
فلو نسمةٌ طافتْ عليها بغيرِ ما |
تُراحُ به، أدمى فؤادي طوافُها |
وها أنا في السَّبعين أُزمِعُ عَوفَها |
كبيرٌ على بغداد أنّي أعافُها! |
|