ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودوس الملك إذا مجوس من المشرق قدجاءوا إلي أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود. فإننا رأينا نجمة في المشرقوأتينا لنسجد له فلما سمع هيرودوس الملك إضطرب وجميع أورشليم معه فجمع كل رؤساءالكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح، فقالوا له في بيت لحم اليهودية لأنههكذا مكتوب بالنبي وأنت يا بيت لحم أ{ض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منكيخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل " ( متى 2: 1-6 ).
نلاحظ هنا من بشارة القديس متىالإنجيلي الذي كرز لليهود مستخدماً شواهد كثيرة من العهد القديم ليثبت صحة وقوةالبشارة وإثبات تجسد الكلمة إذ يقول في الإصحاح الأول والآية 23: هوذا العذراء تحبلوتلد إبناً ويدعى إسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا، القديس متى يستشهد من أقولاالنبي أشعياء كذلك نراه يستشهد بما قاله ميخا في الإصحاح الخامس والآية الثانية: وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبيإسرائيل. لذلك نرى تحديداً للمكان لأن بيت لحم تقع في سبط يهوذا جنوبي سبط بنيامينوهي أرض اليهودية ونرى كذلك الشجرة التي ستصل إليها مدينة بيت لحم بسبب ولادة السيديسوع المسيح فيها.
مدينة بيت لحم حيث ولد المسيح فيها عاشت هذا الحدث – منذ قدومالرعاة إلي المهد بعد أن قبلوا البشارة الملائكية – حتى يومنا هذا محافظة علىالتقليد المعطى لها: لكننا سنذكر لمحات سريعة تاريخية لما مر على هذا الحدث علىالمغارة والتي هي مهد السلام لأن المسيح هو سلامنا الحقيقي.
نرى أن الحدث المهميبدأ في القرن الرابع ما بين العام 326-339م فقد تم بناء كنيسة المهد فوق مغارةالميلاد تخليداً لذكرى ميلاد السيد المسيح له المجد على يد الإمبراطورة البيزنطيةالقديسة هيلانة بأمر من إبنها الإمبراطور القديس قسطنطين الكبير فدعيت هذه الكنيسةالأولى بإسم والدة الإله ( ثيوطوكوس ).
في العام 529م تعرضت الكنيسة إلي تدميربسبب ثورة السامرين بقيادة " بن سبار " ضد البيزنطينيين بعد 6 سنوات في العام 535متم إعادة بناء الكنيسة للمرة الثانية على يد الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس بدعوةومبادرة من القديس سابا المتقدس الغيورة لإعادة إحيائها حيث دعيت بإسم كنيسة المهدهذا وقد تم تغيير شكل الكنيسة " الباسيليكا " أي الهيكل الملوكي من الشكل المثمنبحنية واحدة دون رواق في البناء الأول إلي باسيلكا بشكل صليب ذات ثلاث حنيات إضافةإلي النرتكس في البناء الثاني.
في العام 614م بغزو الفرس للمنطقة تم هدم الكنائسفي الأرض المقدسة بفلسطين ما عدا كنيسة المهد التي سلمت وذلك بسبب وجود قطعة منالفسيفساء على جدران الواجهة الغربية من المدخل والمرسوم عليها صورة تمثل المجوسملوك المشرق بزيهم الفارسي التقليدي وهم يقدمون السجود والهدايا للطفل المولود يسوعوهو في المذود، فبإحترامهم لملوكهم ظناً منهم بما يتعلق بهم أعرضوا عن تدميرالكنيسة سامحين ببقائها لكنهم قاموا بإضهاد الرهبان والكهنة الموجودين فيها لذلكتعتبر هذه الكنيسة الباسيليكا أقدم كنيسة في الأرض المقدسة إذا لم تكن في العالمأجمع.
في العام 638م بدخول المسلمين إلي الأراضي المقدسة تم عقد معاهدة صداقة فيالإخاء والمساواة ما بين المسيحيين والمسلمين بالمعاهدة العمرية المعروفة التي تمتما بين بطريرك المله الملكية – بطريرك الروم الأرثوذكس – بالقدس البطريرك صفرونيوسوالخليفة عمر بن الخطاب بإعطاء الأمان للجميع وفرض الإحترام المتبادل ما بينالطرفين في المحبة والتسامح وحكمة عدم المساس بحرمة الأماكن المقدسة للمسيحيين أوالصلاة في كنائسهم جماعة.
