8 قصائد للشاعر الكردي لطيف هلمت تقديم وترجمة: جلال زنكَابادي
يعود الفضل في تحديث الشعر الكردي (مابعد المرحلة الكورانية) إلى بضعة أسماء فعّالة، في أواخر ستّينات القرن العشرين، وفي مقدّمتها إسما الشاعرين البارزين لطيف هلمت(1947) وفرهاد شاكلي(1951) من (جماعة كفري *) التي سبقت حركة(روانكه= المرصد ) في هذا المضمار؛ وهنا تكفينا الإشارة إلى مجموعة(أللّه ومدينتنا الصغيرة-1970) للشاعر لطيف هلمت الغزير العطاء منذئذ حتّى الآن ؛ فلا غرو إن حظي هو وشعره بعشرات المقالات والدراسات والترجمات والإشارات، في اللغة الكردية وعدّة لغات أخرى شرقيّة وغربية...
يكاد جلّ شعر(هلمت) أن يتّسم ويتميّز منذ بداياته ولحد الآن بصوره الحسّيّة المتفجّرة، وغنائيّته الرومانسيّة الشّفّافة غالباّ والآسية أحياناً، وبمضامينه القوميّة التقدّميّة ونزعته الإنسانيّة ؛ فهو شاعر الفقراء والمستضعفين والتآخي القومي والحب بكل مدياته...
طالما أفلح الشاعر هلمت في قصائده القصيرة، الشّبيهة بالرباعيّت الشرقيّة وقصائد (الهايكو والتانكا) اليابانيّة، وفي تأثيرها الفوري كالبوسترات (الملصقات)، بينما تكاد غالبيّة قصائده الطويلة مجرّد تراكم كمّي لقصائد ومقطوعات قصيرة ، تفتقر إلى البناء الدرامي المطلوب...وتطغى على قاموسه الشعري مفردات : الأم، الحبيبة، الحلم ، العاصفة، الهجرة، المنفى، الشجرة، الحمامة، العصفور، الذئب، والوطن.......إلخ...
وتجدر هنا الإشارة إلى أن (هلمت) صحافي، مترجم، ناقد، قاص، ويعنى أيضاً بأدب الأطفال ، كما أنّه يكتب باللغة العربيّة ويجيد اللغة التركمانيّة.
(1)
الحلم الأخضر
في حلمكِ
إذا ما جاءك شاعر
وهمّ باحتضانك
وحاول أن يقبّلك عنوةً...
إذا جاءك شاعر
في حلمكِ
وحاول أن يخطفك
ويأخذك...
ذالكم هو أنا
فأنا من ييجيئك في الأحلام ليس إلاّ!
(2)
الحلم الضائع
حلمت
إستحالت أناملي عصافيراً
عصافير موسم الحبّ
تتطاير في رياض شعركِ...
حلمت
كنت طفلاً
وأنت العسل
كنت ظامئاً
وأنت النّهر
كنت شريداً
وأنت المدينة...
حلمت
كنت طفلاً
أتجمهر في روضة ليل القرى...
حلمت
كان الطقس زمهريراً
وأنا أضطجع مابين نهديك...
وإذا بالحلم يتلاشى
كسنونوة باغتها المطر،
فصفّقت بجناحيها
وحلّقت في السّماء ؛
فوجدتني
في ديجور غرفتي
مبعثراً
مرميّاً وحدي ‍!
(3)
أغنية
لم أكن أعرف الغناء ؛
إنّما علّمني الفقراء...
لم أكن أعرف الغضب
إنّما علّمني الظّالمون..
لم أكن أعرف الحبّ؛
إنّما علّمتني الأنهار...
ولم أكن أعرف الشعر بتاتاً؛
لكنّما علّمني العشّاق
وزنود الفلاّحين وأكفّهم المتشقّقة
وأقدامهم الحافية...
وإذا كان لابدّ من الموت ؛
سأموت من أجل الفقراء
(4)
شيء ما عن الشعر
طوال لياليّ صحارى الحياة
يقبّلني الشعر كصبيّة حلوة
يمنحني القبل أحياناً
قبل النّار، قبل السّكّر وقبل المطر...
طوال لياليّ صحارى الحياة
يحاورني الشعر كفتاة جميلة
وظلّ يحدّثني
ثمّ يحطّم التمثال الذي أنحته !
(5) ‍‍‍
أمّي
أمّي
بؤبؤ عيني
قوّة قلبي وكياني
تغطّينني حين أنام
وتحدب عليّ لمّا أتمرّض
تغسل يديّ ووجهي
وتغيّر ملبسي..
تنصحني أن أكون طيّباً
وفيّاً و مهذباً
وأن أطالع دروسي ،
أن أكلّم الناس بلطف
ولا أتشاجر مع الأطفال
في البيت والمدرسة...
وأن أكون صادقاً ونزيهاً
مخلصاً لوطني
حنانيك ياأمّي
يا حبّة عيني
يابأس قلبي وكياني
(6)
(...........)