وبعدها من فترة حكم الأمويين حتى العباسيين في القرنالتاسع بقيت الأمور كلها كما هي محافظ عليها والكنيسة أنقذت سالمة رغم بعضالمحاولات من بعض الفئات المغرضة أم في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي في العام 1009م فقد قام بهدم معظم المزارات المسيحية المقدسة ولكنة هنا قد إستثنى كنيسةالمهد من الهدم وذلك نظراً لما ورد عن زيارة وصلاة الخليفة عمر بن الخطاب فيالكنيسة الحنية الجنوبية فكان نتيجة هذا الإحترام لسلفه بهذه الميزة الخاصة أن أعرضعن هدمها وخاصة في إعتقاده الديني بمكانة سيده النبي عيسى كما يسموه وإجلالهلميلاده الكريم.
وهذا ما جاء مؤكداً في القرن التاسع بما ورد في نصوص كتاباتالمؤرخ البطريرك افتيخيوس الإسكندري كما أوضح هذا البطريرك مؤكداً عن واقعة البناءالثاني للكنيسة من قبل " جوستينيان " في القرن السادس.
أما هنا بعد حوادثالزلازل المتعددة كما في العام 1834م والعام 1927م فقد إضطر حينها للبدء في النظرلأساساتالكنيسة ودراسة الوضع ففي العام 1934م في فترة الإنتداب البريطاني وإشرافهمعلى الكنيسة قامت دائرة الآثار بالتحريات والكشف في أرض الكنيسة بإشراف هاملتونوذلك للصيانة والبرهنة في التنقيب حيث تم ملاحظة أن قواعد العمدة مطمورة في أرضالكنيسة بأساسات متينة لاسيما بعد الكشف عنها بحفريات علماء بريطانيين والباحث وليمهارفي إذ ظهرت على عمق 70سم بقايا الفسيفساء الرائعة التي تعود إلي الكنيسة الأولىزمن القديسة هيلانة والقرن الرابع حيث وجدت الرموز المسيحية وبعض الصلبان التي وضعترسماً في ذلك الحين على أرضية الكنيسة وهذا إثبات رسمي للبناء القسطنطيني الأوللأنه بعد العام 427م عقد مجمع محلي في اللد من قبل الإمبراطور البيزنطي ثيوذوسيوسالثاني بمنع وضع الصلبان على الأرض إذ أنها طريقة غير صحيحة في أن تكون مداساًللأرجل فإقتصر رسمها على الجدران. أما رجوعاً إلي التسلسل التاريخي للأحداث فبعدالفاطميين كذلك كان الحال مع الأيوبيين وخاصة بقيادة صلاح الدين الأيوبي في العام 1187م الذي قام بدوره هو أيضاً في إحترام المكان المقدس حيث سلمت الكنيسة في عهدهأما في زمن خلفائه من المماليك الذين حاولوا مراراً هدمها في القرن 13 كالظاهربيبرس الذي لم يستطع ذلك بفعل آيات وعجائب حدثت كما جاء ذكرها في تاريخ تقليدكنيستنا الأرثوذكسية.
في العام 1099م كان قدوم الصليبيين وسيطرتهم على البلادالتي كانت لأهداف خاصة ذات أطماع ذاتية قاموا من خلالها بتتويج بعض ملوكهمالصليبيين بالهيمنة على إدارة زمام الأمور في الكنيسة طامحين إلي تأسيس المملكةاللاتينية في القدس ولكن قد باءت بالفشل هذه الأطماع عند مجيء القائد صلاح الدينوتصديه لهم، ولكن أيضاً قد تم هنا إتفاق تعاون رغم الصراعات المريرة التي مرت بهاالكنيسة لنرى في هذه الفترة الصليبية ما بين العام 1169م - 1165م فنرى الفسيفساءالمزين الجدران على الجوانب العليا من كلا القسمين الحائط الجنوبي بما يمثله منأشخاص من أجيال المسيح حسب ( متى 1:1-16 ) والحائط الشمالي الشرقي بما يمثله فوقصور المجامع المسكونية السبعة والمجامع المكانية الستة بتفاصيلهم على كلا الجهتينوالتي تؤكد المبادئ العقائدية لإيماننا القويم في دحض البدع والهرطقات التي ظهرت فيذلك الوقت من القرن الثالث وبعده وخاصة في الحديث عن شخص السيد المسيح وطبيعتهالإلهية والإنسانية الكاملتين وبالفعل ففد كان هذا الفسيفساء المثال الحسن فيالإتفاق والوحدة ما بين الشرق والغرب بالتعاون مع الإمبراطور البيزنطي إمانوئيلكومينيتوس والفنان باسيليوس مصمم العمل ومنفذه اليوناني الفنان أفرام كما نرى أيضاًرسومات على أعمدة كنيسة الباسيليكا من صور القديسين من الكنيسة الشرقية والغربيةالتي وضعت ما بين القرن 14 :12.