كل النجوم المهاجرة
عادت ،
حطّت على زجاجات الشّبابيك
وعشّشت سوى نجمتي ؛
فأين أفتّش عنها
في
أيّ غابة
أيّ ضيعة
أيّ ربوة
وأيّ الدّروب؟
كلّ ما أخشاه
أن تضيع نجمتي كأمّي !
(7) ‍
الحمامة والطّفل
أيّتها الحمامة
يا ذات القوادم البيض
تطيرين الهوينى
بحرّيّة وأمان
تتوغّلين
في الزرقة الصّافية على مهل
وتحيلين السّماء عشّاً
إن هبّت عاصفة
أو انهمر مطر
إنّك تعشقين الحرّية
يطرب سمعك للحنها
وأنا رغم صغري
دونما زغب أو ريش أو أجنحة
ورغم البَرَد والزّوابع الرّعدية
أحبّ القمم الشّامخة !
(8)
الجمرات الذّهبيّة
1
أفتح كل نوافذ بستاني
من الصّباح حتّى المساء
لحمامة في أقصى الأقاصي
تتراءى ولاتتراءى
هي المعشوقة وليست هي !
2
ثمّة نافذة في زنزانة
لا بل ثغيرة ، ثغيرة
تختلس آلاف النّجوم
وسماءً رحيبة رحيبة...
هكذا إذنْ تشيّد قصيدة واحدة
آلاف الجسور بينك وبيني!
3
ياترى
ألا توجد ثلاّجة
تحفظ لما بعد الموت
بضع جمرات من الحياة
وزهور عسل الأحلام؟!
4
ينضح الماء من الكوز
وعسل الحبّ من قلبي
وتسيل وريقات من الغابة
وأشعار الجراح من يديّ !
5
يسّاقط الثّلج على الجبال
وأنت تنهمرين على قلبي
يستحيل الثّلج
غابات ، ينابيع وزهوراً زاهية
وأنت تصبحين في قلبي
أحلى الشموس!
6
مائة نجمة
تدخل مرآة صغيرة
أمّا هذه الأرض الكبيرة
فلا تسعني كخرم الإبرة !
7
أهذا هو الشعر يعدو
كراع سُرقَ خروفٌ له
في شعاب ومسالك ووديان
كل عروقي- السحائب ؟
أو أن يد الريح تسرق
ورد لهيب قلبي
وتمنحه لقمّة نائية
ذات ناصية حمراء ؟!
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــ
*غير مرّة أشار الأديب الكبير لطيف هلمت، في مقالة له، مقابلة معه، أو ندوة شعريّة إلى كون العبد الفقير(جلال ورده زنكابادي) كان بصورة غير مباشرة من (جماعة كفري) الأدبيّة ، أمّا الحقيقة فهي عدم إنتمائي إلى أيّ جماعة أو مجموعة أدبيّة، خلال حياتي منذ بداياتي التي تعود إلى (1963) في مدينة (جلولاء)؛ فقد ظللت خارج (الأسراب) ومازلت كذلك. ومع ذلك فقد كنت على صلة صداقة بهذا الأديب، او ذاك من (جماعة كفري) و(جماعة كركوك) الأدبيّتين المؤثّرتين على صعيديّ كردستان والعراق...حيث كنت أتابع (جماعة كفري) منذ 1966عن طريق صديق وسيط وهوالقاص أحمد شاكلي (زميل دراستي في دار المعلّمين الإبتدائية بكركوك/1966-1969) وفي فترة خدمتنا العسكريّة الإلزاميّة ببغداد (1970-1971) إذ طالما كان يعرض عليّ ترجماته الفوريّة لنصوص هلمت والشاكلي فرهاد؛ لتقييمها وتقويمها؛ بهدف تطويرها، ناهيكم عن تزويدهم (بما فيهم الأخ أحمد) بما كان يقع تحت يدي من مجموعات شعريّة ومجلاّت مهمّة كمجموعة(المسرح والمرايا) لأدونيس في 1968 وهنا لابدّ من الإشارة إلى الدور التحفيزي الـمشكور للصديقين أحمد الشاكلي وعبدالجبّار الجباري(الشهيد) في تعلّمي للّغة الكرديّة(قراءةً وكتابةً) منذ 1970 فصاعداً..
وهنا لابدّ من الإشارة إلى أن مدينة جلولاء الكردستانيّة قد أنجبت كوكبة مشهودة العطاء من الأدباء والفنانين منذ النصف الثاني من ستينات القرن العشرين وحتى الآن ومنهم: شاكر نوري ، عدنان حسين احمد، تحسين كَرمياني ، سعد محمد رحيم ، جمال نوري ، صلاح زنكَنه، جلال جميل الخالدي ، حميد شكر، محمود بستاني ، رحمن ورده ، محمود نوري ، عادل أصغر العبيدي ، سيروان رفعت ، عبدالله ورده وكاتب هذه السطور...
جلال زنكابادي