أما الباسيليكا الحاضرة التي من القرنالسادس فتشمل على خمسة مقاطع لأربعة صفوف من الأعمدة على كلا الجهتين يمثلون 44عموداً تبين أنها قطعت أصلاً من محجر من ضواحي بيت لحم يدعى " المصلب " حيث يبلغطول العمود 6 أمتار كل منها قطعة حجرية واحدة من الرخام الوردي تتوجها راسياتكورنثية بيزنطية الطابع من الرخام البيض بالإقتراب من مصطبة مربعة في صحن الكنيسةوترتفع عن أرضها حوالي متر لتعطي للزائر فكره عن كونها سطح مغارة المهد وهوالكاثوليكون القسم المركزي لصحن كنيسة الروم الأرثوذكس فنشاهد " الأيقونسطاس " وهيكلمة يونانية تعني الحائط الخشبي الذي يحمل الأيقونات حاجباً أو فاصلاً ما بين داخلالهيكل مكان " المذبح " وسحن الكنيسة مكان وقوف المؤمنين، وهو الهيكل الأرثوذكسيالطابع المصنوع من خشب أرز لبنان والمحفور في القرن 17 فتزينها الأيقونات البيزنطيةالمرسومة الذهبية منها والفضية بالإضافة إلي الثريات النحاسية الضخمة التي صنعت فيننبرغ بألمانيا عام 1869م والتي قدمت من العائلة الروسية المالكة القيصر نيقولاالثاني وزوجته ألكسندرا.
في العام 1517م بمجيء لعثمانيين الأتراك أجريتالتعديلان الأخيرة للكنيسة حيث صغر المدخل إلي باب ضيق رمزاً للتواضع وحماية للمكانكذلك تم تعديل سقف الكنيسة الخشبي التي تعرض إلي الخراب لمرات عديدية فعدل من جميعطوائف الكنيسة مما أدى إلي زرع حقوق وإمتيازات لكافة الأطراف وهذا الأمر إستدعى أنيتم حل الوضع بنظام عالمي أي بقانون دولي ينظم أوقات ومواقع العبادات بين الطوائفوخاصة بعد حرب القرم 1854م وبالتالي بعدها تم عقد مؤتمر في باريس عام 1856م ليكونهذا النظام نظام الوضع الراهن " الإستاتسكفو " نظام المزار بقوانين خاصة تجمع بينكافة الفئات كنتيجة للأحكام والفرمانات التي أعطيت من قبل المماليك والأتراك، وهذاإتبع هذا النظام بإشراف الحكومة التركية وبعدها البريطانية ما تلى ذلك لتبقىالكنيسة موزعة ما بين الأطراف الثلاثة كل في موقعه بإلتزام شديد حساس إنهاءللنزاعات التي زرعت سابقاً وهكذا فإننا نحتفل بعيد الميلاد ثلاث مرات في السنةنظراً لإختلاف التقويم حسب كل طائفة، إذ أن الروم الأرثوذكس يعيدون حسب التقويماليولياني الشرقي القديم في 25 ديسمبر شرقي الواقع في 7 يناير أما الغربيينفيحتفلون بعيد الميلاد في 25 ديسمبر غربي فكلا الكنيستين تعيدان في 25 من شهرديسمبر لكن نتيجة الفرق بين التقويم اليولياني القديم الذي وضعه يوليوس قيصر سنه 45قبل ميلاد السيد المسيح والتقويم الغربغوياني الجديد الذي وضعه الباب غريغوريوسالثالث عشر سنه 1582م في روما ونتيجة الفرق في يومنا هذا هو 13 يوماً.
أما طائفةالأرمن فتعتبر أن ميلاد المسيح مرتبط بظهوره في المعمودية في نهر الأردن لذلك يكونعيد الميلاد والظهور عند الأرمن في نفس يوم عيد الظهور عند الروم الأرثوذكس أي في 6يناير شرقي 19 يناير غربي.
وأخيراً نتمنى من الله تعالى لكم جميعاً أعياداًمجيدة مباركة ملؤها المحبة والخير والسلام مليئة بالفرح الروحي الذي يرسله ملكورسول السلام ألا وهو ربنا يسوع المسيح.
ولننشد مع الملائكة بفرحقائلين:
المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة